لماذ كل هذا الخوف من نجاح التجربة الإسلامية المعتدلة؟

لماذ كل هذا الخوف من نجاح التجربة الإسلامية المعتدلة؟

أخبارنا المغربية

أخبارنا المغربية : حسن مبارك اسبايس 

من الصعب أن نصف التجربة الإسلامية في عدد من الدول العربية والإسلامية بالحديثة أو الفتية، على اعتبار أن فترة بداية الدولة الإسلامية وبعدها فترة حكم الخلافة على مراحل مختلفة منذ قرون خلت، تؤكد أن هذه التجربة أقدم من كل نظم الحكم الحديثة؛ لكن من الممكن أن نسميها "تجربة إسلامية معتدلة حديثة" في القرن الواحد والعشرين أتت بعد قطيعة طويلة الأمد وردح من الزمن ساد فيه القانون الوضعي والتيار العلماني أو حتى الحكم الديكتاتوري المتسلط الذي نتج عنه ثورات الشعوب على الحكام في سياق ما بات يعرف "بالربيع العربي". 

فمنذ اندلاع أول شرارة لثورة الشعوب أو ثورة شباب الفايسبوك، وجدت دول العالم العربي في التجربة الإسلامية المعتدلة متنفسا لامتصاص غضب الشارع وإسكات الأصوات المطالبة بالتغيير والثورة على أنظمة الحكم الفاسدة. 

فحملت حزب النهضة في تونس، منبت "الربيع"، ثم جماعة الإخوان في مصر ثم حزب العدالة والبناء في ليبيا، الذي يعد امتدادا لتيار الإخوان، وفي اليمن ومرحلة ما بعد صالح حيث يعد حزب التجمع اليمني للإصلاح القوة المعارضة الأكبر التي من المتوقع أن تقول كلمتها في المشهد السياسي الفعلي في البلاد عما قريب، ثم في سورية التي تتجه المؤشرات إلى سيطرة التيار الإسلامي على مقالد تسيير الشأن العام لمرحلة ما بعد الأسد، وقبل هذا كله تجربة حزب العدالة والتنمية التركي. وعندنا في المغرب، عجل "الحراك" السياسي وتدمر المغاربة من الطريقة السيئة لإدارة الأحزاب التقليدية المعروفة لدفة الحكم بدخول البلاد في" التجربة الإسلامية المعتدلة" من خلال حزب العدالة والتنمية المنبثق عن " حركة الإصلاح والتجديد"، وهي التجربة التي حملتها صناديق الاقتراع بغض النظر عن نسبة المشاركة في العملية الانتخابية وعدد المسجلين وظاهرة عزوف المغاربة، خصوصا الشباب، عن المشاركة في الانتخابات لأسباب متعددة لعل أبرزها فقدان الثقة في معظم الأحزاب وبرامجها التي لا تعدو كلام على ورق الحملات الانتخابية نفسها.

 

تجربة كان من الممكن أن تثمر خيرا لولا الظروف المحيطة والبيئة السياسية غير الصحية الناتجة عن ممارسات الأحزاب التقليدية التي ألفت أكل الكعكة بكاملها، ثم أيضا نظام الانتخابات البرلمانية المعقدة الذي وضع بشكل يستحيل معه أن يفوز أي حزب مهما كان باغلبية مطلقة تساعده على تشكيلة حكومة موحدة ومتجانسة ببرنامج موحد وخطة عمل متفق عليها دونما حاجة إلى حلفاء يختلفون معه قلبا وقالبا ومن سابع المستحيلات أن يساعدوه على النجاح. فمن تركيا، التي اندلعت فيها المظاهرات مؤخرا ضد العدالة والتنمية، مرورا بمصر وليبيا وتونس التي تعيش على وقع محاولات لإفشال التجربة الإسلامية في إدارة الشأن السياسي بطرق اختلفت من بلد إلى آخر وإن كان القاسم المشترك هو رفض المرجعية الدينية في إدارة الحكم حتى وإن كان الأمر ضدا على رغبة الشعوب أو على الأقل احترام رأي الأغلبية التي حملت هذا التيار إلى سدة الحكم، وصولا إلى المغرب حيث تواجه حكومة بنكيران عراقيل المغاربة في غنى عنها من قبل جهات ولوبيات ضغط الله وحده يعلم هويتها ونواياها وإن كانت اولوية اولويات تلك الجهات المعرقلة هي إفشال حزب المصباح وتجربته حتى وإن كلف الأمر السقوط بالبلاد إلى الهاوية. في الدول التي يتخذها كثير من سياسيينا "المحنكين" مثل لشكر وشباط! نموذجا للديمقراطية واحترام حرية رغبة الشعب، فإن الأحزاب المنهزمة أو الخاسرة في الانتخابات تقر وتعترف بهزيمتها وتصفق للحزب الفائز وتدعمه بصدق بكل قوة على اعتبار أن نجاح تجربته هو نجاح للبلد وليس للحزب نفسه بعيدا عن الحسابات الانتخابوية الضيقة القائمة على الخوف من أن يكتسح ذلك الحزب الساحة ويحظى بتقدير الشعب! وعندنا ترى "زعماء" الأحزاب السياسية لا يدخرون جهدا في عرقلة العمل الحكومي واللجوء لكل الأساليب الممكنة وغير الممكنة لإغراق سفينة الحكومة وعها سفينة البلد بكامله.

 والسؤال الذي يطرحه الجميع من المحيط إلى تخوم الأناضول هو: لماذ الخوف من التجربة الإسلامية؟ ومن يسعى فعليا لإفشالها؟ ومن المستفيد؟

 قد نفهم تخوف دول الغرب الأوروبية من التجربة على اعتبار أنه يضايقها أي نموذج قد ينجح خارج نص "ديمقراطيتها المتآكلة"، ولكننا لا نفهم أن يحارب التجربة أبناء جلدتنا من المسلمين، والغرابة أن بعضهم تحمر وجنتاه وتنتفخ أوداجه عند الحديث عن "حزب ذي توجه إسلامي" ويحاججك بالقول" كلنا مسلمين!"، وما دام الأمر كذلك فما الذي يزعجك؟

 فيما البعض الآخر ، وهذا الكلام قيل لي شخصيا خلال حديثي مع شخص من حزب " تقدمي"، يذهب إلى أن التجربة الإسلامية سوف تقيد الحياة العامة وتعود بنا إلى القرون الماضية وتحاسبنا على طريقة اللباس وتقييد الحريات العامة وإغلاق" البارات" وإجبار النساء على ارتداء البرقة... وهذا كلام غير صحيح ومردود عليه. من المؤكد أن جهات وضغوطا خارجية تمارس على كل الدول لتقليم أظافر ما يسمى بالمد الإسلامي، ومن 

 

المؤكد أيضا أن لوبيات داخلية وخارجية تسعى لحماية مصالحها الشخصية وامتيازاتها بعيدا عن الشفافية والصراحة والمصارحة التي قد تحملها التجربة الإسلامية في تسيير الشأن العام، ثم إن التيارات العلمانية المدفوعة من جهات معروفة لن تذخر جهدا في التصدي لأي تجربة إسلامية سياسية ناجحة. والمضحك في المشهد السياسي الحالي في المغرب، هو التحركات التي يقودها " حزب الاستقلال" في الآونة الأخيرة لإجبار شريكه في الحكم على الرضوخ لرغبة "قيادته الجديدة" التي جاءت لتدق آخر مسمار في نعش حزب ارتبط اسمه بمرحلة عزيزة على كل مغربي ومصدر فخر له وهي مرحلة كفاح المغاربة الأحرار من اجل استقلال البلاد من قبضة الاستعمار الغاشم، حزب تكالبت عليه الأيام ودارت عليه الدوائر حتى أصبح متجرا سياسيا ومحلا " لإصلاح الدراجات" بعد أن كانت قيادته تضم النخبة من رجالات المغرب فكرا وثقافة ومرجعية إسلامية وقيم وطنية نبيلة.

 والغريب في الأمر أيضا أن محاربة التجربة الإسلامية عندنا تأتي من أحزاب أخرى أغلب "مناضليها وقياداتها" ممن تولوا إدارة الشأن العام كحزب حاكم أو كأشخاص وزارء في حكومات سابقة، فما الذي قدموه في عهودهم "الزاهرة" من إنجازات وضعت المغرب على قائمة الدول وفي مصاف الأمم العظيمة فجاء الإسلاميون وخربوه وهدوا البنيان وأعادوا البلاد سنوات ضوئية إلى الوراء؟ 

ماذا قدم الاتحاد الاشتراكي سواء من خلال قيادته للحكومة او من خلال مشاركة "زعيمه المحنك" لشكر في الحكومة السابقة؟ أين هي نظريات الزعيم الجديد وبصماته في الحكومة السابقة؟ وماذا فعل حزبه غير أنه باع البلاد في المزاد العلني؟ أما الاتحاد الدستوري فأولى له أن يلتزم الصمت على الخيبة التي جر المغرب إليها منذ بداية الثمانينيات إلى ان وصل بالمغرب إلى "السكتة القلبية" التي تحدث عنها المرحوم الحسن الثاني؛ واليوم نجد أحد عرابيه" الراضي" يطلق النار في كل الاتجاهات وكأننا أمام زعيم تاريخي، ونسي أن حزبه قاد البلاد إلى أفضع مراحل انتهاكات حقوق الإنسان والقمع.

، والشيء نفسه يسري على " تجمع الأحرار" وزعيمه لاعب السلة الذي قادت سياسته المالية والاقتصادية سلة البلاد إلى الهاية، وكذلك حزب الجرار أو التراكتور الذي حسب علمي يعد الحزب الوحيد في العالم الذي يجمع الليبرالي بالشيوعي والماركسي اللينيني وأعضاء أحزاب سابقين من ألوان مختلفة في فسيفساء غريبة لم تقو أكثر اللوحات التشكيلية على جمعها. 

بالمناسبة أنا مسلم ومغربي وطني ولست لا مع ولا ضد أي حزب كان بما في ذلك العدالة والتنمية، همي الوحيد هو أن أرى بلد المغرب في المكانة التي يستحقها بعيدا عن الحسابات الضيقة لمن يتولون تسيير شؤونه العامة.


عدد التعليقات (6 تعليق)

1

توتو

موتو

نحن خائفون من الفقر من البطالة من الجوع لا من العدالة و التنمية من يسير شؤوننا عليه أي يتقي الله و يراعي ظروفنا المعيشية لا أقل و لا أكثر

2013/06/17 - 07:18
2

صلاح الدين المغربي

[email protected]

النظام القائم على الولاء و العتاب و التقبيل و التهليل و يرفض رفضا شديدا الانخراط في اوراش المنافسة والاستحقاق و الشفافية و تكافؤ الفرص و الايادي النظيفة والمحاسبة و الاحتكام الى صناديق الاقتراع كاخر وصفة تم اختراعها لحد الان للتدالول على السلطة و تدبير الشان العام لابد ان يخاف على اسسه و دعائمه التقليدية و سيعمل جاهدا على افشال هده التجربة التي لم نجحت على الاقل في فضح قلع الرجعية الحقيقية .

2013/06/17 - 07:28
3

مغربي

غيور على وطني

متفق معك ياصاحب المقال ليت الأحزاب تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار بعيدا عن حساباتها ومصالحها الضيقة

2013/06/17 - 08:24
4

هناء

لا مع ولا ضد

همي الوحيد هو أن أرى بلد المغرب في المكانة التي يستحقها بعيدا عن الحسابات الضيقة لمن يتولون تسيير شؤونه العامة

2013/06/17 - 10:02
5

ABOU DIAA

LA RAISON

JE SUIS TOUT AFAIT D'ACCORD AVEC VOUS MONSIEUR L'ECRIVAIN DE CET ARTICLE . CE SONT DES SATANS TOUS CES GENS- LA QUI SONT CONTRE LE CHOI DU PEUPLE MAROCAIN

2013/06/18 - 09:09
6

ولد ماماس

بصح

كلام صحيح وتحليل منطقي يستقيم و العقل

2013/06/18 - 11:08
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات