الإعلام والمجتمع المدني أية علاقة ؟؟
عبد السلام أقصو
المجتمعات الحديثة ، لا تقوم إلا على ثلاث مرتكزات أساسية ، قضاء مستقل و نزيه ، صحافة حرة و مستقلة ، و مجتمع مدني قوي و فعال ، ولقد أشار المغفور له الحسن الثاني إشارة واضحة إلى الدور الأساسي الذي يضطلع به الإعلام في التنمية الاجتماعية و قيام دولة ذات أسس ديمقراطية ، بقولته الشهيرة " لا تنمية بدون إعلام " ، وتدخل في هذا الإطار كل المؤسسات الإعلامية المسموعة و المرئية و المقروءة الورقية منها و الإلكترونية ، فهل يمكن القول أن إعلامنا الوطني بكل أشكاله يسهم في التنمية الاجتماعية السليمة ؟؟
لعل الأصل في العلاقة بين الإعلام و المجتمع المدني، هي علاقة ترابط و تكامل، فلكي يكون لدينا مجتمع مدني قوي و منسجم ، فإنه يحتاج إلى صحافة حرة و مستقلة تنشر كل أفكاره و تصوراته و حراكه بين كل شرائح المجتمع ، كما أن الإعلامي هو الآخر بحاجة إلى مجتمع مدني فعال ، يمده بالأفكار و الآراء ومشاكل ، و بالتالي تصير وسائل الإعلام بمجملها أدوات في خدمة المجتمع ، ووسيلة من وسائل المراقبة والنقد ، وقوى فاعلة في ضمان التوازن داخل الحركة السياسية والاجتماعية.
يعمل المجتمع المدني بكل مكوناته "منظمات و جمعيات و أحزاب سياسية "، على إعطاء قاعدة شاملة لتأطير الأفراد و الجماعات و تنظيمها وخلق فضاء طبيعي لتنمية قدرات و كفاءات المجتمع بعيدا عن التسلط و القمع ، وزرع قيم الثقافة المدنية في إطار المبدأ الأخلاقي ، والحرية المشتركة ، ومن هذا المنطلق فالمواد الإعلامية ، يجب أن تعكس هموم المجتمع المدني و تطلعاته ، و تنشر ثقافته وعاداته و تقاليده وقيمه الأخلاقية ، وهذه العملية أيضا تحتاج منا مؤسسات إعلامية قوية و فعالة ، تؤمن بمبدأ الحرية ، وليس هدفها الوحيد العمل لفائدة أصحاب النفوذ و النقود ، أو الركض وراء الربح السريع و الإعلانات .
ومما لا شك فيه أن للإعلام دورا في التوعية و التعبئة و المتابعة و الرصد و التنظيم ، والعمل على تنمية الثقافة المدنية و نشرها و تقويتها ، و كبح كل أشكال التطرف و الإقصاء و التهميش و الظلم ، ويرى بعض النقاد و الباحثين في هذا الباب، أن ضعف أداء وسائل الإعلام في المجتمع يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف المجتمع المدني، كقوى فاعلة في التأطير الفعلي للمجتمع، انطلاقا من مبدأ أن الإعلام هو المرآة العاكسة للوسط الاجتماعي و السياسي و الثقافي و الاقتصادي الذي يوجد فيه و يتفاعل معه فإذا كان المجتمع المدني ضعيفا فهذا ينعكس سلبا على أداء المؤسسات الإعلامية في المجتمع ، و لا نستغرب إطلاقا من وضعية المشهد الإعلامي ببلادنا، خصوصا في مناطق المغرب العميق ، المعروفة بعزلتها التامة عن محيطها الخارجي ، بما في ذلك تواصلها مع المؤسسات الإعلامية التي تعمل على جرد كل مشاكلها و معاناتها ، و بالتالي الدفاع عنها بإبلاغها و إيصالها إلى نقط القرار .
هذا ما وجدنا عليه آباءنا ، جملة تبين نمط التربية الذي كانت تعتمده الأسر القديمة ، بإتباع تعاليم الآباء و الأجداد و التقاليد ، هي أمور غير من وقعها الإعلام فأصبح الطفل و المراهق و الشاب ، يتابع قنوات الإذاعات لمدة أطول ، يكتسب منها ثقافات و عادات بعيدة كل البعد عما يعيش عليه ، بل و صارت تأثر فيهم و تتحكم في سلوكياتهم ، خصوصا فيما يتعلق بالأفكار المنحرفة، (شغب الملاعب مثلا ).
إن مجتمعنا اليوم بحاجة ماسة إلى تربية إعلامية سليمة ، تعمل على ترسيخ قيم المواطنة الحق ،و تثقيف الناشئة ، وإكسابهم آليات التفاعل مع العولمة و تعبئة الشباب لمواكبة الوقائع و الأحداث، ومساعدتهم على إدراك حقوقهم وواجباتهم و مواجهة الشائعات و التضليل و محاربة الانحرافات الفكرية، كما للتربية الإعلامية دورا بارزا في إكساب النشء الثقافة الاجتماعية النقية و مهارات النقد و التحليل، التي تساعد على الاتصال و التواصل الفعال ، في عصر التكنولوجيا و التواصل ، والوسائل الحديثة ، حيث بات من اللازم التسريع بإدخال الثقافة الإعلامية في المؤسسات التعليمية ، وزرعها في المجتمع المدني ، عن طريق توفير برامج تدريبية خاصة بالإعلاميين لتمكينهم من أداء دورهم الرقابي تجاه الحكومة و المجالس المحلية .
يجب أيضا تغيير نقط القرار أو السلطة نظرتها تجاه الصحافة باعتبارها أداة لتعبئة الجماهير لصالحها، وهي بذلك تنظر إلى الصحافي كشخص ينبغي عليه أن يكيل لها المدح و التسبيح ، وعكس ذلك هو الصحيح ، حيث يجب عليها دعم الإعلامي و تمتيعه بمزيد من الحرية ، حتى يقوم بدوره كاملا في التوجيه و التأطير.