مصر إلى أين ؟ صراع لا يخدم سوى مخطط الشرق الأوسط الكبير

مصر إلى أين ؟ صراع لا يخدم سوى مخطط الشرق الأوسط الكبير

وكالات

مصر إلى أين ؟. هذا السؤال عاد ليطرح بإلحاح مرة أخرى مع بداية الشهر الأخير من سنة 2012، وذلك بعد أن عرفت الساحة المصرية استقطابا حادا بين أنصار النظام السياسي الذي يهيمن عليه حزب الحرية والعدالة الممثل السياسي لجماعة الاخوان المسلمين من جانب، وغالبية القوى السياسية المعارضة يساندها الأزهر والكنيسة القبطية من جانب آخر.
الأزمة الجديدة انفجرت بعد أن أصدر الرئيس المصري محمد مرسي إعلانا دستوريا في ساعة متأخرة من ليلة الخميس 22 نوفمبر 2012 منح فيه لنفسه سلطات استثنائية.
الإعلان الدستوري أعطى لرئيس الجمهورية حق اتخاذ أي تدابير أو قرارات لحماية "الثورة" على النحو الذي ينظمه القانون. كما حصن الإعلان الدستوري الجديد الاعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة من الرئيس حتى نفاذ الدستور الجديد بجعلها نهائية ونافذة ولا يجوز الطعن فيها.
وقالت ديباجة الاعلان الدستوري "ان ثورة 25 يناير 2011 حملت رئيس الجمهورية مسؤولية تحقيق أهدافها خاصة هدم بنية النظام البائد وإقصاء رموزه والقضاء على أدواته في الدولة والمجتمع والقضاء على الفساد واقتلاع بذوره وملاحقة المتورطين فيه وتطهير مؤسسات الدولة".
وشمل نص الإعلان الدستوري على أنه "لا يجوز لأية جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور".
الإعلان صدر في وقت كانت فيه المحكمة الدستورية العليا تنظر في مصير الجمعية التأسيسية للدستور بعدما أحالت لها محكمة إدارية دعاوي حلها خلال شهر أكتوبر 2012.
ومد الإعلان الدستوري عمل الجمعية التأسيسية للدستور لشهريين إضافيين لتنتهي بعد 8 أشهر من تاريخ تشكيلها لا 6 أشهر. وكان التيار المدني قد انسحب من الجمعية التأسيسية متهما التيارات الإسلامية بالسيطرة عليها.
وفي نطاق هذا الإعلان اصدر الرئيس المصري قرارا يقضي بإقالة النائب العام عبد المجيد محمود وتعيين المستشار طلعت عبد الله نائبا عاما جديدا.
وكان الرئيس مرسي قد أقال النائب العام قبل شهر قبل ان يتراجع عن قراره تحت ضغط قوي من القضاة الذين هددوا بالإضراب عن العمل وتصعيد صدامهم مع الرئاسة بقيادة المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة الذي أكد بطلان القرار قانونيا.
ودخلت رئاسة الجمهورية في صدام آخر مع المحكمة الدستورية حين قرر الرئيس مرسي في يوليو إعادة مجلس الشعب المنحل بقرار من المحكمة الدستورية قبل أن يتراجع أيضا بعدما ألغت الدستورية قراره.

إحتكار السلطة

قرار الرئيس المصري ووجهت فور إعلانها بإنتقادات حادة من جانب العديد من القوى السياسية. فخلال مؤتمر صحافي عقد يوم الخميس 22 نوفمبر للقوى السياسية المدنية ضم سامح عاشور نقيب المحامين، ومحمد البرادعي رئيس حزب الدستور، وعمرو موسى المرشح الرئاسي السابق، والمعارض أيمن نور، قرأ عاشور بيانا أكد "ان قرارات مرسي تعد انقلابا كاملا على الشرعية التي أتت به"، وأضاف "ندعو المصريين للتظاهر غدا الجمعة في كل ميادين مصر لاسقاط هذا الاستبداد".
واضاف سامح عاشور "ما يحدث هو تمهيد لحكم مصر بالاحكام العرفية هذه القرارات تصنع ديكتاتورا"، وأضاف "هو يحتكر السلطة التنفيذية والتشريعية ويلغي السلطة القضائية ويلغي دورها مراقبة السلطتين التنفيذية والتشريعية".
وطالب البيان "باسقاط الاعلان الدستوري الغاشم"، وحل الجمعية التاسيسية "المرفوضة من المجتمع والتي فقدت مشروعيتها الاخلاقية والسياسية واعادة تشكيلها بضم مختلف الطوائف المصرية".
وقال محمد البرادعي رئيس حزب الدستور "نحن نمثل اصطفاف كل القوى الوطنية من اليمين واليسار والوسط نحن نعمل معا كمصريين على قلب رجل وامرأة واحد حتى نحقق اهداف الثورة في الحرية والعدالة والكرامة الانسانية".
خلال الساعات التالية على الاعلان الدستورى تصاعدت المعارضة وأنتشرت المظاهرات في كل أنحاء مصر وبدأ مسلسل سقوط الجرحى والقتلى.
وتقدمت قيادات التيار المدني وعلى رأسهم محمد البرادعي وحمدين صباحي والامين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى مسيرات جماهيرية نحو ميدان التحرير في العاصمة حيث هتف المتظاهرون "حرية .. حرية" و"الشعب يريد اسقاط النظام".
ويوم الجمعة 23 نوفمبر قال التيار الشعبي المصري بزعامة المرشح اليساري السابق حمدين صباحي الذي حل ثالثا في الانتخابات الرئاسية في يونيو ان "التيار الشعبي يعلن بدء اعتصام في ميدان التحرير بالاتفاق مع كافة القوى السياسية الثورية"، داعيا ايضا الى تجمع حاشد في ميدان التحرير في الايام التالية.
وافاد منظمو الاعتصام يوم الجمعة 23 نوفمبر ان 26 حركة وحزبا سياسيا اعلنت حتى الساعة موافقتها على المشاركة في الاعتصام.
التصعيد أصبح سيد الموقف ما بعد 23 نوفمبر خاصة بعد أن اتهمت المعارضة الرئاسة بإتباع أساليب الترهيب لقمع خصومها وإسكات صوت الاعلام، مؤكدة ضرورة حل الميليشات شبه العسكرية داخل جماعة الإخوان المسلمين التي تقمع المتظاهرين.
وصرح حمدين صباحي الذي حصل على زهاء 5 ملايين صوت خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية: أن الدكتور محمد مرسي فقد شرعيته كاملة، بسبب الدماء التي تراق بسبب قراراته.
في الوقت الذي كانت فيه المعارضة المصرية ترص صفوفها وتبحث عن تسوية خاصة وأن مهمة الجمعية التأسيسية مددت وهو ما يوحي بوجود مجال زمني كاف للحوار، فاجأت الرئاسة الجميع بالإعلان أن الجمعية التأسيسية سلمت يوم الجمعة 30 نوفمبر، المشروع النهائي لدستور مصر الجديد، وقدمته للرئيس الذي أعلن أنه سيجري استفتاء شعبي عليه يوم السبت 15 ديسمبر 2012.

