التعاون الأمني المغربي-الإسباني: شراكة استراتيجية تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس
بقلم ضرار هفتي*
في عالم يعج بالتحديات الأمنية المعقدة، يظل التعاون بين الدول أحد أبرز الأسس التي تسهم في تعزيز الاستقرار وضمان الأمن الإقليمي، ومن بين الشراكات المتميزة التي تجسد هذا التعاون الأمني الفعّال، يبرز التعاون بين المملكة المغربية وإسبانيا، الذي أصبح نموذجاً حياً لشراكة استراتيجية مبنية على أسس قوية وملموسة، هذا التعاون، الذي تمت بلورته تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، يعكس رؤية ملكية عميقة نحو تعزيز الأمن الإقليمي والمساهمة في مواجهة التهديدات الأمنية العابرة للحدود.
ومنذ أن تولى جلالة الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية في عام 1999، شهدت العلاقات بين المغرب وإسبانيا تطوراً ملحوظاً، لا سيما في مجالات التعاون الأمني، فبفضل رؤية جلالته، أصبح المغرب ليس فقط شريكاً استراتيجياً لإسبانيا، بل أيضاً حليفاً أساسياً في التصدي للتحديات المشتركة مثل الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية.
وتتجسد هذه الرؤية من خلال العديد من الاتفاقيات الاستراتيجية التي تم توقيعها بين البلدين، والتي شكّلت الإطار القانوني لهذا التعاون الأمني الممتد، بداية من اتفاقية التعاون وحسن الجوار عام 1992، التي وُقعت في عهد المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، حيث تم خلالها وضع أسس التعاون في تبادل المعلومات الاستخباراتية وتعزيز القدرات الأمنية لمكافحة التهديدات المشتركة، تلتها اتفاقية الحدود المشتركة عام 2003، التي كانت تهدف إلى تحسين إدارة الحدود البرية والبحرية بين البلدين وتنظيم دوريات مشتركة لمكافحة الهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات.
ثم جاءت اتفاقية التعاون الشرطي عام 2008، التي ركزت على تعزيز التنسيق بين الأجهزة الأمنية في البلدين من خلال تدريبات مشتركة وتبادل الخبرات المتطورة في التحقيقات الجنائية، وفي عام 2015، تم توقيع اتفاقية التعاون في مكافحة الجريمة المنظمة واتفاقية الأمن السيبراني، لتكمل هذه الاتفاقيات إطار التعاون في مواجهة الجرائم الحديثة مثل الهجمات الإلكترونية.
ومع تصاعد التحديات الأمنية في المنطقة، جاءت اتفاقية التعاون الأمني في مكافحة الهجرة غير النظامية عام 2021، واتفاقية مكافحة الإرهاب والتطرف عام 2021، لتعكس مستوى التنسيق المتقدم بين البلدين في مواجهة تهديدات الإرهاب والتطرف العنيف عبر الحدود، وأسهمت هذه الاتفاقيات في تحسين تبادل المعلومات الاستخباراتية وتعزيز التدابير الأمنية المشتركة.
وهذا التعاون لم يقتصر على الوثائق القانونية فقط، بل تُرجم إلى نتائج ميدانية ملموسة على الأرض، ومن خلال التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس، نجح المغرب وإسبانيا في تنفيذ العديد من العمليات المشتركة التي أسفرت عن إحباط تهديدات إرهابية وتفكيك خلايا إرهابية مرتبطة بتنظيمات دولية، ومن أبرزها عملية تفكيك خلية إرهابية بين طنجة ومدريد في عام 2021، كما أسهمت الشراكة الأمنية في إحباط شحنات ضخمة من المخدرات عبر مضيق جبل طارق، مما يعكس النجاح في مكافحة تهريب المخدرات بفضل التنسيق المتكامل بين قوات الأمن المغربية والإسبانية.
وإضافة إلى ذلك، يُشيد المجتمع الدولي بالدور الذي يلعبه المغرب في مكافحة الهجرة غير النظامية، حيث تمكن من تقليص أعداد المهاجرين المتجهين إلى أوروبا بفضل شراكته مع إسبانيا، هذا التعاون يتسم أيضاً بالبُعد الإنساني، حيث يعمل البلدان على توفير الحماية وضمان الحقوق للمهاجرين وضحايا شبكات التهريب.
ومع التقدم التكنولوجي المستمر، برزت أهمية الأمن السيبراني كأحد مجالات التعاون المستقبلية، يسعى البلدان إلى تعزيز الدفاعات الرقمية لمواجهة التهديدات الإلكترونية، مما يعكس استشرافهما لمتطلبات الأمن في العصر الحديث، كما أن برامج التدريب المشترك بين الأجهزة الأمنية لكلا البلدين تتوسع لتشمل تقنيات حديثة ومجالات جديدة مثل مكافحة الجرائم المالية الدولية.
إن التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس لا يمثل فقط شراكة ثنائية، بل هو نموذج متقدم للتعاون الإقليمي والدولي، هذه الشراكة تعزز الاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط وتسهم في الحفاظ على الأمن الأوروبي، مما يجعل المغرب شريكاً استراتيجياً لا غنى عنه في مواجهة التحديات الأمنية المتجددة وضمان استقرار المنطقة.
وبفضل القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، يظل المغرب فاعلاً أساسياً في صياغة مستقبل أمني أكثر استقراراً، ليس فقط للمنطقة، بل للعالم أجمع.
* باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية تخصص الشأن العام المغربي- الإسباني وأمريكا اللاتنية.