استقالات وإقالات في تاريخ الحكومات المغربية
أخبارنا المغربية
تتأرجح حكومة بنكيران حاليا بين خيارات سقوطها أو إعادة صياغتها أو... إرضاء مكونها الثاني حزب الاستقلال بمقاعد إضافية بعد أن استصدر زعيم هذا الحزب قرارا من المجلس الوطني أول أمس يقضي بالانسحاب من حكومة يتزعمها حزب العدالة والتنمية.
وفي انتظار ماستحمله تطورات الازمة تُذكِِّر يومية "الاتحاد الاشتراكي" في عددها الصادر اليوم ببعض المعطيات التاريخية في قضايا عرفتها حكومات سابقة تمت فيها الاستقالة أو الإقالة ...
في الحكومة الثانية (كان ذلك في أبريل 1958) أقدمت شخصيات ووزراء على تقديم عريضة لرئيس الحكومة آنذاك مبارك البكاي ، في إطار الصراع مع الحركة الوطنية ومكونها السياسي الرئيسي حزب الاستقلال، تشن هجوما قاسيا على حزب الإستقلال ووزرائه.
و ذكر بلاغ أصدره البكاي أنه يؤيد مضامين العريضة. ولم يتأخر موقف الوزراء الإستقلاليين. ففي نفس اليوم قدموا استقالتهم من الحكومة احتجاجا . ووقع على رسالة الإستقالة التي قدمها عمر بن عبد الجليل إلى الملك محمد الخامس كل من أحمد بلا فريج، عبد الرحيم بو عبيد، عبد الكريم بن جلون، عبد الله إبراهيم، محمد الدويري، عمر بن عبد الجليل، أحمد اليزيدي، إدريس المحمدي، ومحمد الفاسي .
وفي اليوم الموالي كان الرأي العام المغربي ينصت لبلاغ للديوان الملكي و الذي جاء فيه أن المغفور له الملك محمد الخامس استقبل وزراء حزب الاستقلال بطلب منهم، فقدموا لجلالته رسالة يلتمسون فيها إعفاءهم من مناصبهم إثر البلاغ الذي أذاعته رئاسة الحكومة باسم الرئيس البكاي. وقد قبل الملك ملتمسهم، ثم استدعى الرئيس السيد البكاي وأخبره بانسحاب وزراء حزب الاستقلال من الحكومة. وبهذا «أصبحت الحكومة منحلة» كما جاء في بلاغ الديوان الملكي .
بعد شهر من المشاورات تم تشكيل حكومة بلافريج وضمنها ثمانية وزراء استقلاليين. لكن مسار تشكيلها أزاح الستار عن صراعات حزب الاستقلال الداخلية ودفع بها إلى سطح المشهد السياسي للبلاد، وأثار سؤال الأجنحة والتيارات التي تبلورت وقتها وشرعت في البحث عن مجالات تنظيمية للتعبير عن آرائها . كان جليا بأن الحكومة الثالثة في تاريخ المغرب لن تقوى على الإستمرار ، بل إن مخاضات شهدتها الستة أشهر من عمرها وضعت الأسس الفكرية والإيديولوجية للإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي سيتأسس في السنة الموالية .
«طيلة الثمانية أشهر من عمر حكومة بلافريج اتضح أن هناك توجهين تتسع الهوة بينهما يوما بعد يوم وموقفا بعد موقف ومطلبا بعد مطلب.
التوجه الأول «محافظ» نواته الصلبة الأعيان. والثاني، تقدمي مثله أساسا رموز المقاومة المسلحة ضد الإستعمار وقيادات جيش التحرير ومسؤولي العمل النقابي.
من داخل الحكومة كان هناك عبد الرحيم بوعبيد الذي دافع عن أطروحات التوجه الثاني من خلال منصبه كنائب لرئيس الحكومة وكوزير للإقتصاد الوطني والفلاحة.
وخارج الحكومة كانت رموز هذا التوجه تتمثل في المهدي بن بركة وعبد الله إبراهيم والفقيه البصري ...
وزاد من توتر المشهد السياسي ما عرفه المغرب من أحداث في منطقة الريف.
