ماذا عن زواج القاصرات بالمغرب
عبد السلام أقصو
زواج القاصرات ، نقاش حاد بين كل الفصائل في المجتمع المغربي، خصوصا عند الجمعيات النسائية، والتي تطالب كلما أتيحت لها الفرصة، في لقاءاتها و مؤتمراتها ، الدولة المغربية ، بالتدخل العاجل للخروج بقانون يجرم زواج الفتيات دون سن الرشد، الذي حدده المشرع المغربي في ثمانية عشرة سنة .
إن الاختلاف الطبيعي و الثقافي للمغرب، جعل من العادات و التقاليد المغربية المتوارثة تعرف بالتنوع والاختلاف من منطقة إلى أخرى، الأمر الذي انعكس على طبيعة الأعراس المغربية، و طبعها بالتميز، الشيء الذي يثر دهشة الزوار الأجانب خصوصا في فترات الصيفية، المعروفة بكثرة إقبال المغاربة على إقامة أعراسهم فيها، و من خلال هذه الأعراس تنشأ الرغبة في خوض غمار التجربة ، خصوصا في صفوف الفتيات ، واللاتي يرغبن في «الفال»، ببعض الطقوس والعادات المتوارثة ، والتي تتم خلال العرس ، كجلوس الراغبة في الزواج مكان العروس في «العمارية».
لعل الظروف الاجتماعية و الاقتصادية تدخل بشكل أساسي ، في تزويج القاصرات ، خصوصا عند الأسر الفقيرة و المعوزة ، والتي لا تتوفر على أبسط شروط العيش الكريم ، «الصحة و التعليم» والتي تتمركز نسبة 91 بالمائة منها في الأطلس المتوسط و الكبير ، الأمر الذي يدفع الأسر إلى تزويج الفتيات في سن مبكرة ، رغبت منهم تخفيف العبء الأسري، وحفظ شرف بناتهم من الانتهاك والاغتصاب ، كما أن بعض البنات القاصرات ، يرغبن في قرارات أنفسهن في الزواج ، وبالتالي التخلص من روتين الحياة اليومية والمطبوعة في العالم القروي بالفراغ، وتكوين أسرة حسب الفكرة المتداولة ، «نولد وليدات يكبروا معايا».
وقد جاءت مدونة الأسرة الجديدة، بتشريعات قانونية، الهدف منها الحد من التجاوزات، المتعارف عليها، حيث نصت المادة 19 منها، على السن القانوني للزواج، والذي حددته في 18 سنة، إلا أن المدونة تحتوي على ثغرات قانونية ، الشيء الذي جعل من نسبة زواج القاصرات ترتفع من 35000 فتاة قاصر تزوجت سنة 2013 ، مقارنة مع تاريخ انطلاق المدونة 2004 التي بلغت خلالها 18000 حالة.
يأتي زواج الفاتحة ، في الرتبة الأولى إلى حين بلوغ الفتاة سن الرشد المحدد في 18 سنة ، وبالتالي يلجأ الأزواج إلى الاستفادة من «ثغرة قانونية» حسب اعتبار أهل الاختصاص ، عن طريق تطبيق المادة 16 من مدونة الأسرة ، بتطبيق مسطرة توثيق الزواج ، والتي أطلقتها الدولة المغربية من أجل توثيق حالات الزواج التي جاءت دون عقد زواج رسمي «الفاتحة»، الإجراء الذي مكن من حل العديد من الحالات (...)، لكن يستغلها البعض للزواج من القاصرات، بالإضافة إلى المادة 20 و 21 من مدونة الأسرة، والتي تعطي الحق والصلاحية للقاضي، في تزويج القاصرات، بموافقة النائب الشرعي و بتوقيعه على العقد.
فيما تبقى آثار زواج «الفاتحة» وخيمة، في حالة عدم توثيق الزواج، ووجود أبناء، ويزداد الأمر سوءا، إذا تم الطلاق، ليبقى الأبناء دون إثبات النسب إلى غير ذلك من المشاكل.
وترجع أسس رغبة جل المدافعين على تجريم تزويج القاصرات ، استنادا إلى التقارير الأممية التي تحذر من الزواج المبكر، حسب تقارير الطب النفسي الذي يؤكد على عدم أهلية الفتاة القاصر نفسيا و استعدادها للزواج ، كما يؤكد أطباء النساء و الوليد إلى أن غالبية الفتيات اللاتي يتزوجن في سن مبكر يصبن بنزيف، خصوصا في فترات الإنجاب ، كما تدافع ذات المنظمات و الجمعيات الحقوقية عن ضرورة إلغاء الفصلين 20 و 21 من مدونة الأسرة ، بإلغاء صلاحيات القاضي في تزويج القاصر، و بالتالي التمكن من سن قانون ، يجرم زواج القاصرات بصفة نهائية.
ومن الجهة الأخرى، يطرح المساندون لتزويج القاصرات تساؤل، ماذا حصل للأمهات المغربيات اللاتي تزوجن في سن مبكرة ؟؟ ، ألسن من تزوجن في سن مبكر في 16 و 17 و 18 سنة، و أنجبن وربين أجيالا ؟؟.
لا يختلف اثنان في أن المكان الطبيعي للفتاة القاصر دون سن الرشد هو بيت الأسرة والمدرسة، فضرورة العصر تحتم تكوين أجيالا من الشباب المثقف و الواعي، القادر على تكوين صرح مانع ضد كل انفلات نفسي و اجتماعي، وبالتالي القدرة على تكوين أسرة متماسكة، ومنه الحد من آفة الطلاق ، و عواقبه الوخيمة التي تؤثر سلبا على الأطفال في المستقبل ، لكن على الدولة المغربية توفير الآليات و الوسائل ، من توعية و تحسيس ، و توفير وتقريب المراكز الاجتماعية ، ودار الطالبة، ومدارس (الخرايف)، من مواطني المغرب العميق، للحد من ظاهرة تزويج القاصرات، فالتعليم يفتح أعين الفتيات و أحلامهن نحو المستقبل (التوظيف و الشغل )، وإن لم يكن يبقى الحلم الوحيد «ولد الناس يستر».