الهجرة الجماعية من الاتجار بالبشر سرا إلى البحث عن الشرعية العلنية

قضايا المجتمع

6 ساعات 57 دقيقة مضت

أخبارنا المغربية

الهجرة الجماعية من الاتجار بالبشر سرا إلى البحث عن الشرعية العلنية

بقلم الدكتور: أحمد درداري  

تطور شكل الهجرة غير الشرعية من هجرة سرية وبعدد محدود إلى هجرة جماعية وعلنية ومؤطرة عبر فيسبوك، مما يثبت وجود جريمة التحريض على القيام بأفعال يعاقب عليها القانون مثل التجمعات غير المرخصة والدعوة لمغادرة التراب الوطني بشكل غير قانوني، ونشر أفكار عدائية تجاه الوطن، وتيئيس البقاء، وتشجيع المغادرة. بناء مشروع الهجرة الجماعية والوصول إلى الضفة الأوروبية المؤطر بفكرة سياسية أصبح موضة جديدة للتعبير عن السخط العام، وله أوجه مختلفة قد تظهر في المستقبل تحت مسميات وشعارات قد تكون محرجة للدول الأوروبية ولدول الانطلاق معًا. هناك من يرى أنها غير ذات تأثير على الدولة، لكن شكلها الجديد لا يمكن نكران وجود خطر محتمل. التعامل معها لا يقبل المنهجية الكلاسيكية، فقد تتطور الظاهرة لتتحول إلى كارثة، خصوصًا مع تنامي العزم على الهجرة الجماعية نتيجة الإحباط الناتج عن توالي الأزمات الاجتماعية ومظاهر الظلم المختلفة، إضافة إلى غياب دور الحكومة وبعدها عن هموم الشعب، ناهيك عن تغذية الأزمة على الصعيدين الوطني والدولي.
 
فقد استخدم الفضاء الأزرق للتخطيط والتواصل عبر المواقع ووسائط التواصل الاجتماعي لحشد التأييد وتحديد موعد الهجرة الجماعية وجعلها كبيرة العدد. جعلها علنية يدل على نهاية الخوف والإقبال على المغامرة والانتحار الجماعي. وقد يتطلب الأمر قراءة وتعميق البحث ومساءلة عقل الدولة الاستخباراتي والتنموي حول كيفية السماح لمواقع التواصل الاجتماعي بتأطير الراغبين في الهجرة بشكل جماعي، وتأثير ذلك على قدرتها في مواجهة التحديات الأمنية الداخلية. فلا ينفع الاكتفاء بتتبع ومحاكاة الوضع الدولي دون الاهتمام بما يقع على المستوى الداخلي والإقليمي. الشأن الداخلي والصمت عن بعض القضايا يمكن أن يخلق متاعب اجتماعية وأمنية. وقد يحتاج المغرب إلى إحداث مؤسسة أمنية متخصصة في الهجرة واللاجئين بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، بما أن عددًا مهمًا من المهاجرين هم من الأجانب، إضافة إلى أن أوروبا هي هدف المهاجرين، مما يضفي على الهجرة الجماعية طابعًا دوليًا، والدول التي يضبط مواطنوها ضمن المشاركين في مسيرة الهجرة الجماعية تتحمل المسؤولية أيضًا.
 
مسؤولية الإعلام الرسمي
 
على المستوى الوطني، يلاحظ غياب التسويق الإعلامي للعدد الكبير وحجم المشاريع التي شهدتها البلاد، وعدم ربط المنجزات التنموية بالطموحات الشعبية والتثقيف التنموي. فقد ظل التواصل الإعلامي العمومي الرسمي محدودًا إن لم نقل غائبًا عن إيصال أنشطة الحكومة إلى عقول المواطنين. والسؤال هو: لماذا لم يتحقق الاعتراف بالإجماع حول منجزات الدولة والحكومات منذ الاستقلال؟ ولماذا يُبقى هذا التباعد بين الحاكمين والمحكومين؟ صحيح أن الوضع المأزوم يضمن بطاقة العودة للحكم بالنسبة للمعارضة السياسية، حيث يرى البعض أن إضعاف وعي المواطنين يجب أن يبقى كرصيد لنجاح العملية الانتخابية بين الأغلبية والمعارضة، وأنه كلما بقيت الأزمة متفاقمة، بقيت مبررات إجراء الانتخابات والتناوب على السلطة. فإلى متى ستبقى الأزمة الاجتماعية موضوع صراع بين السياسيين وسيلة ضغط دون وجود مخاطب رسمي في الدولة مستقل يجيب عن تساؤلات المواطن ويتلقى شكاياته وطلباته ولو في أبسط شروط الحياة، ويقدم حلولًا لمشاكله للتقليل من أسباب الإحباط واليأس والتدمير والسخط، والحد من التمرد على الانتماء للوطن؟ فقد دفع غياب التواصل مع المواطنين بعضهم إلى التواصل مع أعداء الوطن الذين ظهرت بصماتهم في منهجية التعاطي والتحامل على المغرب ورموزه ومكتسباته وكرامة المغاربة من خلال تقبيح الانتماء الهوياتي، وإهانة ما تحقق من إصلاحات، والضغط على زر الأزمة لضرب السلم الاجتماعي والاستقرار وتعطيل الأوراش التنموية التي هي قيد الإنجاز.
 
وعليه، لا يمكن للسياسة أن تمارس بعيدًا عن حياة المواطنين اليومية والاحتكاك المباشر معهم، لأن ذلك يزيد من ارتباك النسق السياسي واستنزاف القدرات الأمنية للدولة على حساب عبث المسؤولين والسياسيين، مما يؤدي إلى تدهور الحياة السياسية والاجتماعية. ويبدو خطاب 9 مارس 2011 كأنه المرجع الحقيقي للتنمية ودفتر التحملات السياسية للدولة، لكن جله تم إجهاضه بسبب تعنت النخبة السياسية وانتقاصها من قيمة مضامين هذا الخطاب الملكي. يجب العودة إليه لإعادة ترقيم الالتزامات وترتيب الأولويات ومساءلة كل فاسد يحاول أن يثقل الوضع بالمزيد من المشاكل لكي تطوى صفحة المحاسبة. بل وحتى الدستور لم يمنح المواطنين الحق الكامل في التنمية، حيث خصص السياسات العمومية التي تعنى بحياة المواطنين بجلسة برلمانية واحدة في السنة فقط، إضافة إلى اقتسامها بين القطاع العام والخاص كالتعليم والصحة والتشغيل، وضعف الجزء العمومي لصالح الخواص، مما يدل على تنصل الدولة من واجباتها وابتعادها عن الدول التي تفتح شهية الهجرة إليها أمام المواطنين الذين لا يهتم بهم القطاع العام ولم تتوفر لهم إمكانيات القطاع الخاص. بينما السياسات العامة، منحها الدستور جلسة برلمانية كل شهر، وهي الموضوع الحقيقي لمساءلة الحكومة.
 
مسؤولية الحكومة
 
طبعًا، لم تعد الحكومة موضوع ثقة الشباب في ظل تفشي البطالة وغلاء الأسعار، مقابل تدني الأجور التي لم تعد تواكب كلفة الحياة. لكنها ليست مسؤولة وحدها، بل جميع المغاربة يقتسمون المسؤولية من كل زاوية: وزير وموظف وأستاذ وطبيب ومحامي وقاضٍ وتاجر ومدير شركة، وكلهم يساهمون في سوء تدبير المسؤولية سواء تعلق الأمر بالقضايا الإدارية أو الاجتماعية أو المالية. إن ثقافة الغش متجذرة في ثقافتنا، مما جعل التنافس حول كلفة الحياة لا يعطي النتائج إلا بالغش أو بالفوضى، والطموح في حياتنا محصور فيما هو مادي، والتطلع إلى حياة الرفاه دون القيام بأي جهد أو عمل متساوي مع المستحق. ولم تعد القناعة مبدأً يلف مستوى العيش ويقر بالنصيب والقسمة من الأرزاق.
 
