الصوم عن الغير
أخبارنا المغربية
ورد في ذلك حديثان :
الأول عَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا – أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ الْمَيِّتَ صِيَامُ وَلِيِّهِ عَنْهُ إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ وَاجِبٌ، وَالْإِخْبَارُ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ، أَيْ لِيَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْوُجُوبُ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فقال أصْحَابُ الْحَدِيثِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ : إنَّهُ يُجْزِئُ صَوْمُ الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، ثم اختلفوا في الْمُرَادُ مِنْ الولي : فقيل كُلُّ قَرِيبٍ، وَقِيلَ : الْوَارِثُ خَاصَّةً، وَقِيلَ : عَصَبَتُهُ،.
واخْتَلَفوا أيضا هَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوَلِيِّ أَوْ يعم غيره، فَقِيلَ : لَا يَخْتَصُّ بِالْوَلِيِّ بَلْ لَوْ صَامَ عَنْهُ الْأَجْنَبِيُّ بِأَمْرِهِ أَجْزَأَ كَمَا فِي الْحَجِّ، وَإِنَّمَا ذُكَرَ الْوَلِيَّ فِي الْحَدِيثِ لِلْغَالِبِ وَقِيلَ : يَصِحُّ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِهِ الْأَجْنَبِيُّ بِغَيْرِ أَمْرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَبَّهَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِالدَّيْنِ حَيْثُ قَالَ : «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» فَكَمَا أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَخْتَصُّ بِقَضَائِهِ الْقَرِيبُ فَالصَّوْمُ مِثْلُهُ وَلِلْقَرِيبِ أَنْ يَسْتَنِيبَ.
وَذَهَبَتْ جَمَاعَةٌ منهم َمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلى أَنَّهُ لَا صِيَامَ عَنْ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ الْكَفَّارَةُ لِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا : «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ أُطْعِمَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ»، إلَّا أَنَّهُ مختلف في رفعه، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ قَالُوا : فعضدوه بما وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ من الْفُتْيَا بِالْإِطْعَامِ، قالوا وَلِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ بِهَا مُكَلَّفٌ، وَالْحَجُّ مَخْصُوصٌ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ مِنْ فُتْيَا عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ لَا تُقَاوِمُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ. وَأَمَّا قِيَامُ مُكَلَّفٍ بِعِبَادَةٍ عَنْ غَيْرِهِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَجِّ بِالنَّصِّ الثَّابِتِ فَيَثْبُتُ فِي الصَّوْمِ إذ لا فرق .
واحتج الْمَالِكِيَّةِ لعدم تجويز الصوم عن الغير بأنه ليس عليه عَمَل أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، على رأيهم في ترْك الْعَمَل بِالْحَدِيثِ إذا خالف إجماع أهل المدينة، والْحَنَفِيَّةِ احتجوا بِأَنَّ الرَّاوِيَ أَفْتَى بِخِلَافِ مَا رَوَى.