وفي 22 نونبر 1958 قدم عبد الرحيم بوعبيد استقالته إلى الملك محمد الخامس. وبعد ذلك بثلاثة أيام أعلن أحمد بلافريج رئيس الحكومة استقالته . ويبدو أن قدر أحمد بلافريج الرجل الذي اسس حزب الاستقلال وقاد دبلوماسية المغرب في بداية بنائها ، شق طريقا بين تجربتين : الأولى كانت رئاسة الحكومة دون لون سياسي أنيطت بالبكاي الذي راهنت عليه فرنسا وإمتداداتها بأنه قد «يفرمل» طموحات رموز الحركة الوطنية في بناء الدولة الحديثة .والمرحلة الثانية إنبثاق حكومة عبرت بالفعل ، في رئاستها وعضويتها وخطابها وممارساتها ومواقفها عن التوجه الذي عكسته وثيقة المطالبة بالإستقلال والقوى التي رأت في الكفاح ضد الإستعمار هو، أيضا، نضال من أجل مغرب مستقل القرار السياسي والإقتصادي والثقافي ... وتلك كانت أحد أسس برنامج حكومة عبد الله إبراهيم الذي سيأتي كرئيس للحكومة عقب أحمد بلافريج.
بعد 520 يوما سيتم إعفاء حكومة عبد الله ابراهيم . يقول عبد الرحيم بوعبيد في مذكراته:
«في العشرين من ماي 1960 ، تم إعفاء الحكومة التي يرأسها عبد الله ابراهيم بدون مبرر مقبول وكان التفسير الوحيد المقدم لذلك الاعفاء هو أن هذه الحكومة طال بقاؤها أكثر مما كان قد قدَّره خصومها سلفا وكان الفريق الحكومي، الملغم من الداخل بوزراء متواطئين مع المعارضة، من قبيل يوسف بلعباس، قد استطاع البقاء بالرغم من العديد من التقلبات والحيثيات والظروف ودام بقاؤه ازيد من 15 شهرا وهو ما يعد رقما قياسيا بالمقارنة مع الفرق السابقة له منذ 1956 فقد هاجت البرجوازية المنتسبة الى الاستقلال وثارت ثائرتها ضد الاجراأت المطبقة على مستوى الصناعة والتجارة الخارجية والعملة والقرض ( ... )أما الحركة المسماة بالشعبية، فلم تكن أكثر من خليط من الاعيان، بلا انسجام ولا ايديولوجية، تدعي أنها تتحدث باسم العالم القروي. حتى المسكين البكاي نفسه، الذي كنت شخصيا أحترم فيه نوعا من النزاهة، انجر الى الدخول في جمهرة الصارخين. وأخيرا، قامت صحيفة «لي فار»، الذي كان مديرها الظاهر هو رضى اكديرة، بتنظيم كل هذا وتنسيقه، ذلك لأنها في الواقع كانت تدار من طرف «مساعدين» تقنيين فرنسيين متخصصين في السجال والتدليس والتشهير. لم يكن ولي العهد، مولاي الحسن بدوره يتردد في استعمال السلطة المرتبطة باسمه وبمكانته للعمل بشكل مباشر ضد الحكومة الشرعية التي نصبها والده نفسه».
بعد ذلك تعاقبت حكومات بعضها ترأسها محمد الخامس أو الحسن الثاني، كانت الشخصيات التي يتم اختيارها لتقلد منصب الوزير الاول أو حمل الحقائب الوزارية لاتخضع لمعايير دستورية من قبيل الاغلبية البرلمانية. وبالتالي لم يكن لشخصية حكومية أن تتجرأ على تقديم استقالتها. وعندما أصبح تشكيل الحكومة ينبع من أغلبية خاصة بعد حكومة التناوب التي ترأسها عبد الرحمان اليوسفي لم يتم تسجيل أي انسحاب لحزب أو وزير من التشكيلة الحكومية ماعدا القرار الذي اتخذه حزب الاصالة والمعاصرة في حكومة عباس الفاسي ( 2007 ء 2011) ب«التحرر» من مساندة الأغلبية وتجميد عضوية وزيره الوحيد أحمد أخشيشن بالحزب وكان وزيرا للتربية الوطنية.
هذه بعض الانسحابات والاستقالات التي عرفها العمل الحكومي بالمغرب . ولاندري هل سنشهد فصلا جديدا شبيها بذلك أم أن العملية سيتم احتواؤها ويحافظ حزب الاستقلال على عضويته بالحكومة بمكاسب إضافية ...
متابعة