التخطيط لرمضان
أخبارنا المغربية
ها هي الشهور قد توالت متتابعات، وها هي الأيام قد انفرطت مسرعات تؤذننا بقرب دخول شهر رمضان المبارك، شهر الخيرات والبركات.
ها هو رمضان يقترب، والقلب يرتقب، والنفس تشتاق، والحنين يتجدد وكأنه يطل علينا لأول مرة.. فاللهم بلغنا أيامه ولياليه بلوغ رحمة ومغفرة وعتق من النار.
شهر رمضان شهر كريم، وأيامه أيام مباركات، وكل ما كان بهذا الوصف فهو سريع المرور{أياما معدودات}.
وإذا كانت كلمة الأمة قد اتفقت على أن رمضان أعظم موسم خير وأكبر نفحة يهبها الله للمسلمين، وجب على كل مسلم ألا يتعامل مع رمضان كتعامله مع بقية الشهور، ولا مع أيامه تعامله مع بقية الأيام، لأن التعامل مع الأمور المتفاوتة نفس التعامل دليل قلة عقل وعدم فهم، وسوء تقدير للأمور، ووضع لها في غير موضعها الصحيح.
نعمة لا تضيعها
إن بلوغ رمضان نعمة كبرى وإنما يقدرها حق قدرها الصالحون المشمرون، فإذا كان الله قد من عليك ببلوغه ومد في عمرك للوصول إليه، فالواجب استشعار هذه النعمة واغتنام هذه الفرصة فإنها إن فاتت كانت حسرة ما بعدها حسرة، وخسارة ما بعدها خسارة.
ولا يمكن للإنسان أن ينتفع برمضان ويحصل منه أكبر الفائدة المرجوة إلا بأن يخطط له، ويعد له تمام العدة، ويتأهب له تمام التأهب والاستعداد. وألا يترك الأمر للظروف تمشي بالعبد كيفما اتفق. وقد علم دراسة وممارسة أن كل أمر بلا تخطيط فهو تخبيط وتخليط.
إن التخطيط أهم سر في نجاح الناجحين في الدنيا والآخرة بعد توفيق الله تعالى بالطبع، والتخطيط لرمضان إنما هو التقرير سلفاً لما تريد أن تحققه فيه من أهداف، ذلك أن العمل بلا هدف يخرج في النهاية بلا نتيجة مرجوة، وكذلك كل هدف لا يعلم كيفية الوصول إليه فإنه صعب المنال. وقد قيل قديما: إنك لا يمكن أن تصل إلى هدف ما إلا إذا كان هناك هدف تريد الوصول إليه، وأن تعلم كيفية الوصول إليه.
إن رمضان أعظم من أن نتركه بلا أهداف وبلا خطة لتحقيق هذه الأهداف.. ومن ثم نقول لكل من أراد الانتفاع برمضان: "يجب أن يكون معلوما لديك وواضحا أمام عينيك ما تريد أن تحققه في رمضان. فلا يكفي أبدا أن تنوي أن تصلي كثيرا، أو أن تتصدق، أو أن تفعل الخير.
وإنما لابد أن يكون لديك خطة بعدد الختمات، وكم ستقرأ في كل يوم وليلة وفي أي الأوقات. كذلك عدد الركعات التي ستصليها في كل يوم وليلة، ومتى وأين ستصليها، وكذلك صلاة التروايح مثلا ستكون في أي مسجد، وما هو مقدار الصدقات، ولمن ستكون مصارف الزكوات، وما هي الخبيئات التي بينك وبين الله.
وينبغي أن يكون لديك تصور لأنواع القربات وأوقاتها، كصلة الأرحام وترتيبها، وكم ستقضي من الوقت فيها، ولا تترك شيئا للظروف إلا مالا يملك الإنسان من ظروف خارجة عن إرادته ثم يطوع الأمور لتسير مع خطته.
من أراد أن ينتفع برمضان فليقلل من العادات كأوقات المنام والطعام والكلام والاختلاط بالأنام، وإنما كل ذلك ينبغي أن يكون محسوبا محسوما لخدمة خطته الكبرى في رمضان.
من أراد أن ينتفع برمضان فعليه الاهتمام بمراتب الأعمال، فإن بعض الأعمال قليل يسير ولكنه في فضله عظيم فضيل يفضل غيره مما هو أكثر نصبا وتعبا.. فعلى العبد أن يكون فطنا بهذا الباب فإنه تقطع به مفاوز ويسبق بسببه أقوام ويتخلف آخرون.
إن معظمنا يفوته خير كثير في رمضان، ويهدر وقتا هائلا لأنه لا يخطط، ولا يعرف سلفا ماذا سيفعل في كل دقيقة في يومه، وربما يبدو للبعض أنه يعمل عملا كثيرا، ولكنه في الحقيقة إذا حاسب نفسه وجد أنه كان في الإمكان أفضل بكثير مما كان. حاله تماما كحال صاحب البيت غير المرتب، لا يكاد يجد مكانا يضع فيه شيئا، فإذا أعاد ترتيب البيت خلت فيه مواضع تحتمل أشياء كثيرة.. فكذا ساعات اليوم قبل الترتيب وبعده. وهذا من فوائد التخطيط وهو ترتيب الأعمال على الأوقات.
إن العامل في رمضان بلا إعداد كالعابث بين المجدين، وكالهازل بين الجادين، والمرتبكون في الغالب لا يسبقون، وإن وصلوا وصلوا متأخرين.. فكيف إذا كان ميدان السباق رمضان؟!
وأخيرا أقول بعد أخذنا بالأسباب لابد من التوكل على رب الأسباب، وطلب العون والمدد منه، وألاّ نركن فقط للتخطيط، وإنما علينا أن نعلق القلوب بالله سبحانه ونطلب منه التوفيق، وأن نعلم أن التخطيط إنما هو سبب في بلوغ المآرب والغايات، وأن الموفق من وفقه الله والمخذول من خذله الله.
فاللهم وفقنا لطاعتك، ويسر لنا عبادتك، واجعلنا من المقبولين الفائزين.
عن اسلام.ويب