في حكم صلاة الجنازة في أوقات الكراهة
أخبارنا المغربية
السلام عليكم
في حكم صلاة الجنازة في أوقات الكراهة
جاء في حديثِ عقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه أنّه قال: «ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ»(١)، فهل تصحّ صلاةُ الجنازةِ في هذه الأوقاتِ؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فعمومُ النّهيِ عنِ الصّلاةِ في هذا الحديثِ وغيرِه مِنَ الأحاديثِ النّاهيةِ عنِ الصّلاةِ في أوقاتِ الكراهةِ محمولٌ على صلاةِ التّطوّعِ التي لا سبب لها، أمّا الصّلواتُ ذواتُ الأسبابِ كقضاءِ الفرائضِ أو فوائتِ النّفلِ كسنّةِ الفجرِ بعد الفجرِ وسنّةِ الظّهرِ بعد العصرِ، وكذا تحيّةِ المسجدِ وصلاةِ الكسوفِ وركعتَيِ الطّوافِ وغيرِها مِن ذواتِ الأسبابِ، فإنّها خُصَّتْ مِن عمومِ النّهيِ عنِ الصّلاةِ لأدلّةٍ دلّتْ عليها مثلَ قولِه صلّى الله عليه وآلِه وسلّم: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ أَوْ نَسِيَ صلاةً فَلْيُصَلِّهَا إذا ذَكَرَهَا»(٢)، وَقَوْلِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ»(٣)، وقولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا البَيْتِ وَصَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ»(٤)، ونحوِها مِنَ الأدلّةِ.
وصلاةُ الجنازةِ معدودةٌ مِن ذواتِ الأسبابِ، والإجماعُ منعقدٌ على جوازِ أدائِها في كلِّ الأوقاتِ بما في ذلك بعد الصّبحِ والعصرِ، قال ابنُ قدامةَ -رحمه الله-: «قال ابنُ المنذرِ: إجماعُ المسلمين في الصّلاةِ على الجنازةِ بعد العصرِ والصّبحِ، وأمّا الصّلاةُ عليها في الأوقاتِ الثّلاثةِ التي في حديثِ عقبةَ بنِ عامرٍ فلا يجوز»(٥).
قلتُ: وإنّما الكراهةُ فيما إذا كان يتحرّى –عمدًا- صلاتَها في الأوقاتِ الثّلاثةِ، بخلافِ ما إذا حصل اتّفاقًا؛ فلا كراهةَ في أدائِها في عمومِ الأوقاتِ(٦). قال ابنُ تيميّةَ -رحمه الله- في مَعْرِضِ بيانِ حديثِ عقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه: «صلاةُ الجنازةِ لا تُكْرَهُ في هذا الوقتِ بالإجماعِ، وإنّما معناه تعمُّدُ تأخيرِ الدّفنِ إلى هذه الأوقاتِ كما يُكْرَهُ تعمُّدُ تأخيرِ صلاةِ العصرِ إلى اصفرارِ الشّمسِ بلا عذرٍ، فأمّا إذا وقع الدّفنُ في هذه الأوقاتِ بلا تعمُّدٍ فلا يُكْرَهُ»(٧).
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.