المغضوب عليهم و الضالون

المغضوب عليهم و الضالون

 

عمر زيادي

عندما تحركت شوارع تونس ومصر في البداية كان من سماتها العفوية و الصدق والشعبية. فلم تكن إذاك دوافع سياسية ولا أفكار مبيتة ولا برامج مسبقة, بل كان المواطن العادي محركا لها بكل تلقائية لأنه ضاق ذرعا من الفقر والحرمان والتهميش والكذب و عانى زمنا طويلا من الظلم و القمع و قسوة الانتظار و تواطؤ الأحزاب و النقابات والوزارات و الأشخاص حتى أصبح العيش الكريم ضربا من الخيال والحرية أملا مستحيلا .ولشدة ذهولها ظلت الأحزاب تتفرج و تنتظر خجولة من عجزها و مكرها ومتحسرة على انكشاف حقيقتها و زوال ألوانها وشعاراتها وخطاباتها ورموزها.

لكنها كالذئب المنهزم تداركت الموقف وعرفت كيف تتخلص من الهزيمة لتحولها إلى نصر فانقضت بمكر ودهاء على صوت الشعب البريء ورفعت أعلاما جديدة للتمويه كتبت عليها شعارات ورموز وخطابات منقحة تساير الركب فنهبت أفكار الشباب وسلبته نشوة التغيير الطبيعي الذي كان يطمح إليه و أصبحت بقدرة قادر في الواجهة الكبرى للأحداث. وبدل أن يتحقق الحلم الكبير ويحصل التغيير الشامل المنشود فشل المشروع و مات في مهده وتعثر الإصلاح و تعب الشباب فتركوا اللعبة للكبار الذين عادوا لعاداتهم القديمة وأهملوا مطالب الناس الأساسية ألا وهي العدل و الشغل و تقارب المسافات بين الطبقات و التعويضات.و كرروا نفس الكلمات: انتظروا...سوف...نحن نعمل على...وكأن الشعب هو الذي يجب عليه أن يصبر وينتظر في حين هم يتلقون رواتبهم كاملة منذ أول وهلة؟

هكذا تقريبا كانت الصورة بالمغرب.

عندما تحركت 20 فبراير, تنفس الناس الصعداء، و هبوا معها بروح ومعنوية مرتفعة لأنهم ظنوا فيها صوت الشعب الخالص الذي لا يشوبه تصنع ولا مراوغة ولا نفاق و اعتقدوا أنهم تخلصوا أخيرا من عبث الخطابات و مهزلة الوعود و أكذوبة البرامج. لكن سرعان ما تجلت الغيوم عن سماء الحقيقة و ذاب الحلم كالجليد حين هوت الحركة بين أحضان أحزاب غضب عليها التاريخ و الناس لأنها نأت بأفكارها عن تطلعاتهم وأحلامهم البسيطة ولأنها لا تختلف عن غيرها بل هي وجهان لعملة واحدة و إذا بالحركة تصبح مثل الغراب الذي نسي طريقة مشيه ولم يتعلم طريقة مشي غيره وبذلك ضلت طريقها و تاهت بين أجندة تلك الأحزاب فانسحب الناس خائبين مقتنعين بجمود الحركة و سذاجة مؤطريها و أدركوا أن الأمل في حكمة ملك البلاد وتبصره و أن الأمان في التعاون معه لأنه الوحيد الذي يخدم شعبه بصدق وتحد و دون هوادة، فيعمل ما أمكن لأجله، ولو كان كل من بحوله يصدقونه و يعتبرون مصلحة الوطن و المواطن فوق كل اعتبار لانعدمت البطالة و تحسن التعليم وعولج المرضى و خلت الشوارع من المتسولين.

 

 

عدد التعليقات (2 تعليق)

1

نورالدين

بسم الله الرحمان الرحيم أحسنت أخي الحديث عن الوضع العربي و الوطني. فحركة 20 فبراير لم يكن أساس همها التفكير في مصالح الوطن لذلك لم يبارك الله خطاها من هنا ندعو كافة القائمين على رأس مؤسسات الدولة الإخلاص في العمل من أجل الوطن , كل من موقعه مهما كان صغيرا أو كبيرا هم الوطن كبير جدا فلا يجب علينا أن نترك الحمل على صاحب الجلالة بل يجب علينا أن نحمل معه شقا لنتعاون أدعو الله خالصا تأييد كل من يخدم الوطن بإخلاص. عاش المــــــــغـــــــرب بلدي الحبــــــــــــب

2011/10/20 - 03:06
2

مغربية حرة

لم تنعم عيناي يوما بمقال سهل القراءة و لا سهل الفهم إلا بعد إطلاعي على كلماتك ، ففقد أجملت أخي الكريم معاناة الشعب العربي بصورة سلسة في متناول الجميع ، و أعطيت فكرة واضحة عن حركة شباب 20 فبراير التي لم أعترف بوجودها اصلا ليس لكونها لم تكن لها مطالب مشروعة ؟ و إنما لا وعي لمؤطريها و لا للمنساقين وراء هذا اللواء بمغزى هذه الحركة التي دس فيها بعض الماكرين رغبات نرجسية و سياسات إديولوجية تخدم مصالهم الخاصة و ليس مصالح الجماهير الشعبية .....

2011/10/21 - 04:21
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة