استمرار عجز المغرب عن توفير عرض سكني للطبقة المتوسطة
أخبارنا المغربية
استرعت الطبقة المتوسطة الانتباه في السنوات الأخيرة، وحاولت السلطات العمومية الإحاطة بعددها وانتظاراتها، لكن يبدو أن النوايا الحسنة التي أعلنت عنها تجاهها مازالت لم تترجم على أرض الواقع، فقبل أكثر من عامين شرعت السلطات العمومية في الحديث عن سعيها إلى توفير سكن يستجيب للقدرة الشرائية المتوسطة.. فتحت أمامها « ضمان السكن» وشرعت الأبناك في اقتراح منتوجات تمويلية تراها ملائمة لتلك الفئة، غير أنه تجلى بعد ذلك أن العرض من المساكن الموجه لتلك الفئة غير متوفر رغم أن الطلب مضمون.. ثم إن ما توفر من عرض على قلته، أسعاره مرتفعة ولا يراعي القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة.. الكثيرون يتحدثون عن غلاء العقار وندرته والمنعشون العقاريون يبحثون عن صيغ لتسريع وتيرة إنتاج السكن الموجه للفئات المتوسطة. وبعض المراقبين يؤكدون أن تطهير القطاع من كثرة المتدخلين من شأنه أن يفضح حقيقة أسعار السكن، وخاصة المتوسط، في المغرب.
ندرة العرض
يلتقي أغلب المنعشين العقاريين في التأكيد على أن القطاع يدين في استمراره في الوجود إلى اليوم إلى صنف السكن الاجتماعي، الذي توفر على رؤية واضحة بعد الإجراأت التي جاء بها قانون مالية 2010، فقد أعلنت العديد من الشركات عن برامج بآلاف الوحدات من المساكن في السنوات القادمة، حيث يرتقب أن يشرع في تسليم الشقق لمقتنيها في أواخر 2012، كما يؤكد ذلك عادل بوحاجة رئيس جمعية المنعشين والمجزئين بمراكش، غير أنه إذا كان ملف السكن الاجتماعي قد تمت معالجته، فالعديد من التساؤلات مازالت تطرح حول صنف السكن الفاخر والسكن المتوسط، فقد طالت الصنف الأول رياح الأزمة العالمية منذ أربع سنوات، على اعتبار أن المشاريع التي أطلقت فيه لم تلق الإقبال من الأجانب الذين كانت موجهة لهم العديد من العروض في هذا الصنف، ورغم اهتداء العديد من المنعشين إلى تعديل تلك المشاريع والتوجه بها لزبناء محليين يتوفرون على قدرة شرائية كبيرة وإقدام بعض المنعشين على خفض بعض الأسعار، كما يلاحظ ذلك أحد المحللين الماليين بالدار البيضاء، إلا أن هذا الصنف مازال يعاني من وضعية ركود في انتظار انجلاء الأزمة العالمية التي مازالت تشتد في الأشهر الأخيرة، غير أنه إذا كان الصنف يعاني من انحسار الطلب، فإن الصنف المتوسط، يعاني من عدم توفر العرض المناسب، وهو ما يرده، بوحاجة، إلى غلاء العقار في المغرب، علما أن هذا السكن يوجه للطبقة الوسطى التي أعلنت السلطات العمومية في السنوات الأخيرة عن نيتها في تخفيف العبء الذي يمثله السكن بالنسبة لها، غير أنه لم تتم بلورة عرض يمكن أن يستجيب لانتظارات هاته الفئة، إذ لم تهتد السلطات العمومية إلى العرض الذي يوافق قدرتها الشرائية، علما أن المنعشين ما فتئوا يقدمون المقترح تلو الآخر من أجل توفير عروض على مقاس الطبقة المتوسطة في المغرب.
ضمان السكن
قبل أكثر من سنتين أعلن وزير الإسكان والتعمير والتنمية المجالية، توفيق احجيرة عن نية الدولة اقتراح منتوجات تستجيب لانتظارات الطبقة المتوسطة، غير أن المشاريع الموجهة لتلك الطبقة تعد على رؤس الأصابع لحدود الآن، علما أن الوزارة كانت أعلنت أن عدد الشقق التي يتوجب توفيرها للطبقة المتوسطة بـ 81 ألف شقة في السنة، فقد جاء ذلك في إطار اللجنة التي يرأسها رئيس الحكومة وكان يفترض فيها أن تقترح الإجراأت التي تساعد على تحسين وضعية الطبقة المتوسطة، وتمكنت الوزارة من تحديد حاجيات تلك الطبقة سنويا من الشقق في 81 ألف شقة سنويا، بحيث أوصت الوزارة بأن يجري التركيز في السنوات القادمة على الشقق التي يتراوح سعرها بين 30و90 مليون سنتيم. وقد سعت السلطات العمومية إلى استفادة الطبقة المتوسطة من «ضمان السكن» الذي يضم منتوجي « فوكاريم» و«فوكالوج» الموجهين على التوالي للفئات ذات الدخل المحدود والطبقة المتوسطة. وحسب معطيات صندوق الضمان المركزي، ضمن الصندوق في السنة الفارطة 2.06 مليار درهم من القروض لفائدة 11328 مستفيدا، ووصل مجموع القروض التي ضمنها الصندوق المركزي لفائدة « ضمان السكن إلى 10.22 مليارات درهم لفائدة 66508 أسر، غير أنه تجلى أن النصيب الأوفر من ذلك الضمان استفاد منه « فوكاريم»، بينما لم يوجه سوى النزر القليل لـ«فوكالوج» على اعتبار عدد المستفيدين في السنة الفارطة من قروض « فوكالوج» لم يتعد 2365 أسرة، بحجم قروض في حدود 767.10 مليون درهم. وعموما مثلت حصة « فوكالوج» في السنة الفارطة 18 في المائة من مجموع الملفات و 32 في المائة من مبالغ قروض صندوق « ضمان السكن»، وبلغ المبلغ المتوسط لقروض «فوكالوج» 320 ألف درهم لفترة سداد تصل إلى 20 سنة. ويتجلى، حسب أحد المراقبين أن حصر مبلغ القرض الذي يمكن ضمانه بالنسبة للطبقة المتوسطة في حدود 800 ألف درهم، يشكل عائقا أمام اشتغال هاته الآلية على اعتبار أنه يصعب العثور، خاصة في المدن الكبرى، على سكن في حدود ذلك السقف، ثم إن ثمة من يثير عائق معدل الفائدة الذي لا يجذب الزبناء المحتملين، لكن يشكل ذلك العائق الوحيد أمام استفادة الطبقة المتوسطة من السكن.
غلاء العقار
ما فتئت السلطات العمومية والفاعلون العموميون والخواص يؤكدون على أن مشروع توفير السكن للطبقة المتوسطة مازال معلقا، فالفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين تشدد على أنه يصعب المضي في ذلك المشروع في ظل الشروط الحالية لتعبئة العقار في المغرب، فالعديدون يؤكدون على أنه يمكن توفير سكن بقيمة تقل عن مليون درهم في المدن الصغيرة والمتوسطة والمدن الجديدة مثل تامنصورت والخيايطة وتامسنا، لكن ذلك يبدو مستحيلا في مدن مثل الدار البيضاء و الرباط و مراكش التي لا يتوفر فيها عرض يستجيب للطلب المرتفع.. المنعشون العقاريون ما فتئوا يشيرون إلى أن غياب مخططات التهيئة يشكل عائقا أما الاسترشاد برؤية واضحة في قطاع الإنعاش العقاري، فعادل بوحاجة يلاحظ أن 90 في المائة من المدن في المغرب لا تتوفر على مخططات تهيئة، وهذا له انعكاسات كبيرة على السكن على اعتبار أنه يتعذر على المنعشين العقاريين تكوين مخزون من الأراضي، إذ يتم الاكتفاء في ظل الوضعية الحالية بالتراخيص الاستثنائية، ويعتبر أحد المحللين الماليين، فضل عدم ذكر اسمه، أن العقار يمثل في بعض الأحيان ما بين 40 و50 في المائة من تكلفة البناء في المغرب، وهو ما تغذيه المضاربة التي تنشط في ظل الندرة وعدم وضوح الرؤية، علما أن تلك النسبة لا يفترض أن تتعدى ما بين 10 و20 في المائة، حسب المعايير الدولية، مما يعني أن كلفة العقار في المغرب تساهم بشكل كبير في المغرب في رفع كلفة السكن، و هو ما يؤثر سلبا على الطلب ويساهم في خلق حالة من الركود في قطاع السكن في المغرب، غير أن مشكل مخططات التهيئة ينم عن غياب رؤية واضحة فيما يتصل بتدبر العقار في المغرب، الناجم عن غياب أدوات فعالة لضبط السوق العقارية لتحقيق أهداف استراتيجية، فأدوات التخطيط المجالي تغيب عنها الفعالية، والسياسة الضريبية، حسب بعض المراقبين، تساهم في رفع الأثمنة وتوسيع دائرة التهرب الضريبي، أما الأثمنة الحالية فلا تعكس في شيء الندرة الاقتصادية لمادة «العقار» بقدر ما تعكس مستوى احتكارها والريع الذي تساهم في تحقيقه. غير أن بعض المنعشين العقاريين يغذون الأمل في إخراج مخططات التهيئة إلى حيز الوجود في الأشهر القليلة القادمة، فإدريس النقطة، رئيس جمعية المنعشين و المجزئين بالدار البيضاء، يشير إلى أن مخطط التهيئة الخاص بالدار البيضاء، قد يخرج إلى حيز الوجود في الربع الأول من السنة القادمة، مما سيعطي رؤية واضحة للمنعشين العقاريين على مدى 20 عاما.. ذلك احتمال يمكن أن ينعش آمال الطبقة الوسطى في الولوج إلى السكن في السنوات القادمة.. غير أن محللا ماليا يرى أن مستقبل قطاع العقار في السنة القادمة، رهين بما ستسفر عنه الانتخابات القادمة، حيث ستسود حالة من الانتظارية وسط المستثمرين إلى حين التعرف على هوية الحكومة القادمة.
البحث عن مخرج
لكن في انتظار أن يحل مشكل العقار يبدو أن المنعشين العقاريين يحاولون البحث عن إمكانيات لإعطاء دفعة قوية عبر مد الإجراأت التي همت السكن الاجتماعي في 2011 إلى السكن الموجه للشباب الذي يقل عمره عن 35 عاما والطبقة الوسطى، حيث تقترح الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين إبرام اتفاقيات مع الدولة تخص بناء 500 شقة على مدى 5 سنوات. وتقترح الفيدرالية ألا يتعدى سعر المتر المربع 5000 درهم، ليكون سعر الشقة التي تصل مساحتها إلى 80 مترا مربعا 40 مليون سنتيم والشقة التي لا تتعدى مساحتها 40 مترا مربعا 20 مليون سنتيم، وترى أنه من أجل بلوغ ذلك يتوجب أن يستفيد من مساعدة تساوي قيمة الضريبة على القيمة المضافة ويستفيد المنعش الموقع مع الدولة من الإعفاأت الممنوحة في إطار السكن الاجتماعي. كما يتوجب أن يتخذ المشتري ذلك المنتوج سكنا رئيسيا له لمدة أربع سنوات. وتعتبر الفيدرالية أن الفئات المعنية بهذين المنتوجين لا تجد في سوق العقار منتوجا يستجيب لقدرتها الشرائية، مما يدفعها إلى اقتناء السكن الاجتماعي، وترى الفيدرالية أن تبني مقترحاتها لا يفضي إلى رفع الإعفاأت الضريبية، في نفس الوقت سوف تخول إسكان 5000 أسرة جديدة مقصية من سوق العقار، غير أنه يبدو أن الحكومة لم تتعاط بشكل إيجابي مع تلك المقترحات في مشروع قانون مالية السنة المسحوب، خاصة أنه يبدو أن أطرافا في الحكومة بدأت تثير، كما أوضح ذلك مصدر من لجنة المالية بمجلس النواب، الامتيازات الممنوحة لبعض القطاعات، وفي مقدمتها قطاع العقار. ويعتبر مصدر مطلع، أنه يفترض إضفاء نوع من الشفافية على مآل المساعدات التي يفترض أن يستفيد منها مقتنو السكن من جميع الفئات، فهو يلاحظ أنه لم يتأكد ما إذا كانت المساعدات التي تخصص في إطار السكن الاجتماعي يستفيد منها مستحقوها أم تذهب لتغذية هوامش ربح المنعشين العقاريين، غير أن محدثنا يذهب أبعد من ذلك ليؤكد أن العقار يجري التعامل معه باعتباره بضاعة تخضع للمضاربة عند الاقتناء و البيع و تفرض عليه الدولة ضرائب كثيرة.. فهناك العديد من المتدخلين الذين يسعون إلى جني منافع مالية من وراء العقار.. حيث لا تعكس الأسعار حقيقة قيمة العقار، وهو ما يحيل على الأزمة التي ضربت قطاع العقار في إسبانيا، والتي فضحت القيمة الحقيقية التي كانت تخفيها فورة الاقتناأت قبل 2008.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
المقالات الأكثر مشاهدة
1571 مشاهدة
6
1477 مشاهدة
8