من مفاجآت يوم القيامة!

من مفاجآت يوم القيامة!

أخبارنا المغربية- حسن بن شريف

يبقى يوم القيامة الحدث الأعظم الذي ينتظره كل إنسان، حيث تتبدد الأوهام وتسقط الأقنعة، فيجد البعض أنفسهم في نعيم لم يتخيلوه، بينما يواجه آخرون مصيرًا لم يكن في حسبانهم.

كشف المستور ومحاسبة بلا استثناء

في ذلك اليوم، ستُعرض أعمال العباد علنًا، فلا مجال للإنكار أو التبرير، فقد قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ (الطارق: 9)، في إشارة واضحة إلى أن كل خفي سيُكشف، وكل سر سيظهر.

أما المفاجأة الكبرى، فهي أن بعض الناس سيظنون أنهم على خير، ليُفاجَؤوا بأن أعمالهم كانت هباءً منثورًا، كما قال النبي ﷺ: "إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدتُ. قال: كذبتَ، ولكنك قاتلتَ ليقال جريء، فقد قيل" (رواه مسلم).

الميزان لا يُخطئ.. والجزاء من جنس العمل

أعمال العباد ستُوزن بدقة متناهية، فلا مجال للمجاملات أو المحسوبية، قال الله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ (الأنبياء: 47).

وفي المقابل، هناك مفاجآت سارّة لمن كان يرجو لقاء الله واليوم الآخر، فهناك من يدخل الجنة بغير حساب، وهناك من تُضاعف حسناتهم أضعافًا مضاعفة.

عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "آخر من يدخل الجنة رجل يُؤتى به، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، فيُقال له: عملتَ يوم كذا وكذا كذا وكذا، وهو مقرٌّ لا ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه، فيُقال: أعطوه مكان كل سيئة حسنة، فيقول: ربِّ قد عملتُ أشياء لا أراها ها هنا!" (رواه مسلم).

الوجوه يومئذٍ متفاوتة.. الفرح لأهل الجنة والحسرة لأهل النار

ويُصدم أهل المعاصي حين يجدون أنفسهم في مشهد لم يتوقعوه، بينما تغمر السعادة قلوب أهل الجنة الذين قال عنهم الله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (القيامة: 22-23).

أما أهل النار، فقد وصف الله حالتهم قائلًا: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ۝ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾ (القيامة: 24-25)، في إشارة إلى شدة حسرتهم على ما فرّطوا فيه في الدنيا.

المفاجأة في ميزان الله

من المفاجآت التي قد يكتشفها الناس في يوم القيامة هي أن هناك أشخاصًا عبادتهم قد تكون عادية أو غير مكتملة، ولكن قلوبهم نقية وطاهرة، وسيكون لهم مقام رفيع في الجنة. هؤلاء الناس قد لا يظهرون بمظاهر العبادة التقليدية التي يتبعها البعض، لكن حبهم للخير، صدقهم مع الله، وطهارة قلوبهم يجعلهم من أهل الرحمة والنعيم.

في الحديث الشريف، قال النبي ﷺ: "إنَّ اللَّهَ لا ينظرُ إلى صوركم ولا إلى أموالِكم ولكن ينظرُ إلى قلوبكم وأعمالكم" (رواه مسلم)، ففي يوم القيامة، يُفاجأ الكثيرون بأن أهل الإيمان الذين كانت قلوبهم رقيقة وعطوفة، رغم قلة عبادتهم الظاهرة، قد نالوا أعلى المنازل في الجنة، بينما قد يُفاجأ البعض الآخر ممن أظهروا التزامًا ظاهرًا بتدني منزلتهم بسبب جفاف قلوبهم.

فالقلوب الطيبة التي لم تُصَبْ بالغل أو الحقد، والتي لم يكن أصحابها يتفاخرون أو يتكبرون، رغم أنهم قد لا يمتلكون العبادة المثالية، سيكون لهم مكانة أفضل من أولئك الذين كانوا ملتزمين شكليًا لكن قلوبهم جافة، لم يتمعر وجههم قط. في هذا السياق، قال النبي ﷺ: "رُبَّ أشعثَ أغبرَ ذي طمرين، لا يُؤبَهُ به، لو أقسم على اللهِ لأبرَّه" (رواه مسلم). هؤلاء هم الذين لا يراهم الناس في المقدمة، لكنهم عند الله في أعلى المنازل بفضل طهارة قلوبهم ونقاء نواياهم.

سبعون ألفًا يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب

من بين المفاجآت أيضا التي قد يفاجأ بها المسلمون يوم القيامة، هي تلك الفئة من المؤمنين الذين سيحظون بدخول الجنة بغير حساب ولا عقاب. وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ قوله: "سبعون ألفًا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب" (رواه البخاري). هؤلاء هم الذين استحقوا هذا الجزاء العظيم بفضل تقواهم وصداقتهم مع الله تعالى، فقد نالوا رضا الله برغم ما قد تكون ارتكبته أيديهم من الذنوب في الدنيا.

ويُذكر أن النبي ﷺ فسر صفاتهم في حديث آخر حيث قال: "هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون" (رواه البخاري). هؤلاء الناس يتمتعون بمميزات روحية عظيمة، حيث يتوكلون على الله في كل أمورهم ويثقون به تمام الثقة.

إن هؤلاء المؤمنين يمثلون نموذجًا يُحتذى به في الإيمان والتوكل على الله، وقد ورد في الحديث أن الأمل في هذه الرحمة من الله يجعل الجميع يطمح في أن يكون من هؤلاء الفائزين الذين يدخلون الجنة بلا حساب أو عذاب.

رحمة الله الواسعة: حتى الشيطان الرجيم يتمنى الحصول عليها

من أبرز الأمور التي قد يكتشفها الناس في يوم القيامة هي رحمة الله الواسعة التي لا حدود لها، والتي فاقت كل تصور. فقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: "إنَّ للهِ مئةَ رحمةٍ، أنزل منها رحمةً واحدةً، يتراحم بها الخلقُ، وتحبب بها الأمُّ ولدها، وأمسك تسعًا وتسعين رحمةً، يرحم بها عبادَه يومَ القيامة" (رواه مسلم).

يُظهر هذه الحديث حقيقة أن رحمة الله سبحانه وتعالى تزداد وتتسع حتى تضم جميع المخلوقات، فلا أحد ييأس من رحمته مهما كانت خطاياه. بل، حتى الشيطان الرجيم الذي كان مصدر الضلال والإغواء للبشرية، لم يستطع أن ينجو من رغبة في نيل تلك الرحمة. فقد ورد في الحديث أن الشيطان سيحاول أن يطلب رحمة الله يوم القيامة، لكن الله تعالى سيتصرف بحكمة وعدل لا يُضاهى.

رغم أنه كان ألد الأعداء للبشرية، إلا أن الشيطان حين يرى رحمة الله التي تشمل كل شيء، سيحاول أن يطلب نصيبه منها، حتى وإن كان جزاؤه محددًا، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ (ص: 71-72).

لكن رحمة الله لا تُمنح لمن استمر في ضلاله واختار معاداة سبيل الله. وفي النهاية، تظل رحمة الله التي وسعت كل شيء هي أمل كل مؤمن، ولو كان قد اقترف المعاصي، على أن يكون قلبه تائبًا ومخلصًا.

استعداد أم غفلة؟ القرار بيدك!

إذا كان يوم القيامة مليئًا بالمفاجآت، فإن العاقل هو من يعدّ العدة لذلك اليوم، فلا يغتر بالدنيا ولا ينسى الحساب، فقد قال النبي ﷺ: "الكَيِّسُ مَن دانَ نَفسَهُ، وعملَ لما بعدَ الموتِ، والعاجِزُ مَن أتبعَ نَفسَهُ هواها، وتمنَّى على اللَّهِ" (رواه الترمذي).


عدد التعليقات (1 تعليق)

1

Abdou

ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام

يوم القيامة يبدأ الحساب والجزاء بالعدل بلا ظلم يقول جل وعلا: [وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ] {الزُّمر:69}. فلا تخفى صغيرةٌ ولا كبيرةٌ إلا احصاها هو الحي لااله الا هو عليه توكلت وهو أرحم الراحمين

2025/03/18 - 09:09
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات