المنطقة العربية وتساقط أوراق الربيع

المنطقة العربية وتساقط أوراق الربيع

رضوان قطبي

 

   انقضت أيام 2014 مخلفة وراءها وابلا من المظالم و الأزمات الإنسانية والانتهاكات الحقوقية بمختلف دول العالم، وخاصة في الوطن العربي. فقد تحولت المنطقة العربية وخاصة الشرق الأوسط إلى إقليم مأزوم بجميع المقاييس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإنسانية، إننا أمام إقليم مفعم بكثير من عوامل التوتر والاضطراب والانفجار المدمر الذي تتعدى تداعياته المنطقة العربية ليصيب لهيب نيرانها المحيط الإقليمي والدولي في بعده الجيوسياسي.                                                              

   يذهب عدد كبير من المحللين السياسيين والخبراء الاستراتيجيين  إلى أن الربيع العربي قد أحدث خلخلة كبيرة في البنية السياسية بالمنطقة العربية، لقد قلب  الموازين وغير الحسابات و أزال الحدود نتيجة توسع استخدام وسائل الإعلام والاتصال وخاصة إعلام الانترنيت. لكن مع بالغ الأسف٬ لم تكن مخرجات هذا الربيع في مستوى طموحات الشعوب العربية المعنية بهذه الدينامية الاجتماعية والتواقة لاستنشاق هواء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. فقد تم الالتفاف على مطالب و أهداف الربيع العربي من طرف القوى المناهضة للقيم الديمقراطية٬ فأصبحنا نشهد عملية تحول درامية من ربيع إلى خريف تتساقط فيه أوراق القيم الديمقراطية وحلم الحرية وحقوق الإنسان. و في هذا الإطار٬ يمكن الحديث عن أربع قضايا محورية تشكل قلب الأحداث ومحورها في المنطقة العربية.

1 - أزمة مزمنة في العراق

     من البديهي أن العراق يمر بفترة شديدة الخطورة والتعقيد٬ تهدد بنسف العملية السياسية برمتها إن تبقت هناك ملامح عملية سياسية أصلا. بل هناك من المحللين السياسيين من يذهب إلى التحذير من احتمال انهيار الدولة وتفكك المجتمع بشكل كلي٬ في ظل تبني القوى السياسية الممسكة بزمام الحكم والموالية لإيران ونظام الملالي لحزمة من السياسات الاستبدادية  والطائفية البغيضة بعيدا عن منطق الدولة الوطنية المستندة على الدستور والقانون. فمجمل الحساسيات و القوى السياسية الداعمة للنظام الحالي والحكومات المتعاقبة لا تعيش إلا لمصالحها وأطماعها الشخصية والطائفية وتحالفاتها الإقليمية٬ على حساب الشعب العراقي ومصالحه الوطنية. هذا العبث السياسي والاستهتار بمصالح الشعب٬ جعل العراق مرتعا للإرهاب والتطرف وعدم الاستقرار. فالإرهاب استشري وتغلغل داخل كل مكونات ومفاصل الدولة العراقية٬ مادامت قوى داخلية ودولية وإقليمية تستفيد من حالة الفوضى والاحتراب الأهلي وعدم الاستقرار وغياب مؤشرات الدولة الوطنية. وبدت تلوح في الأفق مؤشرات انهيار الدولة و احتدام العداوة بين شركاء الوطن.                                                                  

   واقع خطير يهدد بتمزيق العراق إلى دويلات متحاربة ومتصارعة فيما بينها٬ كما أن الوضع الحالي ساهم في تمدد الجارة إيران داخل المشهد السياسي العراقي حتى أصبحت هي المتحكم الفعلي في محددات اللعبة السياسية. أكثر من هذا٬ فإيران حاضرة اليوم بقوة داخل التراب العراقي بواسطة الميليشيات الشيعية الموالية لها تارة٬ وعن طريق القوات النظامية المتمثلة في الحرس  الثوري تارة أخرى.                                                                                                              

2- سوريا ولعبة خلط الأوراق 

      لقد دخلت الأزمة السورية عامها الخامس٬ واستمرت معها معاناة ملايين اللاجئين السوريين في أكبر أزمة إنسانية تعرفها البشرية في التاريخ المعاصر. فمعاناة السوريين تتفاقم يوما بعد يوم في ظل تجاهل دولي لحقيقة معاناتهم وضبابية المشهد السياسي والعسكري الذي يخيم على المنطقة. والحقيقة٬ أن الشعب السوري أضحى ساحة لممارسة لعبة التوازنات الجيوسياسية الإقليمية والدولية٬ في غياب تام لكل حس إنساني. فهل استمرار الأسد ونظامه الوحشي٬ أهم من الحفاظ على حياة الملايين وضمان استقرار المنطقة على المديين المتوسط والبعيد. بالطبع تختلف الإجابة الحقوقية والإنسانية المستندة على فلسفة الأخلاق و منظومة القيم٬ عن نظيرتها الجيوسياسية التي تخضع للعبة التوازنات والمصالح الاقتصادية والسياسية.                                                      

    فالمسألة السورية لم تعد مسألة وقت كما ذهب إلى ذلك بعض المحللين في بداية الأزمة٬ بل إنها مسألة صراع مستمر من أجل تحقيق أهداف استراتيجية وصياغة معادلات وتوازنات إقليمية ودولية حسب موازين القوى الحالية. كما أن الجهود التي تبذل في الوقت الحالي٬ بهدف الوصول إلى حلول وسط مقبولة من جميع الأطراف المعنية لتسوية الأزمة لن تثمر نتائج إيجابية على الأرجح في سوريا، لأن السياق الدولي والإقليمي لازال لم يحسم بعد في ملامح وطبيعة الحل السياسي المراد تثبيته وتسويقه في سوريا٬ خاصة مع توجه المنتظم الدولي نحو محاربة الجماعات المتطرفة والإرهابية دون محاربة من أدى لظهورها وتقويتها. حيث أن هناك مؤشرات تذهب إلى تحالف متين بين نظام الأسد وتنظيم الدولة٬ فكلاهما وجهان لعملة واحدة هي عملة العنف والقتل والإرهاب.                                                                                                      

 

3- صعود نجم الجماعات المتطرفة 

     المشكلة هنا٬ تكمن في أن تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في العراق والصراع المستمر في سوريا٬ وفرا بيئة خصبة لتصاعد العنف والاحتقان والتطرف المذهبي  والاقتتال الطائفي٬ بعد أن أصبحت  الدولة أسيرة في يد بعض التكوينات الطائفية التي تعتبر الدولة بمثابة ضيعة من ضياعها. إذ لم يعد خافيًا على أحد أن أحد أسباب اتساع نفوذ التنظيمات المتطرفة والجماعات الإرهابية٬  هو تزايد القتل على الهوية الطائفية والمذهبية، و تغول الميليشيات الشيعية على مؤسسات الدولة دون حسيب ولا رقيب. والنتيجة٬ كانت هي ظهور تنظيمات متطرفة وجماعات إرهابية تتصدر المشهد في كل من سوريا والعراق. فلا سبيل لمحاربة الإرهاب واستئصال شوكة التطرف٬ إلا بتكريس دولة الحق والقانون وتجريم كل أشكال التمييز الطائفي والمذهبي والديني٬ وحل جميع الميليشيات العسكرية وتعاون كل شركاء الوطن٬ أما الاقتصار على الحلول الأمنية والعسكرية فلن يحل المشكلة و إن حد منها مؤقتا.                                                                                                                                       

4- اليمن و الحوثيون

     وضعت المبادرة الخليجية حدا للاضطرابات التي عانى منها اليمن في خضم حراك شعبي طالب برحيل الرئيس علي عبد الله صالح. وهكذا٬ توافقت الأطراف السياسية اليمنية على مضامين وأسس المرحلة الانتقالية بقيادة الرئيس هادي. لكن الطموحات التوسعية والعقلية التمردية لجماعة أنصار الله ( أو الحوثيين)٬ عملت على إفشال مسلسل المرحلة الانتقالية بافتعال المشكلات الأمنية والسياسية تارة٬ وبالتملص من الاتفاقات والتفاهمات المبرمة مع الشركاء السياسيين تارة أخرى. بيد أن سقف طموحات الحوثيين٬ تجاوز كل التوقعات حيث انقلبت هذه الجماعة المرتبطة بإيران على كافة المؤسسات الدستورية٬ وسيطرت بقوة السلاح وتواطؤ أعداء الديمقراطية على كافة مفاصل الدولة وعلى العاصمة صنعاء رمز الدولة اليمنية. بالتأكيد٬ فإن سيطرت الحوثيين على اليمن  تؤشر على تغلغل إيران داخل مفاصل الدولة٬ وتنبئ بتراجع الدور العربي والخليجي خصوصا.                                         

   والخطير في الأمر٬ أن إيران تنتهج سياسة توسعية في المنطقة العربية اعتمادا على الأذرع العقائدية والدينية. لقد أصبحت إيران تتحرك في جغرافية سياسية شديدة الحساسية والتعقيد٬ لتساهم في رسم خريطة هذه الجغرافيا. و أكثر ما نخشاه٬ هو أن يرهن استقرار المنطقة العربية بالمصالح الاستراتيجية الإيرانية وبصراعها مع الغرب٬ وبطموحاتها التوسعية التي لم تعد تخفى على أي أحد.                                                                                                                                               

    وعليه٬ فإن الدول العربية مطالبة بهندسة سياسة عربية واضحة المعالم قادرة على حل الخلافات العربية العربية داخل إطار الجامعة العربية٬ وأن تقطع الطريق على كل الأدوار الدولية والإقليمية التي تعبث بمصالح الشعوب العربية مستغلة الخلافات السياسية والفكرية بين صناع القرار العرب. كما أن الأنظمة العربية٬ مطالبة بإدخال إصلاحات سياسية هيكلية تستجيب لتطلعات المواطنين وتعمل على تعزيز وتقوية الجبهات الداخلية العربية وتضمن الاستقرار في بعده الجيوسياسي.                                             


 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات