خطاب المسيرة الخضراء الخطاب المرجعي لقضية الصحراء وخطاب اللاءات الخمسة

خطاب المسيرة الخضراء الخطاب المرجعي لقضية الصحراء وخطاب اللاءات الخمسة

أخبارنا المغربية

 

إعداد : د.ميلود بلقاضي

شكل خطاب الذكرى التاسعة والثلاثين  للمسيرة الخضراء  استثناء  بالنسبة للخطابات الملكية على مستويات الدقة اللغوية وقوتها وصلابة المنهج  ووضوح المضامين وشجاعة الرأي وجرأته وتماسك البرهنة. خطاب مرجعي تجاوزت قوة مضامنيه الحدود المغربية .وطبيعي ان ينتج ملك البلاد هذا الخطاب المدوي والاستثنائي  لان سياقه هو ايضا استثنائيا  لكون ملف قضية الصحراء مقبل على  سنة استثنائية بالنسبة لتدبيره  وطنيا واقليميا ودوليا.

** خطاب تفاعلي مع سياقه العام: قوة أي خطاب سياسي من دقة شروط انتاجه وهذا ما ينبثق على خطاب المسيرة الخضراء لهذه السنة الذي كشف المقاربة الشمولية والعميقة لجلالة الملك لملف الصحراء الذي سيمر بمرحلة دقيقة سنة 2015 .لذلك جاء شكل ومضمون الخطاب الملكي متفاعلا مع سياقه حيث هيمنت مصطلحات وغابت أخرى.  فما هي اهم المفاهيم التي هيمنت ووجهت الخطاب الملكي وما هي الأخرى التي غابت فيه؟

للايجابة عن هذه الأسئلة اعتمدنا المقاربة الإحصائية والتحليلية والتي حللت فيها الكلمات التي ترددت في الخطاب اكثر من 4 مرات أي بنسبة 0.24%  من مجموع 1663 كلمة المشكلة للخطاب الملكي كما يبين الجدول التالي:

المفاهيم

التردد

نسبة التردد

عدد كلمات الخطاب 1663

المغرب

29

1.7%

 

الصحراء

25

1.5%

 

الوطن

15

0.9%

 

الاقاليم الجنوبية

14

0.8%

 

الجهوية والجهات

12

0.7%

 

الجزائر

5

0.3 %

 

جبهة البوليساريو

0

0. %

 

 

 

 يتبين من  الجدول  أعلاه ان هذه المفاهيم هي التي تمحور حولها الخطاب الملكي بكيفية براكماتية وبإستراتيجية واضحة يتداخل فيها البعد السياسي بالبعد التاريخي وبالبعد القانوني وبالبعد الواقعي لتكون في نهاية المطاف قوة الجانب الاستدلالي في الخطاب.

احتلت كلمة المغرب المرتبة الأولى من ناحية التردد  ب 29 ترددا وبسبة 1.7% في حين لم يذكر الخطاب الملكي قط جبهة البوليساريو واكتفى بذكر الجزائر ب 5 مرات وبنسبة 0.3%  . ونشير ان تردد هذه الكلمة او تغييبها ليس بالأمر المجاني او الاعتباطي  انه عمق إستراتيجية الخطاب الملكي  ومحور  نسق تفكيره  فكيف حضر كل مفهوم  في الخطاب؟

Ø     المغرب الموحد بهويته المتعددة : تركيز الخطاب الملكي على الهوية المتعددة للمغرب له عدة رسائل وهي موجهة لاعداء المغرب بالداخل وبالخارج ان  تعدد الهوياتي  - تردد الهوية 3 مرات بنسبة 0.18%-  للمغرب هو سر قوته وسر قوة وحدته الترابية. ويخطئ من يعتقد ان هذا التعدد سيتحول  للتعصب وزرع الفتنة بين المغاربة .فهذا التعدد أساس المغرب الموحد حول مقدساته والمتضامن بين جهاته وهذا هو ما يميز المغرب تاريخيا ولغويا واثنيا وجغرافيا وثقافيا .انه مغرب التعدد داخل الوحدة الوطنية التي تردد ب 4 مرات بنسبة 0.2% والوحدة  الوطنية داخل التعدد.

Ø     مغرب التضحيات من اجل الصحراء:  بلغة واضحة تحمل عدة رسائل مشفرة رد الخطاب الملكي على بعض الإشاعات والمغالطات حول استغلال المغرب  لثروات الصحراء معتمدا في ذلك على معطيات تاريخية مفادها ان المغرب ضحى اكثر من 40 سنة من أجل استرجاع الأرض بحياته وماله.وبلغة الحسم والصرامة اكد جلالته ان  الصحراء ليست قضية الصحراويين وحدهم. انها قضية كل المغاربة بل ان الخطاب الملكي ذهب بعيدا ليعتبر: الصحراء قضية وجود وليست مسألة حدود.

Ø     مغرب الحرية والمسؤولية وحقوق الانسان :  امام الحملة الشرسة والممنهجة ضد   قضية الوضع الحقوقي  بالصحراء كما ترددها الجزائر وعملائها جاء الخطاب الملكي ليضع الامور في نصابها مؤكدا ان المغرب بلد سيادة وبلد قانون وملتزم بفلسفة حقوق الانسان  لكن في ظل معادلة  ممارسة الحقوق واحترام الحريات.وقد برهن الخطاب الملكي ان المغرب هو البلد الوحيد بالمنطقة، الذي يتعاون مع الآليات الخاصة للمجلس الأممي لحقوق الإنسان، وله  آلياته ومؤسساته الخاصة، المشهود لها دوليا بالالتزام والمصداقية، ومنفتح على مختلف الهيئات والمنظمات الحقوقية الدولية، التي تعتمد الحياد والموضوعية، مشددا في نفس الوقت ان المغرب يرفض سياسة تبخيس مبادراته، وتضخيم الأحداث التي تقع بالأقاليم الجنوبية، مقابل الصمت والتواطؤ، تجاه ما يقع في تندوف وفي الجزائر.

 

Ø     المغرب ليس مصنعا لشهداء الخيانة: حضرت كلمة الخيانة ومشتقاتها بشكل مكثف  ب8 ترددات ونسبة 0.48% وهو ما يعكس تشديد جلالة الملك على اعتبار التآمر مع العدو خيانة عظمى.وهنا نتسائل اين هي الدولة وجهاز المخابرات ووزارة العدل والحريات من ضبط ومتابعة هؤلاء الخونة؟ لماذا تصمت السلطات المحلية والإقليمية والوطنية عن فضح هؤلاء المتآمرين بعد تاكيد جلالته ان الخيانة لا تغتفر؟ ومتى كان الخائن لوطنه شهيدا حسب كل القوانين الدولية؟ لقد كان وصف جلالة الملك بان المغرب ليس مصنعا لشهداء الخيانة قمة بوزن الكلمة في صناعة التأثير السياسي.

Ø     مغرب التفاوض وليس مغرب التنازل:  تمكن جلالة الملك من توضيح مفهومي التفاوض والتنازل  في القانون الدولي والعلاقات الدولية .فخيار التفاوض بالنسبة للمغرب هو ارادوي  هدفه إيجاد حل نهائي للنزاع المفتعل حول صحرائه، ولا علاقة له  قطعا مع تنازل المغرب على  سيادته ووحدته الترابية.وبلغة الحسم اكد الخطاب انه . لا ينبغي فهمه على أنه ضعف، أو اتخاذه كدافع لطلب المزيد من التنازلات، بل أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب هو سقف الحكم الذاتي وبذلك وضع جلالته النقط على الحروف وهذا ما كان وراء عودة  جبهة البوليساريو لاسطوانة العودة  لحمل السلاح ،والحملات الاعلامية المسعورة للنظام الجزائري ضد مضامين الخطاب الملكي الذي أربك حساباتهم الهشة .

Ø     المغرب الرافض للمغالطات والانزلاقات: بلغة الحسم  حمل الخطاب الملكي شعار اللاءات الخمس:  

      - لا لمحاولة تغيير طبيعة هذا النزاع الجهوي، وتقديمه على أنه مسألة تصفية الاستعمار. فالمغرب ليس بالمحتل  - لا لأي محاولة لمراجعة مبادئ ومعايير التفاوض، ولأي محاولة لإعادة النظر، في مهام المينورسو أو توسيعها، بما في ذلك مسألة مراقبة حقوق الإنسان. - لا لمحاباة الجزائر، وتمليصها من مسؤولياتها- لا لمحاولة التوازي بين دولة عضو في الأمم المتحدة، وحركة انفصالية -لا لإعطاء الشرعية لحالة انعدام القانون بتندوف.

   ومشددا ان سيادة المغرب لا يمكن أن تكون رهينة، لأفكار إيديولوجية، وتوجهات نمطية ولعدة انزلاقات أو مغالطات، مهما كان مصدرها.وفي هذا الصدد رفض الخطاب الملكي  ازدواجية الخطاب الامريكي والاممي اتجاه النموذج المغربي واتجاه وحدته الترابية .

 

Ø     الصحراء في الخطاب الملكي: احتلت مفهوم الصحراء الرتبة الثانية بالخطاب ب  25 تردد ونسبة 1.5 الأمر الذي يعكس  منطق وسياق الخطاب .

Ø     صحراء التضحيات لكل الشعب المغربي:اعتبر الخطاب الملكي قضية الصحراء قضية كل الشعب المغربي ليس قضية الصحراويين وحدهم وفي ذلك رسائل قوية لوضح حد للشوفينية ولتعصب بعض الصحراويين الذين يعتبرون قضية الصحراء قضيتهم الخاصة من جهة ، وللبرهنة للعالم ان قضية الصحراء هي قضية شعب بأكمله وليس قضية نخبة عسكرية وسياسية كما هي عند النظام الجزائري   .

Ø     الصحراء ليست بقرة حلوب : بلغة التحدي اكد الخطاب الملك ان المغاربة هم تحملوا تكاليف تنمية الأقاليم الجنوبية وليس العكس كما يروج البعض ويكفي ان نقارن  كانت عليه الصحراء قبل 1975 على مستوى مؤشرات النمو والتنمية البشرية وكيف هي الآن لكن ذلك لم يعف الخطاب الملكي بالاعتراف بموجود اختلالات في التدبير.

Ø     صحراء سوء نمط التدبير: انها قمة الشجاعة السياسية  ان يعترف الخطاب الملكي بالاختلالات التدبيرية لنمط التدبير بالصحراء  وضعف والعدالة الاجتماعية ، واتساع مجال اقتصاد الريع والامتيازات المجانية ،وشعور بعض الصحراويين  بالغبن والإقصاء والذين وصفهم الخطاب بالأغلبية الصامتة المتشبتة بوحدة البلاد مقابل فئة قليلة خائنة ومسترزقة وانتهازية ومتاجرة بقضية الصحراء .ولوضع حد لهذا الوضع الشاذ الذي دام اكثر من 40 سنة جاء الخطاب الملكي ليعلن نهاية زمن التساهل مع هؤلاء ووضع حد لمن يريد وضع الوطن في خدمة مصالحه.وانطلاقا من قوة هذه الحقائق الملكية نتمنى من الأحزاب السياسية- ونحن على سنة انتخابية-  ان تقصي جميع مرشحيها  الفاسدين والاعيان الانتهازيين ومرشحي الريع من الترشح باسمها في انتخابات 2015 كما على الدولة ان تعيد هيبتها بالصحراء بعد ان فقدتها تحت ضغوطات واهية لبعض العائلات والنخب والأعيان بالصحراء

Ø     صحراء الغد صحراء الحكامة وصحراء الانصاف وصحراء العدالة الاجتماعية: بلغة جرئية خاطب جلالته الاغلبية الصامتة من الصحراويين  مؤكدا لهم  قراره الحاسم لوضع حد لكل أشكال التسيب التدبيرية عبر إعادة النظر جذريا في نمط الحكامة بالاقاليم الجنوبية التي احتلت المرتبة الرابعة من ناحية التردد ب 14 مرة ونسبة 0.8%  هذا الحضور المكثف يبرهن على مكانة هذه المناطق في النسق الفكري لجلالة الملك.الذي يريد ان يفعل بها  الجهوية المتقدمة، والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية.

Ø     الجهوية المتقدمة خيار استراتيحي: تحدث  الخطاب الملكي عن الجهوية المتقدمة  التي حضرت ب 12 تردد وبنسبة 0.7%وليس عن الجهوية الموسعة التي لم يذكرها الخطاب قط .ونشير هنا الى الفرق الكبير بين  المفهومين.تقوم الجهوية الموسعة على أساس الجهوية السياسية في إطار اللامركزية السياسية،وتتطلب وجود برلمان وحكومة جهويين، ويقتصر دور ممثل السلطة المركزية على ضمان التنسيق بين المركز والجهات وهو قريب من فلسفة مشروع الحكم الذاتي المغربي.

أما الجهوية المتقدمة فيمكن تلخيصها في نظام أكثر تقدما للجهوية من النموذج الجهوي الحالي، بمعنى أن عملية تفعيل هذه الجهوية  يجب أن تنطلق مما هو كائن مع توسيع اختصاصات مجالس الجهات وإعادة تركيب البنيات الجهوية، وتخويل المنتخبين الاختصاصات التقريرية والتنفيذية،مع تقنين  نظام الاستقلالية المالية والتدبيرية للمجالس الجهوية وتحديد علاقتها بالدولة المركز، وبذلك تعيد الجهوية المتقدمة اسس الدولة من دولة المركز الى دولة الجهات.لكن  وكما صرح بذلك الخطاب الملكي  ليست الجهوية المتقدمة  مجرد نصوص قانونية، وتحويل اختصاصات وموارد، مادية وبشرية، من المركز إلى الجهات، وإنما نريدها أن تقوم على الغيرة الوطنية الصادقة، على الوحدة الترابية لبلادنا.وقد صدق الخطاب الملكي فجهات الصحراء  لا تتقدم بنفس السرعة التي تسير بها الجهات الاخرى  لان المناخ السياسي العام  بالصحراء غير سليم لكونه اصبح  مرتعا للانتهازيين والمفدسدين من المنتخبين والأعيان والشيوخ الذين يتاجروا بقضية الصحراء، وعليه فلا مستقبل للحكامة الجيدة ولا للجهوية المتقدمة بالصحراء دون  سحب البساط من أصحاب الريع السياسي والاقتصادي والإعلامي ، ومن  بعض المنتخبين والأعيان والعائلات النافذة والمتحكمة في ثروات الصحراء و المهيمنة على كل المناصب: مجالس محلية اقليمية جهوية  ومجلسي البرلمان بل حتى على المجتمع المدني، والطامة الكبرى ان  بعض هاته الشخصيات والاعيان النخب  تتعامل مع  الجزائر التي حضرت ب 5 ترددات وبنسبة0.3%  بينما لم يذكر قط الخطاب الملكي جبهة البوليساريو نهائيا  حضورها كان هو 0% ;واصفا اياها بالحركة الانفصالية  وفي هذا رسالة قوية ان الطرف الحقيقي في النزاع  –الذي تريد بعض القوى التغاضي عنه- هو قادة الجزائر وليس قادة الحركة الانفصالية . وقد كانت بلاغة الخطاب الملكي قمة في الشجاعة السياسية حين خاطب هيئة الامم المتحدة والقادة الامريكيين: انه فدون تحميل المسؤولية للجزائر، الطرف الرئيسي في هذا النزاع، لن يكون هناك حل. وبدون منظور مسؤول للواقع الأمني المتوتر بالمنطقة، لن يكون هناك استقرار.

 صحيح  للجزائر سلطة المال لكن للمغرب سلطة الشرعية والمشروعية والإجماع، لذى فالمغرب صاحب قضية عادلة وارتباط الصحراء بالمغرب متجذر تاريخيا ولا يمكن مقارنته بوضعية تيمور الشرقية أو ببعض النزاعات الترابية بأوروبا الشرقية كما تروج لذلك الجزائر وحلفائها..

بصفة عامة خطاب المسيرة الخضراء كان درسا في الخطابة السياسية وفي العلوم السياسية وفي القانون الدولي وفي الدفاع عن القيم والحقوق والحريات .انه خطاب الحقيقة والنقد الذاتي والواقعية السياسية انه خطاب خارطة الطريق للنزاع المفتعل بالصحراء خطاب المواجهة  وخطاب الكشف والتعرية والفضح اتجاه  قضية عادلة تحاول الجزائر استغلالها لتصفية حساباتها السياسية والتاريخية وحولها  بعض الاعيان والخونة والمفسدين الصحراويين الى وسيلة للابتزاز للدولة المغربية التي فقدت الكثير من هيبتها بسبب سياسة الصمت وترضية الخواطر والخوف غير المبررمن هؤلاء الفاسدين والانتهازيين  وبمباركة من بعض الاحزاب التي ترشح وتحتضن تجار وسماسرة الانتخابات وتجار القضية الوطنية .

 

ان خطاب جلالة الملك بمناسبة المسيرة الخضراء هو الخطاب المرجعي للدولة وللحكومة وللأحزاب  لتدبير ملف الصحراء في وقت صعب وزمن سياسي مغربي رديئ  مثل فيه الخطاب الملكي الاستثناء فمتى وكيف ستحول الدولة وللحكومة وللأحزاب مضامين الخطاب الملكي الى إجراءات عملية؟ ومتى تقوم الدولة والاحزاب المغربية بنقد ذاتي ومواجهة بعض الاعيان والنخب بالصحراء بمبدا الحق والواجب والحرية والمسؤولية بعد مضامين هذا الخطاب الملكي المرجعي الذي اتمنى ان يزيل  عقدة الخوف من عقول قادة احزابنا ودولتنا؟


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات