أشياء عن كتامة و أناسها
عبدالسلام المساتي
جبال اتخذت لون البياض تمردا على سواد أرادته الدولة ، كان المنظر أقرب إلى مشهد مستورد من القطب الشمالي المتجمد ،غابت الدببة البيضاء وحضر ثعلب لم تستطع الجبال أن تتأوه صرخاته ! تمردت الجبال على الواقع و أبت أن تبقى شامخة بلون السواد حيث يحسبها الناس قاتلة ،أقسمت هي على أن تجبرهم على حبها و تغيير نظرتهم السوداء..
سئمت هذه الجبال صمتها ،سئمت ثرثرة أناس يحاولون عبثا أن يصنعوا لأنفسهم حياة الثراء والرفاهية دون أدنى انتباه لمن ولما يحيط بهم !جشع لا ؟أفهمه ولا تفهمه هذه الجبال المكسية ثلجا ،و كأن الحياة طريق دون منتهى ..وكأن الحياة طريق دون منتهى ،وكأنهم و حدهم من يتواجدون بين جدران هذا العالم ،وكأن المقابر سراب لا يرونها ،وكأن الحياة لحن سرمدي يدب في أذانهم عند كل حين..هي أشياء لا يفهمها إلا الشوامخ ،سمو الأشياء ،سمو الإنسان ،سمو كل الأحياء..سمو هذه الجبال البيضاء..سمو لا يفهمه سكان هذا المكان وكأن لعنة الماضي مازالت تلاحقهم..
تلك الرصاصة الغادرة التي أصابت ظهر ذاك الطيب ما يزال صداها يدب بين سفوح هذه الجبال..هذه المياه والسيول الجارية بين هذه الساقية لم تنس "با حمو" الذي ابتلع الدليل الوحيد لينعم هؤلاء و أنعم أنا بهذا الخير و هذا الجمال..نحن لم نقدر تضحيته فأصابتنا اللعنة ؟؟! أم أنها لعنة ذاك المراكشي الذي أتانا مستغيثا فأرسلناه إلى الجبل ليعيش وحيدا بين جدران مصنوعة من زنك و قصدير،بين صخور قاسية و صوت ذئاب جائعة؟؟
لعنة من هي؟؟؟
أتذكر ذاك الغريب الهرم أخذ مسكنا من خلف المدرسة الابتدائية هناك، عاش وحيدا لسنوات،قالوا لي أن اسم أمه "رحمة"، كنت أراه مرتين في اليوم وهو يتجه لملء قنينته الصفراء بالماء من بئر يتواجد وسط الجامع..كنت أستغرب و أنا طفل لم أتجاوز التاسعة ،أليس له أبناء؟؟لماذا أتى إلى بلدتنا ؟؟هل يشرب فقط؟؟مات وحيدا قبل أن يجيبني على أسئلتي..وجدوه ميتا بمسكنه بعد أيام...ربما هي لعنته إذن؟!
لست أدري لعنة من هي، وليس للجبال التي اكتست بياضا أن تتكلم لتخبرني عن اللعنة..أي شيء أصابني و أصاب هؤلاء الكتاميين فصرنا نعشق الثرثرة ونصمت عن الحق خوفا من الدولة؟؟صرنا وصوليين ،أنانيين،متكبرين،فخورين مختالين،والحقيقة أننا سراب، وهم ،أضعف البشر،أسوء الناس..
نحن الكتاميين لا تجد بيننا متواضعا،ولا عالما ولا مثقفا..فقط ندعي المعرفة والثقافة والحال أن لعنة الجهل أصابتنا و لعنة التكبر سكنتنا منذ أن مات "با حمو"..ولم نقدر تضحيته