غريب: إن لم تتكلّم اللغة الإيطالية فأنت ممنوع من التبرّع بالدّم بإيطاليا

غريب: إن لم تتكلّم اللغة الإيطالية فأنت ممنوع من التبرّع بالدّم بإيطاليا

أخبارنا المغربية

 

إيطاليا: محمد بدران

إنّها الجملة المدوّية التي صفعت بالأمس خدّ الجالية المغربية بالديّار الإيطالية بعد سلسلة متكاملة من الكراهية والتمييز والعنصرية، ابتدأت بحرمان البعض من الحصول على الجنسية بحجّة تشنّجه في علاقته مع زوجته أو لجهله للغة الإيطالية أو لأيّ سبب ثاني قادر على عرقلة هذا الحقّ الإنساني،الذي نصّت عليه كل الدساتير وأقرّته كلّ المواثيق والمعاهدات الدولية ،وصولا إلى المساس بالأشخاص والممتلكات والقائمة طويلة لا حصر لها في هذا المجال ولا يمكن حصرها في هذا المقال.

 

أمّا عمليات السجن والطرد فحدّث ولا حرج ولا يتحرّك لهذا الهمّ ساكن ولا يسري خبره على جريدة أو على  لسان مهما عظم وطال،بينما حين يقدم أي مهاجر على أيّ تصرّف فردي غير مسؤول تقوم الدنيا ومن فيها ولا تقعد وتتغيّر من حال غير مستقرّ إلى أقبح حال.

 

حادثة غريبة حزينة ومضحكة في آن واحد أثارت انتباهي وأنا أمرّ على ملفات جاليتنا بالمهجر مرور الكرام ،حدثت قبل أمس بمدينة( أنّون) بجهة (بورطو كروارو) شمال إيطاليا بإحدى المراكز الطبية أثناء حملة وطنية للتبرّع بالدم ،حيث رُفضت خلالها 7 نساء مغربيات من التطوّع بدمهنّ بحجّة أنّهن لا يتكلّمن اللغة الإيطالية، حسب ما صرّحت به طالبة مغربية كانت شاهد عيان ،عاشت جميع مراحل هذا الحدث .

 

حاولت هذه الأخيرة منذ البداية جاهدة من توصيل الرسالة النبيلة وتوضيح المهمّة التي قدمت النسوة من أجلها ،لكنّها لم تفلح في إقناع المسؤول عن عملية جمع الدم هذه ،والذي أصرّ على الرفض كونهنّ لا يتكلّمن اللغة الإيطالية .

شيء محيّر أذهلني ولم أستطع وأنا أكتب هذه السطور المتواضعة أن أفهم تصرّف هذا المسؤول الغير المسؤول،وأن أحاول على الأقل معرفة ماهي دوافعه وأسبابه حتّى يقدم على هذا الفعل اللاإنساني وهو يحسب على جهاز التطبيب والعلاج وأصحاب الأقمصة البيضاء التي لا تعرف لونا ولا تؤمن بعرق ولا تنحاز لجنس،بل تتعامل مع الإنسان كإنسان دون أيّ تدخّل أو أذنى اعتبار لجنسيته أو لدينه أو للغته.

 

فالسؤال المطروح هنا: إن كان هكذا يتعامل هذا الجهاز مع المتبرّعين الأصحّاء من المهاجرين الذين لا يتحدثون اللغة الإيطالية،فكيف سيتعامل مع من هم مرضى وفي حالات مستعجلة أو جدّ خطيرة.؟ ويبقى الجواب رهن من جرّب هذه المواقف المخزية ووقف على تلك الحالات المهملة.

 

على الأقلّ أنّه في هذه المرة كانت الأمور مختلفة بعض الشيء بوجود شاهد عيّان وثّق لقطة من هذه التصرّفات الحمقاء وأنار في تلك السماء الضبابية بعض تلك التجاوزات النكراء، التي يحاول الاعلام المحلّي جاهدا بكلّ  ثقله وسيطرته وانحيازه إلى إظهار فقط مساوئ المهاجرين، مع إغماض الطّرف عن محاسنهم والتحفّظ على مآسي التمييز والتظلّمات التي تلحق بهم وتلاحقهم لتمرّ الأمور في صمتها المعتاد وتبقى حبيسة السرّ والكتمان .

 

لم تكن المرّة الوحيدة التي تعاني فيها الجالية المغربية من تصرّفات بعض المتهوّرين المتعصّبين من الإيطاليين كهذه،إلاّ أنّه في هذه المرّة كان أشدّ ثقلا وأقسى إهانة على تلك الفئة من المهاجرين،وهنّ قادمات بنيّة التبرّع بدمهنّ بفكر التعايش والسماحة والتضامن المعهود على الشعب المغربي داخل وخارج الوطن.

لم تكن تلك النسوة تحلم بطردهن من ذلك المركز اللّعين وهنّ جئن متطوّعات للتصّدق بدمهنّ ، ليعدن من حيث أتين وهنّ يندبن حضّهن ويجرن وراءهن خيوط خيبة الأمل ومرارة الاقصاء والتمييز والكراهية.

 

كنّ يضنّن أن اللقاءات التي جمعتهنّ بالمركز الثقافي الإسلامي مع مسؤولين  ورؤساء مراكز ودور عبادة مسيحية وبوذية وإسلامية بفيرونا، ستقرّب وجهات النظر بين هذه الثقافات وستعمل سويّا لتفادي الاصطدام ونبذ العنف والعنصرية لمعتنقي هذه الديانات،بما فيها حملة التبرّع بالدّم لصالح المراكز والمستشفيات والصليب الأحمر وغيرهم من المنظمات العاملة في الحقل الطبّي.

 

دم كل البشر أحمر لا يختلف لونه من شخص إلى آخر كما صرّح السيد (سيلفانو فيلو) رئيس جمعية "أفيس" للمتطوّعين الإيطاليين للتبرّع بالدّم لمّا علم بالحادث، وقال: إنّ هذه الحملة لا تستثنى منها مدينة أنّون، التي تمتاز بالحضور الكبير للأجانب من أجناس وأعراق وديانات مختلفة،وجمعيتنا أشرفت على هذه الحملة منذ بدايتها لتحسيس المواطنين بدورنا الإنساني والتطوّعي  في خدمة الآخرين.

 

فنحن نتعب كثيرا لاجتياز الصعوبات والعقبات لإقناع الشباب بالتبرّع بالدّم، وقد سبق لنا أن دقّقنا في سلامة وملائمة دم النسوة اللواتي طُردن من المركز ، وهذا كافياً للسماح لهنّ بالتبرّع والتعاون دون إقصائهنّ بحجّة الخضوع إلى قاعدة تقيّد المانحين وتضيّق على تأمين الحصول على كتيب ،كلّه مصطلحات طبية صعبة على المواطن الإيطالي فكيف سيفهمها وسيتعامل على أساسها الأجانب.

 

و عقّب السيّد طانج بوشعيب مسؤول المركز الإسلامي "السّلام" على الحادث من جهة ثانية قائلا: الثقافة العربية والديانة الإسلامية تشجّع على التطوّع بالدّم لمساعدة المرضى والمحتاجين لهذه النعمة الإلهية التي لا تقدّر بثمن،فحتّى عاهل مملكتنا المغربية محمد السّادس يعتبر واحدا من المتبرّعين بالدّم (للجمعية المغربية للتبرّع بالدّم) والشبيهة بجمعية (أفيس الإيطالية).وهذا غير غريب عن ثقافة وهويّة المغاربة على مدى التاريخ، كما أتمنّى أن يكون حدثا عرضيا وليد ساعته فاقد الخلفية والدلالة، ونتيجة تصرّف غير مسؤول وليس شيئا آخر.

 

وأضاف في السيّاق ذاته : إنّ لقاءاتنا السّابقة مع باحثين وأخصّاء في أمراض السرطان والأورام ،دفعتنا إلى نشر التوعية والتحسيس بين صفوف جاليتنا المغربية حول الوقاية والعلاج من عدّة أمراض خبيثة مستعصية منها سرطان الثّدي.

الأمر الذي ساعد على تدفّق الأعداد الهائلة من النساء واللواتي خضعن بدورهنّ لفحوصات وقائية أبانت على استعدادهن وتجاوبهن مع هذه الحملة الكبيرة عربون اندماجهنّ المتكامل داخل النسيج المجتمعي الإيطالي، وهذا شيء جميل ومشرّف.

 

كما أنهى كلمته مضيفا: إنّ عملية رفض هؤلاء المتبرّعات بالدّم شيء مذموم ومرفوض لأنّه أطاح بكلّ جهودنا من أجل نبذ التفرقة والتمييز بين الإيطاليين والمهاجرين،في حين نحن نعمل ليلا نهارا على نشر ثقافة تقبّل الآخر في الشارع وفي الروض والمدرسة ،في الثانوية وفي الجامعة حتى يكون صورة ملوّنة بجميع الألوان والأعراق والأجناس لا فرق بينها وبين الشعب الإيطالي.

 

 على أيّ اندماج يتحدثون وعلى أيّ تضامن وتسامح وتعايش سلمي يعتمدون، إن كانت عقلية اليمين المتطرّف وترسيخ العنصرية في عقول كبار السنّ والشباب وصولا إلى الأطفال، لا تفارق أي بيت ولا تترك أي فكر مهما اختلفت في ذلك كل العقلية الإيطالية التي ما تزال تعتبر الجالية المسلمة غازية، يجب محاربتها واستئصالها وطردها من حيث أتت،بما في ذلك الأطفال الذين ازدادوا وشبّوا وترعرعوا بتلك الديّار والذين لهم الحقّ أن يتمتّعوا بحقوق المواطنة كما يجري في كلّ بقاع العالم .

 

في حين فئة كبيرة من هذا الشعب لا تتقبّل الآخر وحتى وإن تقبّلته لأسباب اقتصادية في يوم من الأيام، فهي لم ولن تتقبّل أبدا جذوره وهويّته وديانته كما أصبح واضحا للعيان، وهذا ما زاد الطين بلّة خاصّة في وقت الأزمة الحالية التي لا تبشّر أيّ دراسة لحدّ الآن بانقشاعها وبإعادة الاقتصاد الايطالي إلى سابق عهده،وردّ الأسر الإيطالية إلى زمن كانت فيه الأغلبية تتمتع ببحبوحة العيش والذي دفن مند دفنت عملتها الليرة في مقبرة العملة الأوروبية الموحّدة الأورو. 

 

لماذا إذن هذه الكراهية بحقّ هؤلاء الغرباء؟ ولماذا هذا الخلط في المفاهيم والحقد الدفين، والملايين من الإيطاليين لا يزالون يغزون دول العالم منذ القديم بحثا عن لقمة عيش في بلد غريب، ما هذه المفارقة المدهشة وما هذا المنطق المعوج والتناقض العجيب ؟.


 

 

 


عدد التعليقات (2 تعليق)

1

مجهول

مجهول

أريد إسم ضحى

2014/02/24 - 03:54
2

امنة

اللرع بالدم فب ابطاليا

السلام عليكم ورحمة الله بركاته ، سبق لي ان تبرعت باادم ولم يسالني احد هل اتقن اللغة البطالية ام لا ، صدقون هذه هي الحقيقة بل يستفسرون ان كان المتبرع يعاني من اي مرض او انه يتناول ادوبة معينة.

2014/10/17 - 08:10
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات