التقويم التربوي و الإصلاح البيداغوجي المنشود
خالد أوعبو
عندما تطرح قضية إصلاح التعليم العمومي ويثار نقاش حول تشخيص الوضع التعليمي المغربي سواء على شرف الأبراج العاجية، أو في صالونات النقاشات السياسية الجادة أو الترفية، أو في جلسات الممارسين للشأن التعليمي بقاعات الأساتذة، أو في جلسات المقاهي "الثقافية"، لا تخرج نتائج التشخيص على أن أسباب تردي الأوضاع التعليمية راجعة أساسا إلى:
- ضعف التكوين بجميع مراتبه: الأساسي والمستمر وأثره على الممارسة التربوية ومن ثم على التحصيل التربوي.
- غياب الوسائل وضعف البنيات التحتية.
- غياب التحفيزات المادية والمعنوية.
فما نسبة مساهمة التقويم التربوي في تدهور النظام التعليمي المغربي؟
يتعامل جل رجال التعليم بمختلف مستوياته مع التقويم التربوي باعتباره إجراء روتينيا يستهدف الحصول على تقييم يعكس مستوى المتعلم ويترجم إلى نقطة تدون في سجل دفتر المراقبة المستمرة. وجل هؤلاء لا يعون الغاية والمقصد منه. كما أن أطر هيئة المراقبة التربوية، في زياراتهم لمراقبة عمل هيئة التدريس لا يولونه اهتماما كما لو أنه مجرد ترف بيداغوجي أو كونه لا يعدو عملا تقنيا مرتبطا بكفايات المدرس التكنولوجية من توضيب الأسئلة على ورقة الامتحان أو إدخال النقط في شبكة إلكترونية. والأدهى من ذلك، لو سألنا أي رجل تعليم عن مفهوم التقويم وعناصره وأدواره ، سيجيبك بطلاقة وبدقة جوابا لا يحيد عن الصواب قيد أنملة، لأن المعرفة البيداغوجية لا تعزو رجال التعليم بل يفتقدون للممارسة البيداغوجية، وشتان بين الإثنين.
إن التقويم التربوي في مدارسنا لم ينل حظه من العناية والاهتمام في جميع الأسلاك التعليمية، كما لم تفهم الحكمة منه ليس من طرف الأساتذة فحسب بل حتى من قبل واضعي المنهاج أنفسهم.
فإذا كان التقويم بحسب الأدبيات التربوية يستهدف ترسيخ مجموعة من القيم من قبيل:
- العدل: من خلال سلوكات تعكس قيم النزاهة والموضوعية والمصداقية والحد من الأحكام المسبقة.
- المساواة: من خلال مراعاة مبدأ تكافؤ الفرص وعدم التمييز.
وإن كانت من بين وظائفه: توجيه التعلم، عن طريق تشخيص وضبط ومعالجة الصعوبات، وبالتالي إرساء التعلمات الجديدة على أسس ثابثة ومتينة، وتعزيز الثقة بالنفس عند المتعلم، وإدماج الاستقلالية لدى المتعلم.
فإن الممارسة البيداغوجية الراهنة في مجال التقويم (خاصة في التعليم الابتدائي) تكرس الإقصاء والتهميش، وإعطاء الأحكام القيمة، إما من الأساتذة أنفسهم أو من التلاميذ تجاه زملائهم. فالتلميذ لا تعدو أن تكون قيمته تتراوح بين 0 و 20 ، وبالتالي فموقعه داخل جماعة الفصل يتحدد بعلاماته المحصلة. والمدرسة الحضن الثاني للطفل مطالبة بالتفكير بجد في خيارات على مستوى التقويم تطور الأداء بدل الخيارات الراهنة التي تكرس الإقصاء الذي ينتج عنه التكرار والرسوب والانقطاع، ويكرس كذلك الطبقية والتنافر في مجتمع من المفترض أن يسعى ما أمكن إلى الانسجام ألا وهو مجتمع الفصل الدراسي.
يتحدد دور المدرسة الابتدائية في إنماء وترسيخ الكفايات الأساسية، وبالتالي فدور التقويم لا يجب أن ينحصر في التقييم والامتحان والنقطة والمراقبة المستمرة، وهي مفاهيم بمجرد سماعها قد يحصل للمتعلم اضطرابا نفسيا قد تضطر بعضهم لطلب العلاج عند الأخصائيين النفسانيين.
يرتبط القويم التربوي بالدعم ارتباطا عضويا، فالأول مقدمة وسبب للثاني، كما تتحدد أهمية الدعم من خلال أهدافه التي تتجلى في تجاوز التعثرات والمعيقات التي لا يعتبر المتعلم بالضرورة سببا فيها،ويستند إلى مجموعة من المعايير منها معيار مجال الشخصية الذي يتوجه إليه الدعم:
- الدعم النفسي: يختص بالمتعلمين الذين يعانون صعوبات ومشاكل نفسية تعيق تعلماتهم التي تحيل دون تطوير المعارف والمهارات.
- الدعم الاجتماعي: مساعدة المتعلمين على تجاوز الصعوبات والمعيقات الاجتماعية التي تشكل عائقا لتنمية معارفهم.
- الدعم المعرفي والمنهجي: ينصب على المعلومات والمعارف ومنهجيات العمل المطلوب اكتسابها.
فما مدى حضور الدعم التربوي في التعليم الجامعي؟
ألا تنطبق هذه المعايير على الطلبة الجامعيين؟
هل يوجد طالب متعثر ليس في حاجة إلى أحد هذه الأنواع من الدعم إن لم نقل إلى ثلاثتها؟
أم أن الدعم البيداغوجي مرتبط أساسا بالتعليم المدرسي دون الجامعي؟
بل قد أكون أكثر جرأة في التساؤل عن موقع التقويم في المنظومة التربوية الجامعية، هل يستند إلى شروطه المسطرة في الأدبيات التربوية؟ وإلى الإطارات المرجعية الرسمية المحددة له؟ كأن يتصف بالصدق، بأن يقيس فعلا الأشياء التي وظف لقياسها، والثبات، ذلك أن أحكامه يجب أن تتسم بالاستمرارية النسبية، والموضوعية، من خلال عدم اعتبار الأحكام الذاتية، والقدرة التمييزية، في أن يكون دقيقا يميز بين مختلف درجات ما نريد قياسه.
إن تجربتي المتواضعة في مجال التدريس والدراسة، وبناء على اطلاعي على مجموعة من التجارب الدولية الرائدة في مجال التربية والتكوين، تجعلني أؤكد أن من بين المجالات الاستعجالية للإصلاح في منظومتنا التعليمية، مجال التقويم والدعم البيداغوجيين، وما مكانتهما داخل الوعاء الزمني للأنشطة التعليمية السنوية (10 أسابيع أي ثلث الحصص الدراسية السنوية) إلا دليل على ذلك.
غريب وطن
مكاينش مع من
لا تقل الكفاءات التربوية عندنا كما يعتقد البعض ولا تنعدم بحكم تجربتها وممارستها وتكوينها الذاتي والمستمر في الميدان. لكن القيود المطوقة حولها وانفراد المسؤولين الغير المؤهلين الذين صار شغلهم تنزيل القرارات الجوفاء، جعل من المنظومة التربوية ركام أوراق من التوجيهات والمذكرات الغير إجرائية والغير المفعلة لتحسين جودة التعليم ومردوديته. بل أثر ذلك على الواقع وجعل من المؤسسات التعليمية مدارسها وجامعاتها إسطبلات لتخريج جحافل من العاطلين والمخنعين العديمي المستوى والشخصية في أحسن الأحوال بانعدامهم القدرة على اتخاذ المبادرة والجرأة في ابتكار وإيجاد الحلول المناسبة لحل إشكاليات التعلم. فالمشكل أكبر من فهم التقويم والدعم التربوي كإجراء للرفع من مستوى التعليم. بل تم تبسيطه وتحويله لأداة قياس وتضخيم الأرقام في خدمة أغراض وتوجهات سياسية كلفت الدولة والشعب ميزانيات ضخمة وهدرا من الزمن كان ممكنا استغلالهم في تجهيز البنيات وتكوين لائق يرقى مرقى الدول المتقدمة. لكن للأسف، فالعكس هو الحاصل والمسؤلون لازالوا على حالهم في مناصبهم يصدرون المذكرات ويتحكمون في القرارات المفرغة وهكذا الأيام. فلم نكن بحاجة لتعليم خصوصي متميز لو توفرت الإرادة السياسية حينها. وكان التعليم العمومي في جميع المجالات سيتطور وينهض بالتنمية البشرية التي يطمحون. وكان المغرب سيكون بلدا متميزا بكامله. لكن عقلية النافع والغير النافع هي التي غلبت...والنتيجة ؟