التطوع المؤسسي، والحراك الجماعي المنظم
طارق بوستا
لا شك أن الانتظام الاجتماعي للإنسان في التاريخ قد عرف أشكالا ومظاهر عدة ومختلفة، تنسجم وطبيعة المرحلة المحكومة بظروفها وقوانينها وأعرافها خاصة، والمنضبطة للمستوى الثقافي والفكري السائد، والتي تنضج معها آليات الإبداع الجماعي والتطوير الهيكلي المجتمعي. والناضر لأحوال العالم اليوم، وبعد عقود تطورت فيها أفكار وتصورات دول عدة، طورت أنماط عيشها، اعتمادا على أفكار وأدبيات هي مكسب للإنسانية جمعاء، يجد أن الدول الإسلامية لازالت تتخبط في تخلف حضاري رهيب، يجعلها ركينة مراتب متدنية في سلم التنمية البشرية . فالعمل الجماعي المؤسساتي والتطوع والتكافل والعمل المنظم، والمنضبط لقوانين دولية ومحلية ولآليات الإدارة الحديثة في التطوع وأفكار أخرى، هي الدعامات الأساسية المساهمة في تطوير المجتمعات، لما لها من آثار إيجابية وفاعلية في بناء المجتمع. مما يلزمنا بضرورة مواكبة الأشكال الحديثة في الانتظام الاجتماعي، خاصة في تدافعنا الخارجي في المجتمع، الذي لا يؤمن إلا بلغة المؤسسات القانونية، وإن لازال يعيش في تخلف لم يبارحه مقارنة بدول أخرى.
فالهيئات الغير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني من جمعيات أو ودادياتأو ما شئنا من المسميات التي تؤطرها قوانين وظهائر تضفي عليها صبغة مجتمعية تلزمها بحقوق و واجبات، هي الأكثر وقعا ونفعا من العمل التطوعي الفردي، وأكثر تنظيماً وتألقا من العمل الجماعي الغير مؤطر، وأوسع تأثيراً في الحي والمجتمع. فلميعداليوممجالٌ للنزاع، علىأنالعملالمؤسساتي المضبوط بقوانين و تشريعات يمتاز عن باقي أشكال الانتظام الإنساني القديم والحديث بالدقة في العمل وقوة الفعل و التأثير في المجتمع ، وهذا ما أفضت له دول عديدة عملت على تقوية ترسانة رأس مالها الاجتماعي بدعم و تمويل المنظمات و المؤسسات التطوعية و الجمعيات الخيرية و تنظيم مجال اشتغالها كي تضطلع بأدوار مساهمة في تنمية قطاعها الثالث المدعم للدولة وللقطاع الخاص.
بل أضحى مسلما على أن ثقافة العمل التطوعي المؤسساتي هو معيار تقدم أو تخلف الدول، حسب تجدر الفكرة وقيم التطوع في أوساط الناس من عدمه.فغياب الفكر المؤسسي هو من أهم أسباب تعثر التنمية بمفهومها الشامل في دولنا العربية والإسلامية.تعثرله تبعات سلبية في كل المجالات الأخرى التي لن تجدي لها المشاريع والبرامج الحكومية نفعا، إن كف المواطن يده عن التطوع في المجتمع ولم يشارك في تشييده وبنائه.
لذلك ففي اعتقادنا على أن التحدي الراهن الذي يلزم كل الفاعلين الميدانيين على استيعابه بداية، ثم التعبئة له، هو كيفية الانتقال من العمل التطوعي الفرداني أو العمل الجماعي الغير مؤطر، إلى عمل تطوعي مؤسسي، في إطار جمعيات ومنظمات قانونية، تحتكم في فعلها وتسييرها وإدارتها إلى قواعد التشاور وعلوم التدبير. فتنظيم التطوع في إطار مؤسسي يعد من بين الوسائل الكفيلة بنهوض الأمة العربية الإسلامية من سباتها ودركات تخلفها، بفعل عوامل التحريض والتحفيز والتعبئة الجماعية التي تواكب عمل التنظيمات المجتمعية ، وبفعل المشاركة الجماعية للناس في الأعمال التطوعية ، تنظيما وتأطيرا، ثم الإشراك الموجه للفئات السلبية في المجتمع، في أعمال تنموية وتوعوية وتأطيرية، تعينهم على كسب آليات التفاعل الجماعي، في تلقائية وبإرادة فاعلة، حتى تعم هذه الروح كل نواحي الحياة الاجتماعية للأمة، ويشتد عودها، فتصير خصال البذل والتطوع أصل التحرك النشيط للفرد وأصل الحراك الجماعي للأمة الموعودة بغد التمكين، إن هي نهضت وشمرت ولبت نداء الحكمة في نهوضها وجعلت من التطوع المؤسسي علامة بارزة في سلم أولوياتها.