حَوَاري عيسى عليه السّلام
أخبارنا المغربية
يحكي القرآن الكريم في شأن الحواريين أنّهم طلبوا من عيسى عليه السّلام أن يُنْزِل عليهم مائدة من السّماء، ودار بينهم وبين عيسى عليه السّلام الحوار التالي: {إذْ قَالَ الْحَوَارِيُونَ يَا عِيسَى ابْنَ مريمَ هَلْ يَسْتَطَيع ربُّكَ أنْ يُنَزِّلَ عَليْنَا مَائِدَةً منَ السّماء} المائدة:112، روي عن عائشة رضي اللّه عنها أنّها قالت: كان القوم أعلم باللّه عزّ وجلّ من أن يقولوا: {هلْ يَستَطِيع ربُّك}، قالت: ولكن (هل تستطيع ربَّك). وروي عنها أيضًا أنّها قالت: كان الحواريون لا يشكون أنّ اللّه يقدر على إنزال مائدة، ولكن قالوا: (هل تستطيع ربَّك(. وعن معاذ بن جبل رضي اللّه عنه، قال: أقرأنا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (هل تستطيع ربَّك)، قال معاذ: وسمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مرارًا يقرأ بالتاء: (هل تستطيع ربَّك(.
وقد كان جواب عيسى على طلب الحواريين بأن أمرهم بتَقوى اللّه سبحانه، والوقوف عند حدوده، والخوف والخشية منه، وترك مطالبته بأمور تؤدي بالمؤمن إلى الفتنة، فقال لهم: {اتَّقُوا اللّه إنْ كنتُم مؤمنين}.
ثمّ حكى القرآن الكريم ما ردَّ به الحواريون على عيسى عليه السّلام، وذلك قولهم: {قَالُوا نُرِيدُ أنْ نَأكُلَ منْها وتَطْمَئِنُ قلوبُنَا ونَعْلَمَ أن قَدْ صدقتَنَا ونَكونَ عليهَا منَ الشّاهدين} المائدة:113، فقد بيّنوا في جوابهم أنّه طلبوا نزول المائدة رغبة في أن ينالوا البركة، ولحاجتهم إلى الطّعام بعد أن ضيق عليهم بنو إسرائيل في الرِّزق، وأيضًا لتزداد قلوبهم إيمانًا باللّه وتصديقًا بما جاءهم من الحقّ، وأيضًا ليكونوا شهودًا على صدق المعجزات الّتي جاءهم بها عيسى عليه السّلام عند الّذين لم يشهدوها.
والحواريون بيّنُوا لعيسى عليه السّلام، كما حكى القرآن الكريم، أنّهم لم يطلبوا نزول المائدة من السّماء؛ لأنّهم يَشُكّون في قدرة اللّه، أو نبوة عيسى عليه السّلام، بل طلبوا ذلك زيادة في الإيمان، وطلبًا لليقين.
عبدالله
المائدة 2
{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ } يتضح من الآية الكريمة أن المسيح عليه السلام وافق على رغبة حوارييه، ولذلك عندما توجه إلى الله تعالى بالدعاء أدخل نفسه بينهم. ويتضمن قوله تعالى (تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا) نبوءة عظيمة، تشير إلى فترتين من الازدهار والتقدم للأمة المسيحية كما يُفهم من لفظة "عيد" التي تعني "اليوم الذي يعود". وقد كانت الفترة الأولى بعد المسيح عليه السلام مباشرة، وقُدِّر للثانية أن تكون في آخر الزمان، والفاصل بينهما يتسم بالانحلال والانحطاط. وهذا بالضبط ما تشير اليه بوضوح عبارة (أَوَّلِنَا وََْاخِرِنَا). ولقد منح الله تعالى الشعوب المسيحية كثيرا من الخيرات الدنيوية في العصور الأولى، قبل نهضة الإسلام. وكذلك الآن، بعد اضمحلال الإسلام، نالوا من الرخاء والعظمة المادية بقدر ليس له نظير في التاريخ لأية أمة دينية أخرى.
عبدالله
المائدة 3
{قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } تبين هذه الآية بوضوح أن "المائدة" لا تعني وجبة طعام تنْزل عليهم فعلا من السماء، لأن مثل هذه المعجزة لم تحدث قط، فمن المحال أن يكفر من يشهد هذه الظاهرة العجيبة، ويرى بعينه سماطا ممدودا حافلا بالأطعمة نازلا من السماء.
عبدالله
المائدة 1
يتبين من قوله تعالى (يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَآءِ) أن الحواريين لم يسألوا عيسى وجبة من الطعام، وإنما طلبوا مددا دائما من المؤونة يأتيهم من دون مشقة أو مصاعب. وكلمة (من السماء) تنطوي على اتصاف الشيء المنَزّل باليسر والدوام والضمان. {قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} ذكر تلاميذ عيسى في الآية أربعة أمور تتحقق عند استجاية مطلبهم. (1) أن يأكلوا من المائدة ويُشبعوا جوعهم. (2) أن تطمئن قلوبهم، وهذا أيضا يبين أنهم رغبوا في مدد دائم من المؤونة، لأن الوجبة الواحدة لا يمكن أن تطمئن قلوبهم، وتزيل قلقهم بشأن حياتهم المستقبلة حتى يتمكنوا من تبليغ رسالة الله تعالى وقد تخفّفوا من كل همّ، ويكرّسوا كل جهدهم في خدمة دينهم. (3) أن تتحقق نبوءة المسيح عليه السلام الواردة في الآية 50 من سورة آل عمران. (4) أن يكونوا شهداء على استجابة دعائه وصدق دينهم، وليعلم الناس أن الله تعالى يؤازر ويفضل الذين أخلصوا في خدمة دينه. ويكشف تاريخ الكنيسة المسيحية في فجر نشأتها أن الله تعالى قد كفل لهم بالفعل زادا غير عادي لإعالة الذين تفرّغوا مخلصين لنشر رسالة المسيح عليه السلام. بل اليوم، وقد انحرف المسيحيون بعيدا عن الحق، لا يزالون يستمتعون بمائدة حافلة بطعام شهي.