توكلنا على الله
بدر الدين الإدريسي
أخبارنا المغربية
هذا السبت ترفع الستارة على النسخة التاسعة والعشرين للمونديال الإفريقي والرهان الكبير أن تقدم إفريقيا قارة الأمل والعجائب واحدا من أكثر أعيادها الكروية إثارة للمتعة وجلبا للسعادة، برغم أن النسخة الحالية تفتقد لفراعنة النيل أسياد القارة وأيضا لأسود الكامرون غير المروضة.
المؤمل أن تكون ثاني دورة تقام بجنوب إفريقيا ساحرة ومثيرة وذات فيض إبداعي بالنظر لما تهيئه الظروف ببلاد نيلسون مانديلا من ملاعب راقية ومن بنيات إيواء وتحضير رفيعة المستوى وأيضا من مناخ طبيعي وإنساني يحفز على العطاء..
ومع حلول السبت التاسع عشر من يناير سيوقع الفريق الوطني للمرة الخامسة عشرة في كشوفات المونديال الإفريقي ويأتمن الحدث على وثيقة الحلم، الحلم الذي لا يبنى على أوهام، ولكن الحلم الذي يبنى على حقائق وعلى منظور وأيضا على تدبير عقلاني وعلمي للمشى الصعب والعسير في أدغال «الكان» التي تصيب بالهيبة وبالخوف حينا وبالفرح الطفولي حينا آخر..
ماذا ننتظر إذا من أسود الأطلس في هذا المونديال الإفريقي؟
بالتأكيد ليس هناك مشروع إجابة واحد لطالما أن المنظور ليس واحدا ولطالما أن زوايا الحكم كثيرة ومختلفة، ولكن حكمة تدبر الحدث تفرض أن تكون الإجابة مرتكزة على حقيقة ما عشناه في آخر ثلاث دورات وعلى حقيقة المنتخب الحالي، ظروفه، بنيته، سقف طموحه وأيضا طبيعة قدراته النفسية والفنية والتكتيكية.
إن نحن رحلنا بحاسة التذكر إلى ما كان في آخر ثلاث دورات حضرها الفريق الوطني بمصر سنة 2006 وبغانا سنة 2008 وأخيرا بالغابون وغينيا الإستوائية سنة 2012، نحن من تخلف عن دورة 2010 بأنغولا، والتي سعينا فيها إلى تكرار ما أنجز على الأقل سنة 2004 بتونس، حيث توجنا بلقب الوصافة، سنجد أن ما كان في الإطلالات الثلاث من إنكسارات وهدم للآمال بالكذب على النفس وبيعها الوهم، يفرض كثيرا من الإحتراس في مقاربة الإنتظارات والآمال المعقودة على فريقنا الوطني الذي يوجد على بعد ساعات من لقاء مفصلي وإستراتيجي أمام أنغولا في إفتتاح الدور الأول..
الإحتراس الذي لا يأخذ كليا بما يتأسس على صدر التاريخ والذي يواجه النفس بحقيقة أن الفريق الوطني محتاج فعلا إلى مجهود خارق خلال دورة جنوب إفريقيا ليصحح ما إختل في الوضع وما تشوه في الصورة الإفريقية وما يقوي الأمل في المستقبل القريب عندما يكون الفريق الوطني بعد عامين من الآن مستضيفا لنهائيات كأس إفريقيا للأمم على أرضه.
إذا ما نحن وقفنا على حقائقنا التاريخية بالنظر موضوعيا في مرآة عاكسة للماضي القريب وقيمنا التقييم الصحيح الإنقلاب الفني الذي باشره رشيد الطوسي كناخب وطني جديد إلى الحد الذي طير قلاعا وقلم أظافر وغير وجه الفريق، فإننا سنقول بكل تجرد أن أسود الأطلس لا بد وأن يرتبوا الرهانات وأن ينظروا لكل منها بمعزل عن الآخر، وأن تكون البداية بالمراهنة على تجاوز الدور الأول والوصول إلى الدور ربع النهائي والتدبير الآمن للدور الأول يفرض أيضا الإنكباب على كل مباراة على حدة، وبالطبع ما يجب الآن أن يشغل البال والعقل بلا مزايدة وبلا تهويل هي مباراة أنغولا، التي يقول ترتيب المباريات والإئتمان على الحظوظ وحفظها من التلف والضياع أن يخرج الفريق الوطني منها بنقطة واحدة في أسوإ الأحوال، علما بأن النقاط الثلاث ستكون بمثابة وضع الرجل الأولى في الدور الثاني.
وللأمانة فإن الفريق الوطني يملك ما يكفي من الحوافز النفسية على الخصوص ليتفوق على نفسه برغم هذا الذي يعيشه من فورة كبيرة.
وإذا كانت الجامعة قد أخلت طرفها وأدت الأمانة بأن وضعت الفريق الوطني في وضع مثالي لاقتحام المونديال الإفريقي، عندما رصدت إمكانيات ضخمة ليكون التحضير متطابقا وممدا بقوة إضافية ربما لم تتوفر لغيره من المنتخبات، وعندما هيأت له كامل الظروف المساعدة على التحفيز، فإن المدرب والناخب الوطني رشيد الطوسي نجح ولأبعد حد في وضع خارطة طريق تقنية مستوفية لكل الضوابط العلمية، قد يكون مجيئه المتأخر للفريق الوطني قد فوت عليه مددا زمنية ضرورية لإنجاح عملية إعادة بناء وصياغة النواة البشرية الصلبة، ولكنه للأمانة تفوق في الإستنجاد بكل التوابل الفنية واللوجستيكية ليحضر لوصفته التي نتمنى جميعا أن تكون بمذاق مميز يصرف عنا مذاق العلقم الذي تجرعناه لأكثر من ست سنوات.
كان الطوسي صادقا مع نفسه ومع المحيط بكل المتدخلين فيه عندما وضع لائحة 23 لاعبا وفقا لمعايير الجاهزية والقابلية والمطابقة وخدم الجامعة كثيرا عندما خلصها من ذنب كبير حملت وزره لسنوات عندما لم تكن حازمة في معاقبة كل خروج عن النص الأخلاقي وكل إرتكاب لجنح تمس شرف الفريق الوطني، وكان الطوسي أيضا منسجما مع منظوره التقني والعلمي، عندما وضع الفريق الوطني لمدة 15 يوما في بؤرة الحدث، عندما قاده لإقامة معسكر متطابق مع الظرفية ومحترم لخصوصيات المناخ والتضاريس الجنوب إفريقية، وسيصبح كل هذا الجهد الخارق الذي بذله رشيد الطوسي بمعية مساعديه الذين يعرفهم الرأي العام والذين لا يعرفهم لسرية الوظائف المناطة بهم، ذا معنى إذا ما نجح اللاعبون في ترجمته فعليا على أرضية الملعب، بالتعامل بكامل الجدية مع ظروف المباريات وبالإنتقال السلس بين كل أشواط التباري وبعدم التفريط في التوازن التكتيكي وفي القوة النفسية.
كأس إفريقيا للأمم هي مختبر كبير للفريق الوطني بجيله الحالي وبنواته الصلبة الجديدة والإيمان بالقدرات والتركيز على المباريات هما أكبر الأسلحة لربح معركة الإختبار، فجميعنا يتمنى أن يخرج الفريق الوطني مرفوع الرأس، محفوظ الكرامة ومعززا بكثير من الدروس وبرصيد كبير من الثقة بالنفس ليقبل بكل تفاؤل على المستقبل القريب.
وجب النظر بعمق وباطمئنان لمباراة أنغولا، فالمؤكد أن الفريق الوطني بما تهيأ له من ظروف الإعداد الجيدة وبما حضر من معايير علمية وسوسيولوجية في تشكيله يملك رصيدا كبيرا إن وظفه بنجاح وبذكاء أيضا في مباراة أنغولا قطع شوطا بعيدا في ربح الرهان، رهان الفوز بكل نقاط المباراة.
على الله توكلنا، فمن توكل على الله كفاه.
بدر الدين الإدريسي