من روائع البيان في القرآن الكريم (4)
أخبارنا المغربية
إعداد : ذ. أحمد الحجاجي
قالتعالى: ﴿إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ◌ وَإنَّكَ لاَ تَظمَؤﹸا فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ﴾[ طه: 118 ـ 119] .
ӿ ـــ« وأنت تقرأ القرآن بتدبر وإمعان، وكنت ممن أوتوا حظا من البلاغة والبيان، أدركت أن ألفاظه مؤتلفة مع معانيه، ائتلافا عجيبا، معجزا للإنس والجان، وأدركت أيضا أن هذا الائتلاف، يشمل على حكم وأسرار، تبهر العقول، وتأخذ بمجامع القلوب.
ومن هذا الائتلاف قوله تعالى: ﴿إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ ◌ وَإنَّكَ لاَ تَظمَؤﹸا فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ﴾.
فإن المناسب في الظاهر: أن يجتمع الجوع والظمأ، والعرى والضحو. ولكن في هذا النسق الإلهي أسرار دقيقة، نذكر منها:
ــ لم يراع ــ سبحانه ــ مناسبة الري مع الشبع، والاستظلال للبس في تحصيل المنفعة، بل راعى اللبس للشبع في حاجة الإنسان إليه وعدم استغنائه عنه، ومناسبة الاستظلال للري في كونهما تابعين للبس والشبع.
ــ أجرى الخطاب على مستعمل العادة، لأن العادة أن يقال: جائع عريان، ولم يستعمل في هذا الموضع، عطشان، ولا ظمآن. وقوله تعالى: ــ تظمأ وتضحى ــ مناسب. لأن الضاحي هو الذي لا يستره شيء عن الشمس، والظمأ من شأن من كانت هذه حاله.
ــ إن الشبع والري، والكسوة والسكن، هي الأقطاب التي يدور عليها كفاف الإنسان، فذكر آدم باستجماعها له في الجنة، وأنه مكفى لا يحتاج إلى كفاية كاف، ولا إلى كسب كاسب، كما يحتاج إلى ذلك أهل الدنيا.».[ من أسرار البلاغة في القرآن/ محمود السيد شيخون/ص 102ــ 103/ بتصرف]
۞۞۞۞
ӿ ـــ «قُرن بين انتفاء الجوع واللباس في قوله تعالى:﴿ ألا تجوع فيها ولا تعرى ﴾ ، وقرن بين انتفاء الظمأ وألم الجسم في قوله تعالى:﴿ لا تظمؤا فيها ولا تضحى﴾ لمناسبة بين الجوع والعَرى، في أن الجوع خلوّ باطن الجسم عما يقيه تألمه وذلك هو الطعام، وأن العري خلوّ ظاهر الجسم عما يقيه تألمه وهو لفح الحر وقرص البرد؛ ولمناسبة بين الظمأ وبين حرارة الشمس في أن الأول ألم حرارة الباطن والثاني ألم حرارة الظاهر. فهذا اقتضى عدم اقتران ذكر الظمأ والجوع، وعدم اقتران ذكر العرى بألم الحر وإن كان مقتضى الظاهر جمع النظيرين في كليهما، إذ جَمْعُ النظائر من أساليب البديع في نظم الكلام بحسب الظاهر لولا أن عرض هنا ما أوجب تفريق النظائر» [التحرير والتنوير/ابن عاشور/موقع التفاسير]
۞۞۞۞
ӿ ـ«قال الناصر:
ــــــــ في الآية سر بديع من البلاغة، يسمى قطع النظيرعن النظير. وذلك أنه قطع الظمأ عن الجوع، والضحو عن الكسوة، مع ما بينهما من التناسب، والغرض من ذلك تحقيق تعداد هذه النعم وتصنيفه ، ولو قرن كلَّاً بشكله لتوهم المعدودات نعمة واحدة.
ــــــــ على أن في هذه الآية سرّاً زائداً على ما ذكر، وهو قصد تناسب الفواصل. ولو قرن الظمأ بالجوع فقيل إن لك ألا تجوع فيها ولا تظمأ, لانتثر سلك رؤوس الآي . وأحسنْ به منتظما.»[ محاسن التأويل/جمال الدين القاسمي]
والله أعلم.