يد غادرة تقتل نادلا بالمدينة القديمة بالبيضاء
غادر محل عمله بعد يوم عمل شاق. كان جسده يتوق لمعانقة الفراش، ليرتخي جسمه المهدود على فراش النوم، ويستسلم للحلم بغد كان يأمل أن يصير أفضل من يومه الذي انقضى. لكنه لم يبلغ الفراش، ولم ينعم بلحظات الاستراخاء المأمولة. لأن نومة أبدية اختطفته من دنيا الأحياء… والتوقيع عليها كان من يد آثمة، لازالت حرة طليقة، وضعت حدا لحياة شيخ فاق الستين من العمر، لكنه احتفظ بهمة الشباب، التي جعلته يداوم على كسبه الحلال في عمل بسيط، كان يكتفي بمدخوله لعيش حياة كريمة متعففة. في ليلة اشتد قرها، يحكي أحد أقرباء «بامحمد»، غادر المسمى قيد حياته «شعيبة امحمد»، البالغ من العمر حوالي 67 سنة، مقر عمله بالمقهى الكائنة بساحة «فردان» وسط مدينة الدرالبيضاء. لكنه لم يكن يعلم، أن سيره باتجاه بيت أسرته، كان يشيعه إلى مثواه الأخير. غادر هذا الشيخ الذي تجاوز الستين المقهى التي يشتغل بها «نادلا» بعد منتصف الليل، مسرعا الخطو لبلوغ بيته بحي «باب مراكش» قرب مقر ما كان يسمى سينما «مدينا»، قبل أن تدكها معاول الهدم. لكن عند بلوغه زنقة بوطويل، وجد يد الغدر التي امتدت إليه، لسرقة ما كان يحمله معه من متاع هزيل، ولكنها سرقت ـ في الآن نفسه ـ حياته، التي أزهقتها طعنة تلقاها الضحية في العنق، كانت كافية لتزهق روح عامل ظل إلى آخر رمق من حياته يكد من أجل كسب قوت يومه الحلال.
بزنقة «بوطويل» اعترض شاب، ذكر الضحية لشرطي قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، أنه كان يرتدي سترة «جاكيط» صفراء اللون، وسروال جينز وحذاء رياضيا. سلبه بالقوة والتعنيف مبلغ 500 درهم، كان كل ما ادخره منذ أيام، ولم يرحم شيبته، ليصر على تجريده من سترة كان يرتديها في عز البارد القارس الذي اعترى ليلة الاعتداء، في الساعات الأولى من يوم الخميس الماضي.
وإمعانا في إتمام السرقة وسلب الضحية كل ما كان يتحوزه امتدت يد الجاني إلى بطاقة تعريف الضحية لينزعها منه، إضافة إلى بطاقة بنكية. تلقى «بامحمد» الطعنة بزنقة «بوطويل»، وسار متحملا ألمه، مجففا دمه إلى غاية مركز الشرطة بـ «باب مراكش». هناك وجد «محمد شعيبة»، رجل أمن حكى له، ما وقع له، ساردا على أسماع الشرطي كابوسه المرعب الذي صادفه في ليلة لم تخطر أطوارها له على بال.
وبعد حوالي ست دقائق ـ كما روى للجريدة قريب الضحية ـ خَرَّ «بامحمد» صريعا، ليلفظ أنفاسه متأثرا بطعنة تلقاها من «قاطع طريق»، سلبه ما كان يحمله، وسلب مع ما غنمه حياة شيخ، لم تمنعه سنوات العمر المتقدمة، من الاستمرار والإصرار على تحصيل كسب حلال.
مات «امحمد شعيبة» النادل بمركز الشرطة، ونقل جثمانه إلى مستودع الأموات في الساعات الأولى من صباح الخميس الماضي. وعندما تأخر في العودة إلى منزله خرج أفراد من أسرته للبحث عنه. فكانت الفاجعة التي تلقوها بوقع الصدمة والذهول، عندما وجدوه ممدا في ثلاجة لحفظ الأموات بمصلحة الطب الشرعي.
وبعد عصر يوم السبت الماضي، ووري جثمان الضحية الثرى بمقبرة الرحمة. لكن الجاني الذي لم يتم التوصل إلى هويته مازال حرا طليقا، رغم التحريات الأمنية التي انطلقت بعد الاعتداء. ليظل يتربص بأرواح أخرى قد يزهقها إجرامه، أو أجساد بريئة تطولها سكينه التي يستلها من غمد ليصفي به حسابه مع من تقودهم الأقدار إلى طريقه.
الأحداث المغربية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
المقالات الأكثر مشاهدة
2956 مشاهدة
8
2225 مشاهدة
9