هذه "كلمة السر" في تعبيد الطريق لاعتماد قانون الإضراب المثير للجدل بعد طول انتظار

هذه "كلمة السر" في تعبيد الطريق لاعتماد قانون الإضراب المثير للجدل بعد طول انتظار

أخبارنا المغربية ــ الرباط

بمصادقة لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، تكون المؤسستان التنفيذية والتشريعية قد خطتا خطوة كبرى في المسار التشريعي لإخراج نص على قدر كبير من الأهمية، ظل حبيس الرفوف لسنوات.

ويجمع المتتبعون، على أن "التوافق" الذي اختارته الحكومة عقيدة ومنهجا في التعاطي مع هذا النص التنظيمي الذي ظلت جهود إخراجه متعثرة لفترة طويلة، هي كلمة السر في "الاختراق" الذي تحقق على مستوى مجلس النواب، والذي أثمر تعديلات جوهرية على النص المودع لدى المجلس منذ سنة 2016، همت مواده وهيكلته.

وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء في ختام اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية الذي امتد لـ 18 ساعة مسترسلة من النقاش المستفيض، أكد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، أنه تمت معالجة أكثر من 334 تعديلا "والإنصات لكل الآراء المعارضة منها والمؤيدة"، مشيرا إلى تقليص مواد مشروع القانون التنظيمي من 49 مادة الى 35 في هذه المرحلة.

واعتبر الوزير أنه في ضوء التعديلات التي تم اعتمادها "يكون هذا القانون قد تقدم بشكل جوهري وأصبح بعيدا كل البعد عن الإجراءات التي وردت فيها ملاحظات الفرقاء الاجتماعيين والمجالس الدستورية وتعديلات فرق المعارضة والاغلبية"، منوها بـ "العمل الجاد الذي أبانت عنه الفرق وكل النواب بلا استثناء".

وسجل في هذا السياق، أنه تم تعديل عدد كبير من المواد المهمة من قبيل سحب منع الإضراب لأسباب سياسية، والإضراب التضامني، والإضراب بالتناوب، فضلا عن تقليص المدد الزمنية للتفاوض ومدد الإخطار بالاضراب.

وتعليقا على مصادقة اللجنة النيابية المعنية بمجلس النواب على القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب، قال محمد غياث، نائب رئيس مجلس النواب، والنائب البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار، إن هذا النص " له سياق تشريعي خاص، إذ تم إيداعه في مجلس النواب سنة 2016 ولم يحصل أي توافق بشأنه من قبل الفرقاء نظرا للخلافات السياسية والحقوقية حوله".

وأضاف في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن الحكومة الحالية "اختارت بشجاعة تغيير المحتوى بالكامل عبر مشاورات معمقة مع كل الفاعلين، إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار آراء المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهذا ما أفرز توافقا واضحا وواسعا حول هذا القانون الذي تغير جذريا عن الصيغة الاولى".

وأشار إلى أن فريق التجمع الوطني للأحرار "استوعب منذ البداية أهمية هذا القانون، لاسيما مسألة تنزيل طموحات الطبقة العاملة و الفاعلين الاقتصاديين لسد الفراغ التشريعي الذي طال لعقود، وتكريس مفهوم الدولة الاجتماعية كواقع ملموس".

وبالتالي، يتابع النائب البرلماني، تم الاشتغال وفق منطق الأغلبية وتم تقديم 29 تعديلا همت نقاطا جوهرية، خاصة في حماية حقوق المضربين ومأسسة مناخ متوازن داخل المقاولات وكل المؤسسات الإنتاجية، مشيدا "بهذا المنجز التشريعي الهام الذي ستكون له بلا شك آثار تحفيزية مهمة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية الوطنية".

من جهته، أكد رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، إدريس السنتيسي، أن الأهمية البالغة التي يكتسيها مشروع القانون في الحياة المهنية والاجتماعية دفعت الفرق والمجموعة النيابية وباقي النواب إلى تقديم قرابة 334 تعديل على المشروع، كان عنوانها الأبرز حماية الحق الدستوري في الإضراب، بشكل ينزع عن هذا الحق كل أشكال التضييق وحذف العقوبات السالبة للحرية.