مناورات سياسية

في الوقت الذي تصاعدت فيه المواجهات جرت مناورات سياسية كثيرة وتحدثت الرئاسة عن حوار مع المعارضة وإستعداد لتعديل الاعلان الدستوري.
البعض أعتبر الأمر مناورة سياسية وآخرون أيدوها. في حين تعززت صفوف المعارضين.
فيوم الخميس 6 ديسمبر 2012 طالب مجمع البحوث الاسلامية في الازهر وهو أعلى سلطة دينية في مصر الرئاسة ب "تجميد الاعلان الدستوري" و"الدعوة لحوار وطني فورا".
وقال الازهر في بيان له انه يتعين "معالجة الموقف بما يضمن وحدة الوطن وسلامة أبنائه" و"تجميد الاعلان الدستوري الأخير ووقف العمل به" و"الدخول في حوار وطني يدعو اليه رئيس الجمهورية فورا وتشارك فيه كل القوى الوطنية دون استثناء ودون شروط مسبقة".
يوم السبت 8 ديسمبر أعلن أن الرئيس مرسي ألغي الإعلان الدستوري الصادر في 22 نوفمبر وأصدر آخر مع الابقاء على ما ترتب عليه من آثار كما قرر الابقاء على موعد 15 من ديسمبر للاستفتاء على مشروع الدستور.
تعقيبا على ذلك قال سامح عاشور، نقيب المحامين، إن "الإعلان الدستوري الجديد هو تصحيح خطأ الإعلان الدستوري الصادر في 22 نوفمبر الماضي، بخطأ آخر"، واعتبر أن الرئيس محمد مرسي "كان يحاور نفسه".
وأضاف عاشور أن "الرئيس محمد مرسي ليس من حقه إصدار إعلان دستوري جديد، والغاية من الإعلان الدستوري الجديد، الذي خرج منذ قليل، تحققت بحصار المحكمة الدستورية العليا من نظر قضية حل الجميعة التأسيسية".
وأشار إلى أن "المخطط الرئيسي للرئيس هو استيلاء الإخوان على الدستور، وأن الرئيس اليوم كان يحاور نفسه".
يذكر أن نقابة الصحافيين انسحبت في بداية شهر نوفمبر 2012 من الجمعية التأسيسية احتجاجا على تقييد الحريات في مشروع الدستور واصرار الاغلبية الإسلامية المهيمنة على الجمعية على الغاء نص كان موجودا في الدستور السابق وكان ينص صراحة على "حظر اغلاق او تعطيل او ومصادرة الصحف".
وفي بيان اصدرته، عبرت نقابة الصحافيين عن "فزعها وانزجاعها الشديدين مما ثبت من الاستهداف الممنهج" من قبل مؤيدي الرئيس محمد مرسي للصحافيين اثناء مواجهات الاربعاء 5 ديسمبر الدامية، منددة بـ "محاولة اغتيال" تعرض لها الصحافي الحسيني أبو ضيف فجر الخميس والذي يرقد في العناية المركزة.

رفض التأجيل

على الجانب الآخر من ساحة المواجهة أعلن ائتلاف الاحزاب والقوى الاسلامية الذي يضم 13 تنظيما بينها جماعة الاخوان المسلمين والاحزاب والقوى السلفية، يوم السبت 8 ديسمبر رفضه تاجيل الاستفتاء على مشروع الدستور.
واكد بيان لهذه القوى تلاه نائب المرشد العام للاخوان المسلمين خيرت الشاطر في مؤتمر صحافي "ضرورة اجراء الاستفتاء على الدستور في موعده دون تعديل او تاجيل".
ووقع بيان الائتلاف 13 حزبا وحركة اسلامية بينها بالخصوص الاخوان المسلمون وحزب الحرية والعدالة المنبثق عنها وحزب النور والدعوة السلفية والجماعة الاسلامية.
وحذر الائتلاف "المتلاعبين بارادة الشعب من محاولة اغتصاب الدولة أو الانقلاب على الشرعية"، مضيفا "ان كل الخيارات مفتوحة امام القوى الاسلامية للحفاظ على الشرعية ومؤسسات الدولة المنتخبة".
وندد خيرت الشاطر بما سماه قوى قال انها "تتآمر" لافشال التجربة الديمقراطية في مصر.
وأضاف ان هذه القوى "تهدف لاطالة أمد الفترة الانتقالية لحصار الرئيس وترك الدولة دون مؤسسات وهم يتامرون ويريدون افشال التجربة الديموقراطية الوليدة".
وشدد الشاطر على اهمية انتهاء الفترة الانتقالية سريعا والاستقرار في مصر وآثار ذلك الهامة على الاقتصاد والاستثمار.
من جهته قال الشيخ سعيد عبد العظيم احد قيادات الدعوة السلفية في الاسكندرية، "لا نقبل المتاجرة بالشعارات كمحبة الوطن ومصلحة الوطن، مصلحة الوطن في اقامة شرع الله، لن نحيد ابدا عن شريعة ربنا".
وتساءل "لماذا لا تنزل المعارضة على راي الاغلبية التي تريد الاحتكام الى شرع الله وتقف وراء الرئيس" محمد مرسي مشيرا الى انه بامكان الاسلاميين "حشد اضعاف اضعاف ما يحشدونه الان" في اشارة الى تظاهرات واعتصامات معارضي مرسي المستمرة في مصر.

مخطط "الفوضى الخلاقة"

مع مرور الثلث الأول من شهر ديسمبر 2012 أصبح من الواضح أن السلطة والمعارضة في مصر وصلا إلى طريق مسدود وأنه إن لم يتم إيجاد حل قبل 15 ديسمبر فإن مصر تواجه المجهول.
مصادر رصد أوروبية مقتنعة بمواصلة الإدارة الأمريكية تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وضعه المحافظون الجدد في واشنطن وتل أبيب والذي يعتمد على الصراعات المحلية في نطاق ما يسمى بالفوضى الخلاقة، قدرت أن ما يجري في مصر حاليا هو مسار نحو تنفيذ هذا المخطط الذي ينص فيما يخص مصر على إغراقها في نزاع أو حرب أهلية داخلية تثمر عن تقسيم البلاد إلى أربع دويلات على الأقل، مسلمة وقبطية ونوبية وبدوية في سيناء.
شبح الحرب الأهلية أو المواجهات الدموية تم التلميح له في بيان للمعارضة، فقد دعت جبهة الانقاذ الوطني المصريين إلى التظاهر في كل ميادين الجمهورية تمهيدا للإضراب العام مجددة تمسكها بإلغاء الإعلان الدستوري وسحب قرار عرض مشروع الدستور على الاستفتاء الشعبي. وطالبت الجبهة في مؤتمر صحفي عقب اجتماع لها مساء يوم السبت 8 ديسمبر بالقاهرة بإلزام رئيس الجمهورية محمد مرسي ب "اتخاذ التدابير الفورية لحل الميليشات شبه العسكرية داخل جماعة الإخوان المسلمين أو الميليشات في أي مؤسسة آخرى تابعة للدولة أو المجتمع". وأكدت على ضرورة تحمل رئيس الدولة لمسؤولياته كاملة في حماية المظاهرات والمسيرات والاعتصامات السلمية مع ضرورة تحقيق المطلب الشعبي المتمثل في انتداب قاض للتحقيق في أحداث العنف في محيط قصر الإتحادية وإعلان نتيجته تباعا. وأدانت الجبهة كافة أشكال العنف ضد المتظاهرين والمعتصمين والاعتداء علي مقرات الأحزاب.

تحذير الجيش

يوم السبت 8 ديسمبر وقبل ما سمي تعديل الرئيس مرسي للاعلان الدستوري، القى الجيش المصري بثقله في الازمة داعيا الفرقاء الى اعتماد الحوار لحلها وإلى "احترام الشرعية القانونية والقواعد الديموقراطية التي اتفق عليها حتى الان"، ومحذرا من انه "لن يسمح" بان تدخل البلاد "نفقا مظلما نتائجه كارثية" وقال البيان:
"تتابع القوات المسلحة بمزيد من الاسى والقلق تطورات الموقف الحالي وما آلت اليه من انقسامات، وما نتج عن ذلك من أحداث مؤسفة كان من نتيجتها ضحايا ومصابين بما ينذر بمخاطر شديدة نتيجة استمرار مثل هذه الانقسامات التى تهدد أركان الدولة المصرية، وتعصف بامنها القومي .. وتأسيسا على ما سبق ومن منطلق مسؤوليتنا الوطنية فى المحافظة على الامن القومي المصري، تؤكد القوات المسلحة على ما يلى:
1- ان الشعب المصري العظيم الذى أبهر العالم بثورته السلمية فى 25 يناير 2011 وفوت الفرصة على كل من اراد ان ينحرف بالثورة عن مسارها السلمي لقادر بوعيه وإدراكه على الاستمرار فى التعبير عن آرائه سلميا بعيدا عن كل مظاهر العنف التى تشهدها البلاد حاليا.
2- أن منهج الحوار هو الاسلوب الامثل والوحيد للوصول إلى توافق يحقق مصالح الوطن والمواطنين، وأن عكس ذلك يدخلنا فى نفق مظلم نتائجه كارثية، وهو أمر لن نسمح به.
3- تنحاز المؤسسة العسكرية دائما الى شعب مصر العظيم وتحرص على وحدة صفه، وهي جزء أصيل من نسيجه الوطني وترابه المقدس، وتأكد ذلك من خلال الاحداث الكبرى التى مرت بها مصر عبر السنين .. وفى هذا الاطار نؤكد وندعم الحوار الوطني والمسار الديمقراطي الجاد والمخلص حول القضايا والنقاط المختلف عليها وصولا للتوافق الذى يجمع كافة أطياف الوطن.
4- ان اختلاف الاشقاء من المصريين بشأن آراء وتوجهات سياسية وحزبية هو امر يسهل قبوله وتفهمه الا أن وصول الخلاف وتصاعده الى صدام او صراع أمر يجب أن نتجنبه جميعا ونسعى دائما لتجاوزه كأساس للتفاهم بين كافة شركاء الوطن.
5- أن عدم الوصول إلى توافق وإستمرار الصراع لن يكون فى صالح أي من الاطراف وسيدفع ثمن ذلك الوطن بأكمله .. وفى هذا الاطار يجدر بنا جميعا أن نراقب بحذر شديد ما تشهده الساحة الداخلية والاقليمية والدولية من تطورات بالغة الحساسية، حتى نتجنب الوقوع فى تقديرات وحسابات خاطئة تجعلنا لا نفرق بين متطلبات معالجة الازمة الحالية وبين الثوابت الاستراتيجية المؤسسة على الشرعية القانونية والقواعد الديمقراطية التى توافقنا عليها وقبلنا التحرك إلى المستقبل على أساسها.
6- أن القوات المسلحة المصرية بوعي وإنضباط رجالها إلتزمت على مر التاريخ بالمحافظة على أمن وسلامة الوطن والمواطنين ومازالت وستظل كذلك الا أنها تدرك مسؤوليتها الوطنية فى المحافظة على مصالح الوطن العليا وتأمين وحماية الاهداف الحيوية والمنشآت العامة ومصالح المواطنين الأبرياء .. وفى هذا الإطار نوجه الشكر إلى رجال القوات المسلحة الشرفاء على تحملهم للمسئولية فى تأمين هذا الوطن العزيز بكل صدق واخلاص وتفاني.
حمى الله مصر وألف بين قلوب رجالها وسدد على طريق الخير خطى أبنائها الشرفاء".

تقديرات أمريكية

قبل 48 ساعة من صدور بيان الجيش المصري نشرت مجلة "تايم" الامريكية المعروفة بقربها من مراكز إتخاذ القرار في البيت الأبيض تقريرا مسهبا عن الصراع الدائر حاليا في مصر، واستبعد كاتب التقرير توني كارون تدخل الجيش في الصراع. وهنا أهم ما ورد في التقرير:
"لو كانت مجموعة من الجنرالات المصريين تخطط لانقلاب، فإن لحظة قيامهم بهذه الضربة يجب أن تكون وشيكة. فقد شهد يوم الثلاثاء 5 ديسمبر اشتباكات جديدة بين الشرطة وعشرات آلاف المتظاهرين ضد الحكومة خارج القصر الرئاسي في القاهرة بينما اشتدت الأزمة الدستورية لتصبح حربا أهلية غير عنيفة حتى الآن بين الإسلاميين وخصومهم – وفيما أخرجت المعسكرات السياسية مؤيديها إلى الشوارع قبل الاستفتاء على مسودة للدستور المثيرة للجدل في الخامس عشر من الشهر الجاري. وتؤثر الاضطرابات على أجواء الاقتصاد في مصر الذي يتطلب نموه استقرارا سياسيا. ولكن حتى لو تضمن السيناريو الحالي أوضاعا مماثلة لما يسبق الانقلابات السياسية في المجتمعات غير المستقرة ذات الجيوش القوية، فإن خطوة كهذه من قبل جنرالات مصر تبقى غير مرجحة.
وقال المحلل في مؤسسة سينتوري مايكل وحيد حنا: "تذكر أن الجيش المصري لم يستمتع بوقته في رئاسة الحكومة بعد الإطاحة بحسني مبارك"، وبينما أثار الرئيس محمد مرسي عداء خصومه السياسيين بقبضة على السلطة وضعت مراسيمه خارج القيود القضائية، وباستعجاله لوضع دستور يقول نقاد إنه يفتح المجال أمام حكم إسلامي شمولي، فقد كان حذرا بإبقائه الجيش في موقعه الملائم.
ويضيف حنا: "لقد تم الاعتناء جيدا بالأولويات المؤسساتية الجوهرية للجيش في مسودة الدستور، فقد تم الحفاظ الى حد كبير على انفصاله عن صنع القرار المدني وموازنته الخاصة، بينما يبقى لمؤسسة الأمن القومي دور مهم وإن لم يكن واضحا بعد في صنع القرار المتعلق بالأمن القومي. حصل الجيش على صفقة جيدة في هذه العملية الدستورية، وإذا لم يكن تدخلهم مطلوبا لوقف دخول مصر في حرب أهلية، فسيبقون على الهامش، هذه ليست معركتهم".
بدلا من ذلك، فإنها حرب عصابات سياسية مباشرة. على جانب يقف مرسي وداعميه من الاخوان المسلمين الذين يعتمدون على مقدرتهم في هزيمة خصومهم في صناديق الاقتراع لفرض إرادتهم من خلال مؤسسات منتخبة ديمقراطيا، وهم لا يجدون حاجة كبيرة للتنازل لخصومهم الذين يقولون اتهم يستخدمون مؤسسات مبارك لعرقلة الارادة الشعبية. ويقف ضد مرسي جماعات متنوعة علمانية وليبرالية ومسيحية، مما يصرح بأن لديهم أرضية مشتركة مع بقايا نظام مبارك من أجل تقييد الإسلاميين، الذين يتهمونهم بالسعي لاستبدال النظام القديم بدولة دينية.
وقالت مجموعة الازمات الدولية التي يوجد مقرها في بروكسل ان "مرسي لديه مبرر كاف للشعور بالاحباط. اذ ان سلطة قضائية مسيسة لدرجة عالية اخذت تفعل كل ما في وسعها لاعاقة جهود القيادة الجديدة وقطع الطريق على التعبير عن الارادة الشعبية، بينما لم تظهر المعارضة غير الاسلامية انها بناءة او توفيقية. لكن الرئيس قدم الحل الخطأ لمشكلة حقيقية. فقد استخدم منشارا ضخما بدلاً من مبضع كان سيكفي".
ونتيجة لذلك فان الرئيس اكد الشكوك التي تساور معارضيه بانه يبيت ميولاً ديكتاتورية. وبالتالي انضوى كثير منهم تحت مظلة جبهة الانقاذ الوطني وشنوا حملة احتجاجات.
وبالنسبة الى من ينظرون نظرة صقورية الى "الاخوان"، فان خطوة مرسي لم تكن سوى نزع لقناع الاعتدال وكشف عن رجل ايديولوجي اسلامي متشدد مصمم على تعزيز القوة الانتخابية لـ"الاخوان" لضمان سيطرة تامة. ويبدو ان هذه هي ايضا وجهة نظر جبهة الانقاذ الوطني.
اذ اعرب منسق جبهة الانقاذ الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي في مقال له نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" الثلاثاء الماضي عن تأييده لحل القضاة مجلس الشعب في العام الماضي، مدعيا ان نتيجة الانتخابات التي همشت كثيراً من القوى التي يمثلها كانت "نصرا ساحقا للاسلاميين، فاق بكثير قاعدة قوتهم الحقيقية"، واوجد "برلمانا غير ممثل".
وفكرة ان البرلمان غير ممثل لان الليبراليين خسروا في الانتخابات من شأنها ان تعلق في حلق "الاخوان"وسيؤلمهم اكثر من ذلك تبني جبهة الانقاذ الوطني شخصيات من النظام السابق باسم انقاذ الثورة. وكتب البرادعي: "من المفارقات ان الثوار الذين تخلصوا من الرئيس مبارك يلقون تأييدا الآن من اعضاء حزبه السابق، وهم متحدون في معارضة "المشروع الاسلامي" الغامض الذي يريد الرئيس مرسي وانصاره تنفيذه في بلادنا".
وتصر جبهة الانقاذ الوطني على ان يلغي مرسي اعلانه الدستوري الذي منح نفسه بموجبه سلطات اضافية وان يلغي الاستفتاء المقرر اجراؤه يوم 15 ديسمبر على الدستور ويتفاوض مع المعارضة. ويحذر البرادعي من ان رفض الاستجابة لهذه المطالب يمكن ان يسفر عن "اندلاع للعنف والفوضى وهو ما سيفسخ نسيج المجتمع المصري".
ولكن مراقبين آخرين يميلون اكثر الى توزيع اللوم بشأن هذه الازمة. ويقول البروفيسور في جامعة جورج واشنطن ناثان براون: "نيات الاخوان المسلمين اقل عرضة للشكوك من نيات خصومهم. ولكن اعمالهم اكثر خطراً...وحتى لو انه استفز او كانت خطوته استباقية فان مراسيم مرسي يوم 22 نوفمبر ازالت أي امكانية لأن تصبح الحياة السياسية في مصر توافقية مرة اخرى في المستقبل القريب".

تجربة إيران

يعتقد العديد من المحللين ان نموذج الثورة الايرانية مطروح حاليا امام القاهرة، وهم يرون بعض القواسم المشتركة بين الثورة الايرانية والثورة المصرية. وفي هذا المجال تطرقت صحيفة "ذي ديلي تلغراف" البريطانية الى التطورات الاخيرة في مصر وطرحت السؤال التالي: "هل تسير مصر في نفس الطريق الذي سارت فيه ايران؟" وجاء في هذا التحليل: "عندما نزل الملايين من الايرانيين الى الشوارع لإسقاط الشاه، كانوا يتوقعون ان يخلف النظام الديكتاتوري نظام ديمقراطي يفكر بمصالح جميع ابناء الشعب بدل الحفاظ على مصالح اقلية حاكمة. لكن ما وقع كان شيئاً مختلفا، اذ وصل الى السلطة اكثر الانظمة تعصبا في تاريخ ايران المعاصر.
الان وبعد ثلاثة عقود، تثير المظاهرات الشعبية في ميدان التحرير في القاهرة، قلقاً لدى عدد كبير من الناس من ان الحركة الديمقراطية للشعب المصري تنتهي الى مصير مشابه لما حدث في ايران. طالب الشعب المصري باسقاط حسني مبارك ونجح في ذلك ولكن هناك الأن مسافة بعيدة بين مصر والديمقراطية، كما كانت في الايام الاولى للانتفاضة في هذا البلد.
اول علائم هذه المسافة، هو الصولات والجولات القوية للإخوان المسلمين الذين فازوا في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في غياب معارضة لم تجد وقتا كافيا للتبلور أو مبارك وشبكته والتي ارسلت محمد مرسي، من زعماء الإخوان المسلمين، كرئيس جديد للدولة المصرية الى قصر رئاسة الجمهورية.
لا يوجد الكثير من التناسق بين طبيعة ما يسمى الاسلام السياسي والديمقراطية، وقد تبخر الحاح مرسي في لقاءاته مع الزعماء السياسيين الغربيين على عدم رغبته في التحول الى "فرعون جديد" وتمسكه بمبادئ الديمقراطية وذلك بعد ان اصدر مراسيمه الجديدة.
بالرغم من وعوده لضمان الديمقراطية، يحكم مرسي قبضته على السلطة، ويضع بذلك نفسه في مكانة فوق القانون، معلنا ان كل الاحكام الصادرة من قبل المؤسسة الرئاسية ستكون محصنة أمام أي معاقبة قضائية. وهو القانون الذي اذا لم يتغير سيزيد من صلاحيات رئيس الجمهورية كثيرا. وقد شهدت إيران نمطا مماثلا لما يقوم به محمد مرسي اليوم، اذ تم فرض دستور جديد على الشعب الايراني بعد سقوط الشاه ووصول الخميني الى السلطة. وقد تفوقت في القانون الجديد ارادة الملالي على حكم القانون وتهاوت آمال الشعب الايراني في رمشة عين، وظهر نوع من النظام التيوقراطي في ايران. اذ حذر اية الله الخميني العلمانيين في ايران من ان الخروج على ما سماه النظام الالهي هو الخروج على الله وهذا هو الكفر نفسه".
ولا يعرف هل يفرض محمد مرسي، كآية الله الخميني، الشريعة كما يفسرها هو وأنصاره على الشعب أم لا، غير ان العديد من الناس يعتقدون ان ذلك سيتم في النهاية.
لم يكن أحد في ايران يتصور يوما ان يتربع على كرسي الرئاسة رجل دين يرتدي عمامة وجلبابا اعتادوا على رؤيته وهو يخطب من فوق المنبر. وحينما اعلن الخميني من منفاه الموقت في قرية "نوفل لو شاتو" بضواحي العاصمة الفرنسية باريس قبيل عودته الى ايران عام 1979 ان رجال الدين لا يطمعون بالسلطة ولايريدون ان يحكموا ايران وسيعودون الى موقعهم في المساجد والحسينيات بعد سقوط نظام الشاه صدقه كثيرون.
بعد اكثر من ثلاثة عقود على هذا التصريح حكم ايران ثلاثة رؤساء جمهورية من رجال الدين وهم علي خامنئي وهاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، ويوجد اليوم في ايران "معممون" ووعاظ ومرشدون دينيون في الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية يزيد عددهم عن امثالهم في المساجد.
وفي هذه الاثناء ومن أجل الحيلولة دون تكرار التاريخ، عاد الالوف من المحتجين المصريين إلى مركز ثورتهم أي ميدان التحرير المعروف كي يقنعوا مرسي بأن ينهي قبضته على السلطة.
وإذا كان محمد مرسي قد أشار ضمنيا إلى إمكان التراجع عن طلباته أمام النظام القضائي فإن مناصريه في جمعية صياغة الدستور لم يظهروا أي ليونة، وصدقوا على مسودة الدستور الجديد.
مهما تكن النتيجة فان نبرة كلام محمد مرسي اليوم في مصر اكثر إثارة للخوف مما كان يتفوه به اية الله الخميني في ايران. اذ دافع الرئيس الاسلامي لمصر في احد خطبه الاخيرة قائلا: "ارادة الله وارادة الشعب وضعتاني في مكانة ربان هذه السفينة".
وكان اية الله الخميني يستخدم غالبا مثل هذه العبارات. ومن المحتمل جداً ان العديد من المصريين الذين اجتمعوا في ميدان التحرير كالايرانيين الثوريين المعارضين للشاه لم يتصوروا ان يتدخل سياسيون تحت غطاء عباءة الدين يوما ما في نشاطهم السياسي، وان ادعاءات محمد مرسي والاسلاميين حول التأييدات الالهية وتمرير الدستور الجديد في مصر، تعد تحديا كبيرا امام القوى العلمانية في مصر كي تحول دون سقوط البلاد في ورطة نظام استبدادي تيوقراطي يماثل نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية".
إن المفهوم الاستبدادي للدولة يبقي متجذرا لدى بعض السياسيين بغض النظر عن الإيديولوجيات والدوافع المختلفة لدى أولئك الذين يحكمون من حين لآخر، ويستمر ذلك حتى اليوم، تحت حكم الإخوان المسلمين الذين يرون أن مشاكل مصر أخلاقية وليست بنيوية، ونظرتهم إلى السلطة إقصائية وليست تعددية.

وقود الحرب

بعض الأحداث تكون بمثابة فقاعة بسيطة ولكنها من حين لآخر ربما تكشف أمورا خطرة.
منذ بدأ تدخل حلف الناتو ضد ليبيا سنة 2011 تناقلت الأخبار والتقارير الدولية المختلفة عشرات المعطيات عن تهريب كميات هائلة من الأسلحة التي كانت في مخازن الجيش الليبي إلى دول الجوار ومنها مصر وتونس ومالي والنيجر وكيف تهدد هذه الأسلحة الاستقرار في تلك البلدان.
يوم السبن 8 ديسمبر 2012 نقلت وكالة الانباء الايطالية عن مصادر في الشرطة ومصادر قضائية انه تمت مصادرة أسلحة داخل مستوعبات في ميناء نابولي بجنوب ايطاليا وتم أيضا توقيف مصري.
ونقلت وكالة الأنباء الايطالية عن مصادر قضائية أن هذه الأسلحة كانت موضوعة في صناديق حديدية مرسلة إلى مصر داخل مستوعبات.
منذ سنة 2008 تكررت التقارير الإعلامية عن ضبط كميات هامة من الأسلحة وأجهزة التجسس وغيرها من وسائل خوض الحروب تهرب إلى مصر بمشاركة مصالح ومؤسسات إسرائيلية وأمريكية أساسا. مرت تلك المعطيات دون متابعات على الأقل علنية، ولكن قطع رقعة المؤامرة يمكن أن تكون ظاهرة.


[email protected]

عمر نجيب


عدد التعليقات (1 تعليق)

1

Close friends Can

http://bicyclereviewhq.com/blogs/viewstory/63315

Very interesting information!Perfect just what I was searching for!

2013/02/03 - 07:46
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات