عندما تتحول الكاميرات إلى سلاح لاقتناص فساد المسؤولين

الأحداث المغربية

أعياهم الصمت. تخوفوا من طرق الباب الخطأ. كفروا بمنطق بقاء الحال على ماهو عليه، ليختاروا اقتناص وقائع الفساد الواحدة تلو الأخرى عبر عدسات هواتفهم النقالة. تراكمت التجربة. أصبح الترصد أكثر احترافية ليستعين بعضهم بكاميرات دقيقة. تخلق أشرطتهم النقاش، وفي أحيان أخرى تدفع الغافلين للتساؤل، هل يقع هذا حقا في المغرب؟. تسجيلاتهم خطوات ارتجالية طمعا في التغيير. تعددت الإصدارات، ليطرح السؤال مرة أخرى من النقطة الصفر، ما الجدوى من الفعل، وما الضمانة التي تجعل منه حجة دامغة لفتح تحقيقات موضوعية في العديد من مظاهر الفساد التي ترمي بتبعاتها على يوميات مواطن بسيط يطمع أن ترجح كفة العدالة لصالحه، لا لصالح جلاده وفقا لمنطق العفو عما سلف.

«ميمكنش، شكون اللي قال ليكم أصلا أنها مخدرات.. مال الدولة مكيناش؟» عبارة انصهرت فيها نبرات التساؤل والحيرة والإستنكار، خطها أحد المعلقين على مقطع فيديو يوثق لتجارة المخدرات داخل كريان الرحامنة بمنطقة سيدي مومن حين تجمهر العديد من الوافدين أمام إحدى البراريك المتناثرة فوق إحدى المساحات العشوائية التي تأبى الرحيل عن مدينة الدار البيضاء.
قد تقفز لدهن المتتبع من بعيد، العديد من الفرضيات المنطقية التي تتماشى والجو الرمضاني الذي يفرض على المغاربة التجمهر أمام كل ما له صلة بالأكل والشرب. لكن المدقق في تفاصيل الفيديو لا يلاحظ وجود أي بضاعة رمضانية قابلة للأكل، ليفسح المجال لبضاعة أخرى ينتظرها صائمون من طينة خاصة على أحر من الجمر.

السلطة آخر من يعلم!

كانت البضاعة تمرر بخفة من كف البائع إلى كف المشتري في جو “عادي” وفقا لما نقلته عدسة بعض ممن ضاق درعا بهذه التجاوزات، ليعمل على توثيقها من بعيد ومن مكان عال يحيل على كون الفيديو التقط من أحد الإقامات المجاورة للكاريان. كانت تفاصيل الفيديو تستفز في مشاهده نفس السؤال، أين السلطة؟
غياب الأمن عن المنطقة كان واضحا من خلال الأريحية التي يتعامل بها التاجر مع زبنائه الذين تجمهروا حوله، وكأنما للأمر علاقة ب “تجارة مرخصة” موجهة للجنسين، حيث ظهرت في الشريط شابة متلئة ترتدي جلبابا أزرق، لم تخلف بدورها الموعد للحصول على حصتها من المخدرات، وهي تدس نفسها ضمن تفاصيل المشهد “النشاز” وفقا لمنطق المتتبع من بعيد، لكنه في عرف المتواجدين في هذه النقطة السوداء ومثيلاتها مثال عن نوع من التطبيع مع بعض مظاهر الفساد والفوضى التي تزحف بشدة لتصبح أمرا واقعا داخل بعض الأحياء.


«شيء غير معقول، كل هذا الزحام لم يثر انتباه السلطات التي تدس مخبريها في كل مكان». «أكيد أن في الأمر تواطؤ» يستفسر أصحاب التعليقات التي ذيلت مقطع الفيديو، والتي تصب في خانة توجيه اللوم للسلطات. بعيدا عن ما كتب، لكن قريبا جدا من فحواه، ترى سمية القاطنة بحي النسيم، والتي تتردد كثيرا على بيت شقيقها بمنطقة حي مولاي رشيد، أن بعض مظاهر الفساد داخل المنطقة أصبحت من المسلمات، «لقد سبق للعديد من جيران أخي التقدم بشكايات حول بائع خمر، لكنه كان يتوعد الجميع بالإنتقام.. كان كيقول ليهم البوليس كلو في جيبي. كما أن العديد من مروجي المخدرات يلقى عليهم القبض، ليعودوا إلى الحي بعد ساعات بسبب تعاملهم مع رجال أمن مرتشين» تقول سمية التي لا يمكن التثبت أو التملص من روايتها التي تفتقر للأدلة، على عكس من وثقوا لمشاهد الفساد عبر عدسات هواتفهم النقالة كنوع من الشهادات الحية التي تغنيهم عن شهادات مباشرة تناشد السلطات القضاء على مظاهر الفساد التي تقض مضاجعهم.


ويرى علي الشعباني أستاذ علم الاجتماع أن هذه الخطوة وليدة التكنولوجيا الحديثة، «التي أظهرت هذه الإمكانية منذ تداول الهاتف النقال، والأنترنيت، ومجموعة من وسائل االتواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك والتويتر، مما سهل عملية تصوير بعض الظواهر السلبية في المجتمع المرتبطة بالرشوة، والفساد، وإستغلال النفوذ، وبعض التجاوزات من طرف مسؤولين أو نافذين، أو بعض السلوكات في الشارع…، ثم بثها على الشبكات الاجتماعية كوسيلة لفضح بعض الأمور التي كان المواطن المغربي عاجزا عن كشفها، لأنه كان يعتبر نفسه إنسانا مقهورا عاجزا عن الوصول للجهات المعنية، أو عاجز عن المجاهرة ببعض التجاوزات بسبب غياب تنظيمات معينة قادرة على إبلاغ صوته واحتجاجه وانتقاده، لذا كان البديل المطروح هو الإعتماد على التكنولوجيا الحديثة من أجل إيصال صوته».

* العدالة المرجوة

وصول الصوت والصورة، ليسا الهدفين المجردين لهذه التسجيلات، بل هما وسيلة لوضع الرسالة بين يدي من يمتلك القدرة على التغيير، بعد أن سكن التخوف العديد من المتأففين الذين اكتشفوا بعد كل شكاية أنهم يطرقون الباب الخطأ، الذي يتحول والجه بقدرة قادر من مظلوم إلى ظالم، أو ليبقى الحال على ما هو عليه في أقل النهايات قتامة. لكن اعتماد الأشرطة المصورة يوسع من دائرة المتلقين من أصحاب القرار، لتنقل الكرة نحو ملعب السلطة التي يتكفل رجالها “الصالحون”، بإصلاح ما أفسده تهاون، أو تواطؤ رجالها “الطالحون”. وهذا ما تترجمه الإجراءات التي تعقب ظهور كل شريط، حيث سجل تدخل أمني داخل كريان الرحامنة استهدف محلا لترويج المخدرات، وقد انتهت العملية بتوقيف من قيل أنهم ظهروا في الشريط الذي تم تناقله على اليوتوب.


نتيجة أثلجت صدر بعض المواطنين، وإن كانت تتم في صورة رودود فعل محدودة، مما دفع بالكثيرين إلى المطالبة باعتماد الأشرطة المصورة كوسيلة تغيير فعالة تؤتي أكلها في مدة قياسية، غير أن أستاذ علم الاجتماع على الشعباني يرى أن «هذه المسألة لازالت في بدايتها، وبما أنها كذلك فمن الصعب جدا أن تقوم بالتغييرالواجب، خاصة أن الذين توجه ضدهم مثل هذه التسجيلات و الصور لهم من النفوذ والسلطة ما يمكن أن يحول دون التغيير المرجو، لأن لهم القدرة على تغيير بعض المعطيات، والاحتيال عليها حتى لا يكون هناك أي مفعول، ونحن نعلم ما الذي وقع لقناص تارجيست، فبدل أن تفتح الدولة التحقيقات في هذا الجانب، تم تركيز الجهد للبحث عن هوية من يقوم بتصوير الدركيين في الطرق. إذا بدل أن تتخذ الدولة إمكانيات البحث في ظاهرة التسجيلات ، تقوم بمحاصرة من يقوم بهذه الأمور، وتتابع من يقوم بهذه التسجيلات وهم للإشارة ممن يسهل البحث عنهم والوصول إليهم».

* “روبن هود” المغرب

على الرغم من محدودية التغيير الذي من الممكن أن تحدثه هذه الأشرطة خلال الفترة الراهنة، إلا أنها تبقى وفقا لرى الشعباني «وسيلة واسعة الانتشار، يطلع عليها الكثير من الناس داخل المغرب وخارجه، مما يخلف تأثيرا كبيرا ضد الجهة التي يوجه لها التسجيل، مما يخلق نوعا من التخوف لدى المسؤولين الذين يرون أن هذا الأسلوب من الممكن أن يفضحهم بسهولة، من خلال اعتماد كاميرات تلتقط بعض المشاهد، أو التسجيلات الصوتية، التي تتحول لوسيلة تتضمن مفعولا قويا جدا».


على الرغم من أن ملامح المغرب قبل ظهور التسجيلات، هي نفسها ملامح المغرب بعد التسجيلات لحد اليوم، إلا أن الإنطباعات التي يخلفها كل تسجيل يوحي بأن التغيير قد يأتي يوما ما. هذه “المتمنيات” لم تكن حكرا على المتتبع المغربي، حيث بلغت “حماسة” بعض القنوات الفرنسية الخاصة مداها، حين وصفت قناص تارجيست ب”روبن هود” المغربي بعد أن تحررت الأشرطة التي صورها من كل القيود، ليصل صداها نحو الخارج عبر اليوتوب.


تعددت إصدارات قناص تارجيست التي اختار تسميتها بأسماء توحي بالكثير من الغضب، حيث أطلق على شريطه الأول إسم “الوعد الصادق”، وعلى الثاني اسم”البرهان القاطع”، ثم “البركان الثائر”، بينما حمل الشريط الرابع اسم “الإنذار الصارخ”. وسط هذا الكم من الإصدارات، لعب رجال الدرك الملكي دور البطولة بامتياز، حين كان القناص يسقطهم تباعا بجرمهم المشهود أثناء تلقيهم للرشوة في مجموعة من الوقائع، التي تضمن بعضها حواجز غير قانونية تم نصبها لإبتزاز عشرات السائقين. خلف الأمر الكثير من ردود الفعل التي كشفت رضى المتتبعين، وسخطهم على الطريقة التي حاولت السلطة أن تعالج بها الأمر، حيث تم الترويج لرواية تشير أن عمل القناص جاء على خلفية عمل انتقامي لشقيقه المتهم في قضية مخدرات، وهو ما اعتبره البعض محاولة تشويه شخص استطاع فضح ما عجز الكثيرون عن فعله بسبب الخوف، أو بسبب تعايشهم مع الأمر الواقع.

* الرشوة ..لمرات أخرى

كانت البداية مع “روبن هود” المغرب، لتتوالى التسجيلات التي جعلت من ظاهرة تلقي الدركيين للرشوة موضوعها الأوحد. أصبح الأمر بديهيا، وكأن إنهاك جيوب السائقين البسطاء من المهام الجانبية لبعض رجال الدرك وفقا للتفاصيل التي حملها تسجيل من اختار أن يطلق على نفسه قناص مولاي يعقوب. بدأ الشريط بتاريخ تسجيل الواقعة التي تمت بتاريخ 23/04/2011. مع ذكر ترقيم السيارة الخاصة بالدركيين، وكأن القناص يحاول اختصار مسافة الوصول لثلاثة دركيين اتخدوا من شجرة موجودة على الطريق مكتبا لهم، لجني “الإتاوات” من السيارات والشاحنات التي قادها خط سيرها العاثر أمام مكان تواجدهم. كان إثنين من الدركيين يتكفلان بأخذ الرشوة وتسليمها لدركي ثالث، وفي بعض الحالات يتم إرسال السائق نحو الدركي الثالث الذي اقتصرت حركاته على أخذ المال ودسه في جيبه.
الرغبة في جني المال، لم تثني أحد الدركيين في الإنحناء لجمع بعض القطع النقدية المتساقطة على الأرض، ومدها لرفيقه الثالث الذي انزوى بجانب السيارة ليعد غنيمته الهزيلة. ولد التسجيل الكثير من التعليقات الساخرة التي اتخذت من التهكم وسيلة للإنتقاد، «هاد الجدارمي ولد الناس، وولد الأصل، كيسلم على جميع صحاب الحديد، ههههههه ومسكين يدو عيات بالتسلام، والدليل كل مرة كيسلم على شي واحد كيدير يدو في الجيب..أودي العفوووو» يكتب أحد المعلقين على الشريط بعد أن أبدى من سبقه يأسه من تغيير الواقع باعتماد هذه الأشرطة.


ربما لم تحدث الأشرطة الموثقة لوقائع الرشوة الكثير من التغيير، غير أن عبد الصمد صدوق الكاتب العام للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة يرى أن «الخطوة عموما تعد ظاهرة إيجابية باعتبارها تكشف عن وعي المواطن في مواجهة هذه الآفة، وثانيا تبين استعداده لتوظيف التقنيات الحديثة في مواجهة ظاهرة الرشوة. وقد سبق أن رأينا قضية تارجيست، والضجة التي أحدثها التسجيل وسط المجتمع والنقاشات التي دارت حوله».

**قناص سيدي إفني.. الأكثر جرأة

ومن أجل خلق حوار جديد، قد يبدو أكثر حدة، وأكثر جرأة من قبل مصوره الذي لم يعتمد أسلوب التلصص و التربص من بعيد من أجل إقتناص زلات الدركيين كما فعل سابقوه، بل عمد الرجل إلى تصوير المرتشين من خلال كاميرا مثبتة داخل شاحنته التي عبرت العديد من الحواجز داخل إقليم تيزنيت. كان الدركيون يهرعون باتجاه الشاحنة، يفتحون الباب. يمدون أيديهم ببساطة. ينالون حصتهم من الكعكة. ترتسم على ملامحهم ابتسامة الرضى مقابل 10دراهم.


8دركيين اقتسموا نفس رد الفعل، خلال الشريط الذي صوره قناص سيدي إفني سنة 2009، وقد سبق له أن قام بالترويج لشريط آخر سنة 2005 أطلق عليه اسم “عاصفة الصحراء”، الذي تضمن وقائع تلقي الرشوة من طرف دركيين تابعين لإقليم طانطان، وقد تم استدعاء بعضهم من أجل التحقيق في الواقعة. ولم تتوقف تسجيلات قناص سيدي إيفني على وقائع الرشوة، لتطول ما سماه “مافيا تهريب البنزين المدعم”، غير أن هذا الشريط لم يتم تداوله بنفس وتيرة شريط الرشوة.


وقد كشف القناص عن جرعة من التحدي، من خلال استعماله للعديد من العبارات الرنانة خلال الرسائل التي وجهها، من قبيل “لن أرحم أحد”، “سأقلب الطاولة على الجميع” موجها كلامه لكل المتورطين في قضايا فساد، كما كشف أن إقدامه على تسجيل الأشرطة كان بمثابة خطوة انتقامية اتجاه الانتهاكات التي يعيشها رفقة أبناء منطقته، «نحن نطالب المخزن بأن يحترمنا، لأن أجدادنا ضحوا بالغالي والنفيس من أجل كرامة المغرب واستقلاله.. فكان الجزاء من رفع الاحتلال المزيد من التهميش المنقطع النظير، والقمع والحكرة..إلخ» يقول القناص ضمن الرسالة المنسوبة إليه.
نبرة انتقام تطرح التساؤل حول القصد الحقيقي من هذه الأشرطة، «لأن وسائل التكنلوجيا سلاح ذو حدين، فمن الممكن جدا توظيفهافي مجال سلبي من أجل تصفية الحسابات، إذ يكفي تصيد بعض الأخطاء واستعمالها من أجل تصفية حسابات سياسية، واجتماعية، أو شخصية بسيطة جدا، أو من أجل الإبتزاز للوصول إلى غايات غير محددة» يقول أستاذ علم الاجتماع الشعباني.

*هيبة المخزن.. على المحك!

من الغايات المحددة التي يحاول المواطنون تحقيقها من خلال تصوير وقائع الفساد، الحصول على نوع من الإنصاف، والتحرر مما يعتبرونه حكرة، ويرى عبد الصمد صدوق الكاتب العام للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة أن لجوء المواطنين لهذه الخطوة، بدل طرق أبواب الجمعيات يعود ل «تخوف المواطنين الذين يعتبرون أنفسهم غير محميين.. وهم بالفعل غير محميين، لأن قانون حماية الشهود الذي سبق لنا إنتقاده، لا يشمل مجموعة من الحالات التي يكون فيها المواطن بحاجة إلى الحماية. إذا هناك تخوف من عدم الحماية. ثانيا، نجد أن بعض المواطنين يتساءلون عن جدوى طرق باب الجمعية لأنهم يعتبرون أن الأمر مجرد تبليغ. هذا ما يجعلنا نلاحظ بصفة عامة محدودية التبليغ عن أفعال الرشوة داخل المغرب، سواء لدى المواطنين العاديين، أو المقاولين والفاعلين الإقتصاديين»
ولأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تبليغ لا يغير من الأمر شيء، خاصة فيما يتعلق بوقائع الرشوة، وجد بعض المواطنين أن وسيلة التغيير الوحيدة قد تكون من خلال استعمال القوة بشكل فوضوي كما ظهر خلال شريط الإعتداء بالسب على دركيين، داخل أحد شواطئ منطقة تمسمان بإقليم الدريوش بشمال المغرب. أمام التفوق العددي لرواد الشاطئ الغاضبين من واقعة الابتزاز التي تعرض لها شخص ضبط متلبسا بتدخين لفافة حشيش من أجل إخلاء سبيله مقابل تلقي مبلغ 200درهم، لم يجد رجال الدرك من حل سوى التراجع للخلف، وأيديهم تمسك بسلاحهم الوظيفي أمام تلقي سيل من الشتائم، التي جعلت هيبة المخزن على المحك، في وقتت ترتفع فيه وتيرة الاعتداء على الأمنيين داخل مناطق مختلفة من المملكة.


أعقب الحادث فتح تحقيق من طرف الضابطة القضائية التابعة للدرك الملكي بالناظور، من أجل الوقوف على حقيقة الحدث، لتتم إحالتهم على المحكمة العسكرية بالرباط. من جهة أخرى تم تكثيف البحث عن مصور الشريط، وبعض الأشخاص الذين وجهوا السباب مباشرة إلى الدركيين، كما أشار بعض المواطنين أن الدرك قام بتوزيع أزيد من 50 استدعاء على أشخاص ينتمون إلى دوار اجطي بجماعة بودينار، مما خلف موجة من الفزع في صفوف المواطنين الذين يخشون أن تطالهم الاعتقالات حيث فر بعضهم خارج الجماعة.


ردود فعل تبدو مبالغا فيها، وتكشف عن حجم التخوف الذي يطال بعض المواطنين الراغبين في تغيير مظاهر الفساد المحيطة بهم، بسبب إنجرافهم خلف أسلوب تغيير فوضوي، جهلا بوجود البديل. حيث أشار الكاتب العام للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، عن وجود مركز للجمعية داخل الناظور، إضافة إلى مركزين داخل فاس والرباط، حيث تعمل الجمعية ضمن آليات محددة، «بالنسبة للناس الذي يودون التبليغ عن وقائع رشوة، أو فساد، أو يعتبرون أنفسهم ضحايا الرشوة يتقدمون لهذه المراكز، و بالمقابل نلتزم بعدم الكشف عن هويتهم في حال كانت تلك رغبتهم، كما نقدم لهم النصيحة ونقوم بالإتصالات اللازمة، ونرافقهم إذا كانت هناك إجراءات قانونية أو إدارية. أما الآلية الثانية فقد انطلقت منذ ما يقارب الخمسة أشهر، وهي موقع تابع للجمعية والذي أطلق عليه اسم مامضورينش، ويستقبل بدوره فيديوهات مماثلة»
غير أن استقبال تسجيلات على الموقع، لا يعني بالضرورة دخول الجميعة كطرف في القضية، « لأننا لا نتعامل مع الوثائق المنشورة عبر الأنترنيت، بل يجب أن يكون هناك طرف يتقدم بالتبليغ، وإذا كان هذا الشخص راغبا في عدم الكشف عن هويته نلتزم بعدم الكشف عنها، ونقوم باتباع الإجراءات اللازمة سواء كانت قانونية أو إدارية» يقول صدوق.



* الخوف من كشف الهوية

قد يمتلك القناصون الجرأة اللازمة للتلصص، وإختيار الزاوية المناسبة لإلتقاط مشاهد توثق “للجرم المشهود”، غير أن أهم تبعات عرض التسجيلات على الأنترنيت هي التجند من أجل كشف هوية المصور، الشيء الذي يخلق نوعا من الإستياء لدى المتتبعين الذين يرون أن الأولوية هي فتح التحقيق في وقائع الفساد والتجاوزات موضوع الأشرطة المصورة، كما هو الحال بالنسبة لشريط سجن عكاشة الذي اختار صاحبه اخراجه للعلن عقب النقاش الذي خلفه التقرير البرلماني حول الأوضاع في السجون المغربية.


حمل الشريط تفاصيل اعتبرها البعض صادمة، نقلت المشاهد لفسحة السجن القابعة خلف أسواره العالية، حيث أصناف البشر من أعمار وسحنات مختلفة تحمل خلفها لمحة عن تركيبات نفسية متبانية وصل بعضها لحد الجنون. لم يكن المشاهد يتوقع أن الرحلة ستحمله داخل الزنزانات، ليطالع بعضا من طبيعة العلاقة التي تجمع السجين بسجانه. أياما بعد بث الشريط، تم كشف هوية المصور الذي قيل أنه أقدم على هذه الخطوة بدافع الانتقام بعد مصادرة هاتفه المحمول، ليقوم بعدها بتثبيت كاميرا دقيقة على زر ملابسه.


اكتشاف هوية المصور، حولته من “بطل” في عين المتتبعين للشربط، إلى متهم حسب نتائج البحث. نتيجة لم ترق للكثيرين الذين ينظرون بتوجس دائم لفكرة البحث عن هوية المصور، معتقدين أن البحث يكون بهدف الإنتقام حتى لا يجرأ شخص على إعادة المحاولة، غير أن الحقوقية أمينة بوعياش ترى أن هذه الخطوة تعد أمرا عاديا، «لأن المواطن في السابق كان يكتب شكايته أو يتقدم بها، أو تأخذها عنه الصحافة، لكن مع ظهور التكنولوجيا الحديثة، أصبح تسجيل وقائع الفساد من الأدوات الشائعة، وهي هنا بمثابة تقديم شكاية من طرف المواطن في موضوع ما، أو ظاهرة يعيشها المجتمع. في هذه الحالة أظن أن القانون لابد أن يآخذ بهذا الموضوع، وبالتالي يكون تسجيل ذلك الفيديوو بمثابة شكاية يتقدم بها المواطن اتجاه جريمة من الجرائم لأن الفساد بكل أنواعه سواء كان رشوة أو غيرها يعد جريمة، مما يستوجب فتح التحقيقات الضرورية في المجال المدني، الاجتماعي، الجنائي أو في غير ذلك، لأن التحقيق هو الذي يؤكد للرأي العام إذا كان المواطن صاحب الشريط على صواب أو لا… ،كما أشرت فإن الفيديو بمثابة شكاية يتقدم بها المواطن، وبالتالي يجب معرفة مصدر الفيديو الذي هو بمثابة الشكاية. لأن الشكاية إما أن تكون شكاية مجهول فتحفظ، و إذا لم يكن مجهول فلابد من التعرف عليه، حتى إذا كان هناك تحقيق لابد من التأكد من هو المتقدم بالشكاية لأنه أمر ضروري في هذا الموضوع»

سكينة بنزين

قراءة التعليقات (3)

المقالات الأكثر مشاهدة