وسجل أن الفريق الحركي طالب منذ بداية الولاية الحكومية بضرورة إدراج المشروع في المسطرة التشريعية بعد إيداعه لدى مجلس النواب سنة 2016، "وذلك بالنظر لكون تنظيم حق الإضراب بالمملكة يكتسي ضرورة ملحة في بلد له تطلعات وانتظارات وطموح لتحسين مناخ الأعمال".

وبالتالي، يضيف السنتيسي، "فقد تعاملنا إيجابا مع المشروع ، ونوهنا بالمقاربة التشاركية التي نهجها الوزير الوصي، سواء مع الفرقاء الاجتماعيين أو مع مختلف مكونات الطيف السياسي من الأغلبية أو المعارضة"، مشيرا إلى "تسجيل مؤاخذات كثيرة على المشروع، سواء بالنسبة لهيكلته أو تبويبه أو مضامينه، مما دفع بالفريق إلى وضع عدد من التعديلات التي تنسجم مع قناعات الحزب المرتبطة بحقوق الإنسان، وبالمشروع المجتمعي والنموذج الاقتصادي الذي تتطلع إليه المملكة".

وسجل رئيس الفريق الحركي وجود "شوط ثان من المناقشة لهذا المشروع بمجلس المستشارين، حيث سيكون هناك نقاش وتعديلات إضافية، ما سيمنح النص الجودة المطلوبة"، معربا عن أمله في "إخراج هذا القانون التنظيمي بشكل متوافق عليه، وفي أسرع وقت ممكن، والشروع في تحيين مدونة الشغل، وكذا إخراج قانون خاص بالمنظمات النقابية، وتعديل أو حذف النصوص القانونية التي تتعارض مع هذا الحق".

وفي قراءته لسياقات إقرار مشروع قانون الإضراب بلجنة القطاعات الاجتماعية، اعتبر محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، أن الأمر يتعلق ب"إنجاز سياسي مهم للحكومة الحالية بعد التعثرات التي عرفتها مشاريع القوانين المتعلقة بالإضراب، لاسيما خلال الولايتين الحكوميتين الماضيتين"

وأبرز الأستاذ الجامعي أن "السر في هذا الإنجاز المهم هو أن الحكومة بعثت برسائل طمأنة سياسية لكل الفرقاء المهتمين بهذا المجال بعد النقاش القوي والتخوفات التي أثيرت بشأن نص مشروع القانون، سواء من قبل الفاعلين الاجتماعيين أو المهنيين والأجراء"، مشيرا إلى أن رسائل الطمأنة هذه لم تقتصر على النقابات الأكثر تمثيلية، بل شملت كل النقابات وكذا المهنيين.

واعتبر الأكاديمي أن الهاجس الأساسي اليوم يكمن في كيفية التوفيق بين إخراج قانون للإضراب يحقق عنصر التوازن بين النظام والأمن القانونيين العامين، دون الإخلال بحق الإضراب باعتباره حقا من حقوق الإنسان والحقوق التي نص عليها الدستور المغربي، وجزءا من التزامات المغرب على المستوى الدولي.

وأكد على أهمية وجود نقابات مواطنة ومقاولات مسؤولة تحرص على عنصر التوازن المشار إليه سابقا، "لا سيما وأن المغرب خطا اليوم خطوات مهمة جدا نحو تحقيق انفتاح كبير جدا على مستوى تدبير الحركات الاحتجاجية والتجمعات العمومية وتدبير الحق في التظاهر الذي أصبح اليوم مسألة عادية جدا في الفضاء العمومي المغربي".

وخلص الأستاذ الجامعي إلى القول: "إن نجاح مسار إقرار مشروع القانون التنظيمي للإضراب سوف يتوقف بشكل كبير جدا على ثلاثية مهمة جدا: مواطن مسؤول ومدرك لحقوقه وواجباته، ومقاولة مواطنة تستشعر طبيعة المرحلة التنموية التي يمر منها المغرب وحجم التحديات والإكراهات، ونقابة مسؤولة ومنفتحة على آليات جديدة تضمن حقوق العمال والأجراء".


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات
المقالات الأكثر مشاهدة