مسؤولية الطبقة المتوسطة
 
بالنظر إلى الطبقة المتوسطة، نجدها إما أنها رافضة للقيام بأدوارها أو تم دفعها نحو ذلك. الأمر أصبح مختلفًا، بحيث إنه بسبب تقابل وصراع الفقر والغنى دون فصل الطبقة المتوسطة بينهما، شاعت فكرة عدم جدوى التمسك بقيم القناعة والأخلاق الاجتماعية والتدرج في البحث عن المال وتطوير الحياة وتوزيع الأدوار بشكل تكاملي وغير مباشر لتصحيح الفارق بين الطبقات الاجتماعية وتقريب مستويات العيش. لا يمكن القول بالاعتراض أو حجب إمكانية المملكة المغربية احتضان كل أبناء الوطن، بل ذلك أمر مرفوض، لأن جميع المغاربة بقوة القانون متساوون في الكرامة، وإن كانوا غير متساوين في مستوى العيش. ولا يمكن إسقاط الفيلم الهندي "حياة الماعز" على الشعوب العربية لمجرد أن هذه الدول لم تستطع القضاء على الفقر وتنميط القوانين ومحاصرة البؤس بنفس الأساليب والمقاربات التي تُعتمد في دول الضفة الشمالية.
 
مسؤولية الأسر عن نفسها وأبنائها
 
معلوم أن الأسرة تعلم جيدًا أن مغادرة التراب الوطني بدون قانون مخالف للقانون، ومعلوم أن القاصرين مكانهم الحقيقي في المؤسسات التعليمية والتكوين، وأن الأسر مسؤولة عن الأبناء القاصرين، والتحريض والتشجيع على الهجرة مخالف للقانون.
 
فإذا كانت جودة القوانين هي الفرق بين الدول، وأن الحقوق والواجبات مسطرة بشكل جيد في الدول المتقدمة، فإن النظر إلى الدول الأقل من المغرب أمر مرفوض. يجب على الدولة أن تعمل على تقريب جودة القوانين ومستوى عيش المواطنين من مستوى باقي المواطنين في الدول الأوروبية، وإن التغني بالتنمية في ظل وجود فوارق اجتماعية شاسعة لا يقبله العقل، وستزيد من حدة الفقر والبطالة. الحل يكمن في توفير العمل للجميع مقابل أجور معقولة، وإلزام القطاع الخاص باحترام ذلك، ويظل التحدي الحقيقي أمام الدولة. خضوع الجميع للقانون هو غاية الغايات، كما أن تأطير المواطنين من خلال الخدمة العسكرية والعمل التطوعي والتركيز على تعليم جيد وتكوين لكل أبناء الوطن هو سبيل النجاح والازدهار وصون الهوية. كما أن المراقبة لمواقع التواصل الاجتماعي، ومحاصرة الأفكار السلبية والسالبة للهوية الوطنية لابد منها، خصوصًا أننا أمام الزحف الهيستيري لمشروع العولمة الثقافية المميتة للخصوصية.
 
مسؤولية المتربصين
 
التاريخ يدون كل الأفعال والأقوال، ولا يمسح أثر الأحداث مهما كانت الظروف والتقلبات. قضية الأعداء سواء داخل المغرب أو خارجه ليست بغريبة، لكن مهما كان التآمر، فإن السيادة ثابتة ولا يمكن التذرع بوجود أعداء لتضليل الطريق الصحيح الذي رسمه وطننا، أو الانتقاص من السيادة. المغرب دائمًا يتعرض للتآمر ويستغل الأزمات، ويضحد الباطل بالحق، والمزاعم بالوقائع، والكذب بالدليل. فالثابت أن العداء دليل قاطع على النجاح.
 
الدكتور أحمد درداري: رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات
 

مجموع المشاهدات: 2061 |  مشاركة في:
        

عدد التعليقات (2 تعليق)

1 - مواطن
وطنية
الكل يتحمل المسؤولية الدولة الاسر الاحزاب الجمعيات.....ولا يجب اتهام جهة دون اخرى
مقبول مرفوض
0
2024/09/19 - 04:46
2 - متتبع
الحقيقة
الكل يعلم ان الامور واضحة الكبرانات هم من وراء هذه الحملة فهم من يجندون ذبابهم لينشر الاخبار ويحدد الوقت والمكان يجب عرض كل جزائري تم القبض عليه اما انظار العالم ليتاكد الجميع ان فشل جيران السوء في ملف الصحراء المغربية اصابهم بالسعار ويحاولون خلق المشاكل للمغرب مع اسبانيا
مقبول مرفوض
0
2024/09/19 - 05:46
المجموع: 2 | عرض: 1 - 2

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