الملك يلقي الكرة في ملعب مُقبّلي يديه
الملك يلقي الكرة في ملعب مُقبّلي يديه
أخبارنا المغربية
حمل حفل الإفطار في القصر الملكي في الرباط ضمن احتفالية عيد العرش، الذي يصادف 31 تموز/ يوليو 2012، ردًا غير مباشر من الملك محمد السادس على منتقدي تقبيل يده.
وتمثل هذا الرد في امتناع الملك عن مد يده لتقبيلها من طرف المدنيين، واكتفى بجعل الراغبين في تحيته بالتقبيل، يلثمون كتفه أو ذراعه، مستثنيًا في الوقت ذاته مسؤولي المؤسسة العسكرية الذين حافظوا على هذا الطقس.
طقوس عتيقة
منذ تولي الملك محمد السادس الحكم قبل 13 سنة، برزت دعوات إلى إلغاء بعض الطقوس المخزنية العتيقة، وفي مقدمتها تقبيل اليد، لكونها لا تتناسب مع الدولة الحديثة.
يرى المنتقدون أن هذه "الطقوس مهينة"، ومتجاوزة حتى عند بعض الدول التي لا توجد فيها ديمقراطية، مطالبين في الوقت نفسه بإلغائها.
في هذا الإطار، يقول الناشط الحقوقي عبد الحميد أمين: "شخصيًا، أعتقد أن الطقوس المخزنية كلها تهين كرامة الشعب المغربي"، مشيرًا إلى أن "تقبيل اليد أو الانحناء أو تقبيل الكتف، طقوس مهينة، وبالتالي أرى أنه يجب إلغاء كافة هذه الطقوس، سواء تعلق الأمر بالانحناء لشخص الملك، أو أمام مظلته أو حصانه، أو تقبيل يده أو كتفه".
وأكد عبد الحميد أمين، أن "المسألة ليست درجة الانحناء وتقبيل يد الكتف، بقدر ما يتعلق الأمر بحذف كل هذه الطقوس".
من جهته، قال محمد مجاهد، وهو قيادي في حزب الاشتراكي الموحد: "رأينا معروف، وسبق أن عبرنا عنه للرأي العام، ومطالبنا تتلخص في أمرين، الأول يتمثل في اعتماد الإصلاحات الديمقراطية العميقة، التي نقصد بها أن الملك يجب أن تكون لديه أدوار رمزية وتحكيمية، والثاني يتجلى في كون أن من يحكم يأتي من صناديق الاقتراع".
أما بالنسبة للبروتوكول، يشرح محمد مجاهد، "فيجب أن يتماشى فيه الشكل مع المضمون الديمقراطي. فكل أشكال التقبيل والركوع في تقديرنا متجاوزة، وهي غير موجودة حتى عند بعض الدول التقليدية التي لا توجد فيها ديمقراطية".
وأضاف القيادي السياسي:"يجب أن يكون هناك بروتوكول عادي يتضمن الاحترام الواجب للملك، الذي لا يصل إلى التقبيل والركوع".
تقبيل اليد بات أكثر ليونة
رغم النقاش الذي يثار حول مسألة "الطقوس المخزنية"، إلا أن مسألة تقبيل اليد أصبحت أكثر ليونة منذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم، إذ أن هذه المسألة أضحت موكولة للمعني بتقبيل أو عدم تقبيل يد الملك.
وفي هذا الصدد، قال محمد الناجي وهو باحث في الأنتروبولوجيا إن "الملك محمد السادس يميل نحو احتمال إلغاء تقبيل يده، وأنا لا أعتقد أن هذا سينقص من سلطته"، وزاد موضحًا: "الملك لا يملك الخيار عندما يقوم أحد بتقبيل يده ببهجة، علمًا أنه لا يتم أبدًا توبيخ الأشخاص الذين لا يقبلون يده، والذين تزايد عددهم في الوقت الراهن".
وأوضح محمد الناجي، أن "تقبيل اليد لم يعد عاملاً أساسيًا تستحيل من دونه قراءة طبيعة السلطة في المغرب"، مبرزًا أن "الملك محمد السادس أفرغ القصر من الحريم (الجواري)، ولديه زوجة تقوم بمجموعة من الأنشطة العمومية، كما أنه يتجول بحرية في المدن".
وأكد الأنتروبولوجي المغربي أن "تقبيل اليد لم يعد ذا أهمية تذكر، ماعدا بالنسبة لدائرة المسؤولين السامين في الإدارة مثل ضباط الجيش"، مشيرًا إلى أن الملك بإمكانه رسميًا إصدار ظهير لإلغاء تقبيل اليد، وهو ما سيتلاءم بشكل أفضل مع الواقع الحالي من زاوية علاقته بالمواطنين، والطبقة السياسية، وميولاته الشخصية. وهذا القرار لن ينقص شيئًا من هيبته".
والأمر ليس مقتصرًا على المغرب فقط، فمحمد الناجي يوضح أن طقوس "الاحترام" الواجبة لزعيم، نجدها حاضرة في كل البلاطات الملكية، سواء كانت في الصين أو بريطانيا أو أي مكان آخر، بما في ذلك الخضوع بكل تجلياته وتقبيل اليد، مبرزًا أن تلك الطقوس توصف بالطاعة والاحترام، وبالولاء عندما يتعلق الأمر بملكية تسود ولا تحكم.
طقوس "غير مكتوبة"
من جانبه، قال منار السليمي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس في الرباط، إن "النظام السياسي المغربي ينبني على ثلاث مرجعيات، ويتعلق الأمر بالمرجعية الإسلامية التي تمنحنا القانون الخلافي الذي توجد فيه إمارة المؤمنين، والوضعية التي أخذ فيها بمجموعة من المراجع الغربية التي نسميها عصرية، والمرجعية التقليدانية، التي تبرز منها مسألة الطقوس المخزنية، وهي غير مكتوبة".
وأوضح منار السليمي، أن التقليدانية هي عبارة عن طقوس جرى توارثها وأصبحت لها دلالة سياسية مرتبطة بشكل الحكم، ومنها مسألة حفل الولاء وتقبيل اليد، والطقوس التي تكون على الفرس وبالمظلة".
وأكد المحلل السياسي أن "هذه الطقوس كانت حاضرة بقوة إلى درجة تثير الانتباه في عهد الملك الراحل الحسن الثاني"، مبرزًا أنها "خفت في عهد الملك محمد السادس، الذي منذ بداية حكمه، كانت هذه الطقوس موضوع نقاش".
ولكن السؤال الذي يطرح، حسب منار السليمي، هل هذه الطقوس مرتبطة بمنظومة الحكم؟ ويستطرد قائلا: "هناك أطراف في مواقع الدولة تدفع في اتجاه تحديث مجموعة من أنماط ممارسة الحكم، ولكن هناك مجموعة تصر على المحافظة على هذه الطقوس، وترى أنها جوهرية في الحكم". وأضاف "لاحظنا منذ سنوات أنه في مجموعة من استقبالات الملك للمثقفين يجري السلام عليه باليد، بينما السياسيون كانوا يسلمون عليه في الكتف".
نقاش بأبعاد دينية
لم يقتصر الجدل حول "الطقوس المخزنية" على هذه الجوانب، بل أخذ أيضًا أبعادًا دينية. فبعد أن شبه أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، طقوس تنظيم حفل الولاء كل سنة بمناسبة عيد الجلوس، ببيعة "الرضوان"، التي أداها الصحابة للرسول (ص) تحت الشجرة في السنة السادسة للهجرة، وعاهدوه فيها على عدم الفرار من المواجهة المسلحة مع كفار قريش، توالت المواقف المنتقدة لهذا التشبيه.
وجاء آخر هذه المواقف من طرف جماعة العدل والإحسان، التي أكدت، في افتتاحية على موقعها الإلكتروني، أن ما قاله الوزير عن البيعة "افتراء واضح على شرع الله وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتوظيف لنصوص الشرع والسنة الشريفة من أجل تبرير طقوس مخزنية مغرقة في التخلف والإهانة للكرامة الآدمية".
وفي هذا السياق، قال محمد حمداوي، عضو مجلس إرشاد جماعة، إن "الركوع لا يكون إلا لله عز وجل وليس للشخص. وسبق أن قلنا إن هذه الطقوس التي تجري مهينة للناس".
وأضاف محمد حمداوي في تصريح، "استنكرنا هذا الأمر، واعتبرناه افتراء على الدين، ولا يمكن أن يقارن شكل من الطقوس الموجودة حالياً، والتي قلنا بأنها مخزنية ومهينة للكرامة الآدمية، بما وقع في عهد الرسول (ص)، الذي لم يكن يركع أو يسجد له أحد أو حتى يقبل يده"، مشيرًا إلى أنه "حتى البيعة مع الرسول (ص) كانت بالمصافحة".
المصدر: موقع ايلاف