الحكومة الواحدة والثلاثون: تكريس الأزمة أم تغيير الوجهة

الحكومة الواحدة والثلاثون: تكريس الأزمة أم تغيير الوجهة

أخبارنا المغربية

 

أخبارنا المغربية :أحمد الدرداري 

انتهت الأزمة الحكومية رسميا بافتتاح السنة التشريعية في دورتها الخريفية من طرف الملك الذي ألقى خطابا في نواب الأمة بقبة البرلمان يوم الجمعة 11 اكتوبر 2013 ليشكل بذلك حدا مفصليا بين مرحلتين مختلفتين في نفس الولاية التشريعية شكلا و مضمونا حيث انتهت  الحكومة 30 ذات التحالف الحزبي الرباعي حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال وحزب الحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية وهي مرحلة عرفت بسجال سياسي ساخن انتهى باستقالة حزب الاستقلال من الحكومة المتصارع مع حزب العدالة والتنمية، وطبيعي بحكم الممارسة البرلمانية التعددية للمغرب، التي هي ميزة ديموقراطيته، أن يكون هناك صراعا سياسيا جديا مطبوع بالتفاؤل والغيرة لأن المتشائم في السياسة ليس له مكان مادامت السياسة هي فن الممكن، كما أن المسار السياسي التعددي بالمغرب يبقى إيجابيا ويتطلب وطنية المسيرة الخضراء.

وعليه جاءت النسخة الثانية لعبد الإله بن كيران بعد مرور ثلاث سنوات منذ التعيين الحكومي في 25 نونبر 2011، والمكونة من حزب العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية بعد ماراطون من الحوار من أجل بناء تحالف جديد، وانطلاقا من كون المسار المؤسسي بالمغرب هو على درجتين، حددهما الخطاب الملكي كما يلي:

مسار وطني المتمثل في البرلمان باعتباره صوت الشعب والملقى عاتقه مهام جسيمة لا تقبل الاعتذار للشعب باعتبارهذا الأخير متعاقد حول المهام التشريعية لهذه المؤسسة وتوكيل هذه المهمة للممثلين البرلمانيين، ولا يقبل التعطيل لمصالحه التشريعية ولا سيما الترسانة القانونية التي تصون مصالحه والتي حدد دستور 2011 صدورها في هذه الولاية التشريعية حسب الفصل 86. وفي هذا الباب تتمتع المعارضة باختصاصات دقيقة وواضحة تتطلب إصدار قانون لإضفاء الشرعية على أعمالها داخل البرلمان إضافة إلى سلاح الحصانة البرلمانية الذي لا يوقفه إلا المساس بالثوابت أو المصالح العليا للوطن أو حالة التلبس، ولا يبقى أمام البرلمان بصفة عامة  كأغلبية والمعارضة بصفة خاصة إلا الانضباط للنجاعة وتطبيق القانون واحترام التعهدات، والضغط على الحكومة لتقديم مشاريع القوانين من أجل مناقشتها والتصويت عليها هي مهمة برلمانية أيضا مادامت الحكومة هي التي تعرض عليه.

مسار محلي والمتمثل في المجالس الجماعية المنتخبة والتي تعتبر في مجملها نقط سوداء تقف من ورائها بعض الأحزاب وبعض البرلمانيين حيث الوضع يفتقد للنقد البناء وللمراقبة الحكومية وللمسائلة، كما لا تراعى مناداة هيئات المجتمع المدني بالإصلاح المرتبط بالحياة وبالمعيش اليومي للمواطنين، ومعلوم أن السياسات المحلية لها وقع على مهم على المغرب ككل والأحزاب هي التي تتولى تدبير هذه المجالس، ولكن التخلي عن المصالح المحلية ونقل الصراع والاهتمام إلى العاصمة والانشغال بما هو وطني هو تراجع في وظائف ومسؤوليات الأحزاب محليا بسبب الغنة السياسية  والتراشق بين الأحزاب وغياب نضج سياسي يرقى إلى مستوى تطلعات الدولة والمجتمعات المحلية.

وعليه فالحكومة أمام إكراهات كبيرة تبدأ بقانون المالية لسنة 2014 والمفروض مواجهة حمولة إصلاحية صعب إخراجها لحيز الوجود بحكم ارتباطها بالسلم الاجتماعي وجيوب المواطنين ومنها:

عرض البرنامج الحكومي أمام مجلسي البرلمان الذي يعتزم تطبيقه والمتعلق بمختلف مجالات النشاط الوطني السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية ، ويعقب ذلك تصويت في مجلس النواب لمنح الثقة للحكومة بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس لصالح البرنامج الحكومي وهذا يدل على أن هذه الحكومة الجديدة  بوجوه جديدة وأخرى قديمة وتركيبة جديدة وفلسفة سياسية مغايرة  .

ومن ضمن ما تواجهه الحكومة ويشكل عقبة صعبة أمامها ما يلي:

إصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية وفق التوجهات الكبرىللإصلاح والذي يبقى مشروط بتجاوز سلبيات النظام الحالي لتدبير المالية العمومية، بالتدبير الاستراتيجي والمتوقف على المشاركة البرلمانية الفعالة خلال الاعداد والمصادقة والتنفيذ.

النظام الجبائي الذي يقضي توسيع الوعاء الضريبي وتحقيق العدالة الضريبية والرفع من مستوى الوعي الضريبي، وتقوية تنافسية الاقتصاد الوطني وتوطيد آليات الشراكة والمصالحة بين المواطن والإدارة الضريبية وإدماج القطاع الغير المهيكل، وتحقيق مساهمة الجميع في التكاليف العمومية كل على قدر استطاعته، وإصلاح الضريبة على القيمة المضافة والحفاظ على وحدة وانسجام المنظومة الجبائية، ذلك أنه لحد الآن يعتبر الموظف العمومي والعامل أكبر متحمل ضريبي في الدولة.

إصلاح نظام المقاصة وفق مقاربة تشاركية وتدريجية توازي بين تحقيق التوازنات الماكرواقتصادية والمالية والحفاظ على التوازنات الاجتماعية ودعم القدرة الشرائية للمواطنين بشكل مستمر وتفعيل نظام المقايسة الأخير الذي ليس إيجابيا دائما والمفروض أن توازيه مجموع من الاجراءات المصاحبة للحد من الآثار المحتملة لتفعيله لا سيما بعض القطاعات كالنقل العمومي وشبكات الأمان الاجتماعي لدعم الفئات المعوزة.

إصلاح أنظمة التقاعد بتحقيق المساوات والعدالة بين المواطنين في الاستفادة من نظام التقاعد بشكل دائم حتى تضمن الحياة الكريمة للمواطن وفق حالتين: الأولى استعجالية تتعلق بنظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد والثانية تفعيل الاصلاح الشمولي لقطاع التقاعد.

هذه الاصلاحات الهيكلية حتى إذا كانت ضرورية في هذه الظرفية إلا أن الصعوبات تبقى قائمة وإفلاس الحكومة مرة أخرى يبقى أمر وارد إذا لم تتوافق كل القوى الحية وكل المعنيين على المضي قدما بهذا الوطن إلى الأمام، ويبقى قطاع التشغيل أكبر معضلة تواجه الحكومة وتولد العداء لها في ارتباط معادلة سوق الشغل بالمناصب المالية المتباعدين بسبب قانون المالية نفسه، وهذا الوضع سيستمر كيفما كانت الحكومة لكون السياسة الاجتماعية الوطنية هشة وضعيفة بالمقارنة مع الدول الرائدة في الديموقراطية، بالإضافة إلى ظرفية الأزمة العالمية.

هذا ويعتبر وزراء التكنوقراط الثمانية في حكومة بن كيران الثانية بمثابة لمسة حكومية تتجاوز الارتكان لعدد الأصوات واحترام التمثيلية الحزبية على أساس نتائج الاقتراع، وإضعاف للخطاب ذي المرجعية الحزبية على المستوى الحكومي، كما أن عدد الوزراء 39 المكونين لهذه الحكومة  يفسر بإضعاف القوة داخل بنيات الدولة والوزارات وتخفيف التأثير وتعقيده في نفس الوقت، وتعويض المفقود في النسخة الأولى بنخبة تسعف على الاستقرار النسبي فيما تبقى في عمر هذه الولاية التشريعية بالتركيز على وزراء ذوي أصول اجتماعية.

وباعتبار الملك معهد لإصدار القيم الروحية والسياسية والدينية فإن تغيير الوجهة السياسية جاءت متضمنة في خطابه الافتتاحي أمام البرلمانيين حيث أوضح للمسؤولين السياسيين أن عليهم الفصل بدل الخلط بين مهام مجلس الحكومة ومهام مجلسي البرلمانمن جهة  ومهام المجالس الجماعية من جهة أخرى ليوجه الجميع نحو تغيير وجهة الاهتمام مما هو وطني نحو ما هو محلي باعتبار الشأن المحلي متساوي الأهمية مع الشأن الوطني ولكون الوزير غير معني بتوفير الحاجيات الأساسية للمواطن المحلي كالماء والكهرباء والنقل والنظافة والطرق ... بل المنتخبين الجماعيين والمجالس المنتخبة، فبعض الجماعات ساء وضعها بسبب سوء تدبير مجالسها المنتخبة أوغيابهاأودخولها في صراعات سياسوية عقيمة أوتعدد المهام والمشاغل وضعف الحكامة.

كما أن دعوة الملك للعمل بالمضمون وتجاوز الشكل في إشارة للأحزاب المطالبة بإفراز كفاءات ونخب محلية وجهوية مؤهلة وكفأةلمواجهة التحديات والآفاق، وعليه فلا فرق بين الانتداب الوطني والمحلي في التصور الملكي لأنهما معا يسهمان في خدمة المواطنين والمصالح العليا للوطن وفي مقدمتها الوحدة الترابية، كما تعتبر فتوى التحلي بالأخلاق في الممارسة السياسية  هو منعطف غير مسبوق لكونه مرتبط بالحكامة السياسية الأمنية، وأيضا تعد التعبئة القوية واليقظة المستمرة والتحرك الفعال على الصعيدين الداخلي والخارجي للتصدي لأعداء الوطن والوحدة الترابية تحد آخر يواجه كل المؤسسات لتحمل المسؤولية الكاملة والقيام بالواجب باعتبار هذه القيمة صادرة عن الممثل الأسمى للدولة والذي تجتمع فيه كل صفاة الحياد والسمو، ويجدد أيضا تركيزه على حب الوطن كرابط إيماني يعزز كل فرد بانتمائه لوطنه وما يترتب عنها من تضحيات وأمانة.

 

عموما تبقى وضعية الحكومة والمنتخبين بصفة عامة أمام امتحان عسير تغيرت أسئلته ومنهجية الإجابة عنه وشكله، الشيء الذي يجعل العلاقة بين المصحح الصارم والممتحن الضعيف متباعدة وتتطلب مجهودات غير مسبوقة وصبر جميل.

أستاذ الحياة السياسية بجامعة عبد المالك السعدي 


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات
المقالات الأكثر مشاهدة