معجزة النمل في القرآن الكريم

معجزة النمل في القرآن الكريم

أخبارنا المغربية

 قال الله سبحانه وتعالى:{ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } [النمل: 17-19].

 

{ أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ}: أي ساروا حتى إذا بلغوا وادي النمل ( أشرفوا على واد النمل)، وسمى بذلك لأن أغلب الموجود في الوادي هو النمل، كما يقول العرب: وادي فلان، أي أغلب من بالوادي من بني فلان، وعُدّي بعلى، إما لأن إتيانهم كان من فوق، فأتى بحرف الاستعلاء، وإما يراد قطع الوادي وبلوغ آخره، من قولهم: أتى على الشيء، إذا بلغ آخره.

 

وذكرت بعض التفاسير أماكن لهذا الوادي، فقيل: إنه واد بالشام كثير النمل، وقال كعب هو بالطائف، وقيل: إنه باليمن، ولكن لا يهمنا ذلك لأن العبرة بالألفاظ لا بالمكان.

 

{ قَالَتْ نَمْلَةٌ }:لها صفة الإشراف والتنظيف على النمل السارح في الوادي، وسميت النملة نملة لتنملها، وهو كثرة حركتها وقلة قرارها .

 

{ النَّمْلُ }:كائنات تنتمي إلى طائفة الحشرات، ويبلغ أنواعه حوالي تسعة آلاف نوع، وتختلف أنواع النمل في الحجم، فمنه الصغير الذي لا يكاد يرى بالعين المجردة، ومنه أنواع كبيرة... وكذلك يختلف النمل في الشكل واللون، كاختلافه في الحجم، ومملكة النمل تتكون من:

 

ملكة النمل: وهي أنثى خصبة، دورها هو وضع البيض وإدارة الحكم في المملكة.

 

الشغالات (العاملات): وهي إناث عقيمة، تقوم بكل أعمال المملكة، بتوزيع دقيق، كل حسب قدرته.

 

العساكر (الجنود): وهم ذكور عظيمة، ويعتبر الجناح العسكري للمملكة.

 

الذكور: وهم ذكور خصبة، ودورها هو تلقيح الملكة فقط.

 

{ مَسَاكِنَكُمْ }:قريتكم، مدينتكم – عشكم – مستعمرتكم – مملكتكم.

 

{ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ }:لا يكسرنكم، لا يهشمنكم، لا يقتلنكم.

 

(والحطم): الكسر لشيء صلب، ( والحطمة) من أسماء النار لأنها تحطم ما يلقى فيها (والحطام) هو ما تكسر من اليبس، وهو نهى لهن عن البروز والوقوف أمام سليمان وجنده.

 

{ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }:لا يعملون بمكانكم، أي لو شعروا لم يفعلوا، قالت لك على وجه العذر، واصفة سليمان وجنوده بالعدل، وهو إشارة إلى الدين والعدل والرأفة، وأيضاً إشارة إلى فطرتها السليمة.

 

الإعجاز العلمي في مفردات الآية:

فعن قتادة: أنه دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقال: سلوا عما شئتم، وكان أبو حنيفة وهو غلام حدث، فقاله: سلوه عن نملة سليمان، أكانت ذكراً أم أنثى ؟ فسأل فأفحم، فقال أبو حنيفة رضي الله عنه كانت أنثى، فقيل له: من أين عرفت ؟ فقال من كتاب الله تعالى وهو قوله:{ قَالَتْ نَمْلَةٌ...}، ولو كان ذكراً لقال: قال نملة، وذلك لأن النملة مل الحمامة في وقوعها على الذكر والأنثى، فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم: حمامة ذكر، وحمامة أنثى، وهو وهي .

وقيل: إن اسمها: طاخية – حرميا، لا ندري كيف يتصور للنملة اسم علم، والنمل لا يسمي بعضهم بعضاً، ولا الآدميون يمكنهم تسمية واحدة منهم باسم علم، إنه لا تمييز للآدميين بعضهم عن بعض، وإذا كانت أنثى، فهل هي ملكة أم شغالة عاملة ؟ وهكذا يحتد الجدل، لذا نحب أن نزيل هذا الشك في هذه النقطة بالذات من الوجهة التخصصية.

 

أقول إن المقصود بالنملة هنا من الناحية العلمية هو الملكة، والدليل على ذلك ما يلي:

1- كلمة ( قالت)، والتاء للتأنيث، وهذا يدل على أحد فردين، إما الملكة وإما الشغالة، أو أن الملكة قالت وأخذت الشغالة قولتها وبلغتها للجميع قبل فوات الأوان، والتأنيث في حق الملكة أكثر من الشغالة، لأن الملكة أنثى خصبة والشغالة أنثى عقيمة.

 

2- الملكة هي أم الجميع، وواجب الأمومة يفرض عليها أن تخاف على ذريتها أكثر من خوف غيرها، وذلك واضح من سياق الآية.

 

3- الملكة هي الآمرة الناهية في المملكة، وليس لغيرها ذلك، أي لها صفة الإشراف والتنظيم والحفاظ على رغبتها.

 

4- الكلام في سياق سورة النمل هو عن الممالك، فكان الكلام عن مُلك سليمان على لسان سيدنا سليمان عليه السلام، وعن ملكة سبأ على لسان ملكة سبأ، فلم لا يكون الكلام عن مملكة النمل على لسان مليكتهم، أي ملكة النمل، ويكون الكلام على مستوى القمة في ذكر الممالك.

 

5- قد يتبادر إلى الذهن تساؤل إذ أن الملكة تكون في الحجرة الملكية ولا تخرج منها، فكيف عرفت أن سليمان وجنوده بالوادي، فهل رأتهم ؟

 

وللإجابة على هذا السؤال نقول: إن النمل بصفة عامة ضعيف البصر، وكثير منه لا يرى، ولكنه يستشعر عن بعد بواسطة أجهزة الإحساس التي زودها الخالق بها، وعلى رأس هذه الأجهزة: قرون الاستشعار (الهوائي) ، والتي يوجد بها العديد من البؤر، في كل عقلة من عقل الشمروخ، وتستطيع بواسطتها الإحساس بالروائح ودرجة الحرارة ونسبة الرطوبة وشدة الرياح وذبذبات الأصوات.

 

ولعلها قد أحست بجنود سليمان قبل قدومهم عن طريق ذبذبات الصوت، ثم أصدرت أمراً إلى رعيتها، وذلك من خلال بعض حاشيتها أو خدمها، كعادتها.

 

6- رُبّ سائل يسال: جاء في الأثر: إن قوماً حدث لهم جفاف شديد فطلبوا من نبيهم الخروج للاستسقاء، فخرج بالناس يستسقون، فإذا هم بنملة رافعة رأسها إلى السماء تدعو الله أن يسقيهم، فقال لهم: كُفيتم الدعاء، فارجعوا، فقد استُجيب لكم من أجل نملة، ولسائل أن يسال: هل هذه النملة هي الملكة أم هي نملة عادية من سائر النمل ؟

للإجابة على ذلك نقول: إن هذه نملة من عامة الرعية، يقال لها الشغالة، وهي المكلفة بالجد والاجتهاد وجمع الطعام، وهذا هو عملها، فعندما تستنفد كل طاقتها دون فائدة، فكيف تعود إلى قريتها خالية اليدين !! عندئذ.. تدعو الله أن يرزقها لكي تتم عملها على أكمل وجه، والملوك آخر من يتضوع جوعاً من مماليكهم، أي إنهم آخر من يحس بالجوع والعطش.

 

7- جاءت كلمة نملة هنا نكرة، لأخذ العبر والعظات، فالنكرة للتفخيم، وفي نفس الوقت ليذوب الفرد في الجماعة طالما يقوم كل منهم بعمله على أكمل وجه... إذن فكل منهم مجهول في الآخر، وذلك من طبعها، لأنها لا تعرف الأنانية أو حب الذات، ومجتمع النمل مجتمع تعاوني مثالي، الفرد فيه أغنى شيء في المملكة بالنسبة للجميع، وفي نفس الوقت يضحى الفرد فيه بنفسه من أجل الجماعة.

 

{ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ }:لم يقل المولى عز وجل: ادخلن، لأنه لما جعلها قائلة والنمل مقولاً لهم أجراهم مجرى العقلاء بعد الخطاب، لأن القول إنما للعاقل، فعبّر بضمائرهم فقال: {ادْخُلُوا...} فانظر كيف نسب لها العقل والفهم ونداء إخوانها وأمرها لهم بالفرار من الشر ودخولها المساكن لتأويها خشية أن يحطمها سليمان وجنوده بلا شعور الحاطمين.

 

وفي ذلك تنبيه ليوقظ العقول إلى ما أعطيته من الدقة وحسن النظام والسياسة، وما أوتيت من حسن الهندسة في مساكنها ودهاليزها، فأما مساكنها فهي تتخذ القرى تحت الأرض، ولبيوتها أروقة ودهاليز وغرفات ذوات طبقات، سوف نشرحها تفصيلاً فيما بعد، وأما نداؤها لمن تحت إمرتها وجمعها لهم فإنما يشير إلى أسلوب سياستها وحكمتها في تصريف أمورها.

 

جاءت: (مساكن) بصيغة الجمع لتوحي بأنها لم تقتصر على فن واحد في عمارة بيوتها، بل هناك أنواع أخرى من البيوت في أماكن مختلفة من البيئة، فهي تبني مساكن فوق الأرض كالتي تحتها، وتتخذ من الأشجار العتيقة بيوتاً، كما يتخذ الإنسان من الجبال بيوتاً.

 

ومن يتأمل صنع قدماء المصريين في السراديب تحت الأرض والمغارات والتجاويف وما بنوا فوقها من الأهرامات، لا ندرى من علّم الآخر، ولكننا على يقين أن النمل هدى إليه بفطرته التي فطره الله عليها، بلا تعليم ولا مدرسة، فهو متواجد قبل الإنسان بملايين السنين.

 

وتعبير (المسكن) يوحى بالراحة والطمأنينة والأمان والاستقرار والسكينة والوقار، وذلك بعد الجد طوال النهار، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كان المسكن يحوي كل مقومات الحياة مع نظام دقيق ينضبط مع منهج الفطرة السليمة.

 

تنبيه هام:في هذا السياق { ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ } تنبيه على أمر هام وهو أن من يسير في الطريق لا يلزمه التحرز، وإنما يلزم من يوجد في الطريق التحرز، ومثل ذلك نجد الرجل يمشي ليلاً في وسط الطريق الممهد للسيارات، وقد يكون ملبسه داكن وقد لا يُرى من الأشجار التي تحف بالطريق، ويتعذر رؤيته لراكبي السيارات فيكون حاله كمان عرض نفسه للخطر، فيجب عليه أن يتحرز في السير تاركاً الطريق للعربات وخلافه.

 

{ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ }:استوقفني هذا اللفظ كثيراً في تدبره وماذا يعني التحطيم هل هو تحطيم النفوس أم تحطيم الأجسام، أم كليهما معاً ؟ ولماذا هذا اللفظ بالذات ؟

 

يقول الفخر الرازي في تفسيره: إن تلك إنما أمرت غيرها بالدخول لأنها خافت على قومها أنها إذا رأت سليمان في جلالته، فربما وقعت في كفران نعمة الله تعالى، وهذا هو المراد بقوله: { لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ }، فأمرتها بالدخول في مساكنها لئلا ترى تلك النعم فلا تقع في كفران نعمة الله تعالى، وفي هذا تنبيه على أن مجالسة أرباب الدنيا محظورة.

 

ويقول القرطبي في تفسيره: لم ترِد ( حطم النفوس)، وإنما أرادت ( حطم القلوب) خشية أن يتمنين مل ما أُعطي أو تفتن بالدنيا، ويشتغلن بالنظر إلى ملك سليمان عن التسبيح والذكر.

 

ولا عجب عندما تسمع بقول كل من الفخر الرازي والقرطبي في هذا المعنى، فعندما نتدبر ما قالته النملة، نعلم أننا بصدد مخلوق عجيب له فهم العقلاء وبلاغتهم، وبالإضافة إلى حياته الاجتماعية المثالية، فمن الممكن أن يكون ما قالوه عن النملة في تحطيم النفوس والقلوب فيه درجة كبيرة من الصحة.

 

ودون التدخل في التفاصيل الدقيقة لتراكيب هذا الهيكل وخواصه الطبيعية والكيميائية – والتي قد تطول ويملّها غير المتخصصين، تكفي هذه المقدمة البسيطة التي يتضح لنا من خلالها أن الإضرار بهذا الهيكل، كالدهس تحت الأقدام مثلاً، ينتج عنه تهشيم وتحطيم لهذه الحشرة، فعند كسر أي جزء من الهيكل تنزف محتويات الجسم ويخرج عن آخره، ثم يصيبه الجفاف، وتنتهي حياته... فالكسر هنا غير قابل للجبر، ولكنه يؤدي إلى تحطيم الحشرة تماماً وموتها... لذا كان هذا اللفظ بذاته هو الذي يحمل في طياته هذا المعنى العلمي الدقيق لتراكيب جسم الحشرة، وهي النملة.

 

أغلب الظن أن النملة ليست من جند سليمان عليه السلام، لقول الله سبحانه وتعالى: { وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } [النمل: 17].

 

والنملة ليست من هذه العوالم أو الطوائف أو الأقسام، وقوله: { مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ } بيان للجنود، فهي ثلاثة أصناف: صنف الجن، وهو لتوجيه القوى الخفية والتأثير في الأمور الروحية ؛ صنف الإنس وهو جنوده تنفيذ أوامره ومحاربة العدو وحراسة المملكة ؛ وصنف الطير وهو من تمام الجند لتوجيه الأخبار وتلقيها وتوجيه الرسائل إلى قواده وأمرائه .

 

فربما يكون السؤال قد اقتصر على ذكر الجن والطير لغرابة كونهما من الجنود، فلذلك لم يذكر الخيل، وهي من الجيش، فلم لا يكون النمل كذلك ؟ وللإجابة على ذلك قال الله سبحانه وتعالى: { قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }، فقول النملة يدل دلالة قاطعة على أنها ليست من جند سليمان وإلا كان عليها أن تكون في الحشر مع باقي هذه الأقسام أو الطوائف، ولكنها أمرت جندها بالدخول إلى المساكن والابتعاد عن طريق سليمان وجنده، فهي مملكة قائمة: لا سلطان لنبي الله سليمان عليها، غير أنه تعلم لغتها بأمر ربه، وأخذ العبر من تصرفاتها .

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات
المقالات الأكثر مشاهدة