الوطن العربي : الديمقراطية أو ...الطوفان !!

الوطن العربي : الديمقراطية  أو ...الطوفان !!

 

الأستاذ : الصادق بنعلال

توطئة "لابد منها" :

و أنا أتصفح بعض المقالات التي خصصتها لاستقراء ظاهرة الحراك الشعبي العربي الذي انطلق مع الثورة التونسية ، ليشمل العديد من "الأنظمة" الشائخة منقضية الصلاحية ، أفاجأ بمقالة صحفية كتبت في يوم اندلاع الثورة الليبية المظفرة (17-02-2011) ، و لأهميتها التاريخية و الرمزية ارتأيت إعادة نشرها مع بعض التحويرات التقنية!

1 -  انتفاضة كرامة :

يعيش العالم العربي راهنا وضعا سياسيا غير مسبوق بكل المقاييس .فبعد أن أجمع كبار المعنيين بقضايا الأمة العربية على تكلس الشارع ، و استكانة المواطنين و استسلامهم للأمر الواقع ، انطلاقا من " إيمانهم " بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، بل إن البعض الآخر أقر بوفاة العرب و لم يتبق سوى " الإعلان " عن هذا الموت ، على إثر ما عايشته المجتمعات العربية من هزائم و ويلات عسكرية و حضارية  تململ الجسد من جديد ، ممثلا في شباب عاش ثورة معلوماتية و اختبر بنجاح تقنيات التواصل الاجتماعي الافتراضي ، أملا في رؤية الضوء في نهاية النفق العربي المظلم ، خاصة و أن المؤسسات العربية الرسمية حققت نجاحا باهرا في حرمان المواطن العربي من أبسط حقوق المواطنة ، و جعله يئن تحت وطأة الإقصاء و التهميش و الفقر المادي و المعنوي ، مما حدا به إلى ركوب قوارب الموت و ما بعد " الموت " عسى أن يعثر على قدر يسير من الكرامة . لم يعد و لن يعود الشباب العربي للاستماع إلى الأسطوانة المشروخة : لا شيء يعلو فوق صوت المعركة – تأجيل الانتقال إلى البناء الديمقراطي إلى حين تصفية القضايا القومية " الكبرى " .. إن الشباب العربي الراهن عقد العزم على وضع حد للأصولية الدولتية ،  و تغول الأنظمة الحاكمة و على مواجهة أنماط سياسية مهترئة  و زعامات غارقة في أمراضها الفيزيائية  و الماورائية ، كانت سببا محرقيا في تفاقم الاحتقانات الداخلية و الخارجية ، و نشر النعرات العرقية و الدينية و الفوارق الاجتماعية المدوية ، و تعميق بؤر الفساد و نهب الثروات .

2 -  القطع مع أساليب الحكم البائدة :

لم تعد الغاية الأسمى للفاعلين السياسيين من شباب و مثقفين و أصحاب الضمائر الحية ، هي تغيير مسؤول بمسؤول آخر مهما علا أو دنا شأنه ، لقد أضحى ديدن هؤلاء هو إقامة أنظمة سياسية ذات مصداقية و مؤمنة بالمواثيق و القيم الإنسانية المتعارف عليها دوليا ، إنه من أوجب الواجبات في هذه المرحلة التاريخية المباركة غرس نظام سياسي ( ملكي – رئاسي – جمهوري .. )  مستند إلى دستور حداثي  تشارك في صياغته كل الأطراف المنضوية داخل المجتمع و دون إقصاء أو استئصال ، و في سياق استفتاء شعبي حر و نزيه لوضع حد لظاهرة الدساتير الممنوحة و المفروضة على رقاب الشعوب المضطهدة ، و أن يكون هناك فصل بالفعل و ليس بالقوة بين السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية ، و العمل الجاد من أجل تحقيق مطلب طالما حرم منه المواطن العربي ألا و هو الإعلام الورقي و الإلكتروني المستقل للمساهمة في تنظيف الممارسة السياسية العربية من مظاهر التزلف و صوغ قصائد المدح للزعيم " القائد المبجل المفدى " . و هكذا لا يمكن بالبت و المطلق أن نلتحق بركب الدول المتقدمة إلا بالقطع مع أساليب الحكم البائدة : أساليب الغطرسة و الاستبداد و الفساد بكل أصنافه ، و أوضح الطرق المؤدية إلى هذا المبتغى إنجاز إصلاحات بنيوية و صادقة و فعالة ،  دون ذلك ستكون ثورات تونس و مصرو ليبيا المباركة بداية سقوط أحجار الدومينو .

3 -  الديمقراطية ؛ نكون أو لا نكون :

و قد أعلنها صيحة مدوية منذ (1992 ) منظر العقلانية العربية المرحوم الفيلسوف محمد عابد الجابري في كتابه : وجهة نظر .. حينما قال : " إن الديمقراطية في الوطن العربي ، هي اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة لا من أجل التقدم و حسب بل من أجل الحفاظ على الوجود العربي ذاته " . فهل نحن مستعدون للتضحية بالغالي و النفيس من أجل الدفاع عن الوجود العربي و كينونته ؟ هل نحن قادرون على تقرير مصيرنا و المشي قدما نحو إرساء دولة الحق و القانون ؟ هل نحن متأهبون لزرع بذور الوحدة و التضامن و العدل و الحرية ؟ .. لعل الدماء الزكية لشباب تونس و مصرو ليبيا و اليمن و سوريا ..  و غيرها من الدول العربية من شأنها أن تعلن عودة العرب مجددا إلى مسرح التاريخ و أن تشرق شمسهم بعد ظلام حالك السواد . 

باحث في قضايا الفكر و السياسة

[email protected]

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة