مكافحة الفساد،غزارة التشريع وضعف الأجرأة
عمر صديق
أضحى الحديث عن قضية الفساد أمرا محوريا في كل الخطابات الرسمية الوطنية وحتى الدولية، فهذا الورم الذي كبل الوطن ككل،وفرمل عجلات التنمية و التقدم نحو الأمام،وجعله مع الأسف متأخرا كل التصنيفات في سلم التنمية وحتى في مؤشر مرونة ممارسة الأنشطة التجارية،رغم كل المحاولات المادية والمعنوية،وكذلك انخراط البلاد ضمن اتفاقية مكافحة الفساد منذ 2005،لم يتم القضاء عليه أو حتى التقليص من رقعته، فهل صار الفساد بعبعا لا يمكن هزمه ؟
فمع الآسف،تعيش الدول النامية شتى أنواع الفساد لدرجة تغلغله في عمق الحياة الاقتصادية،مما يؤدي الى تمزيقها،والسبب يبقى معقدا حيث تختلط فيه الأخلاق،والتراتبية الاجتماعية،حيث يظل لذوي النفوذ سلطة تتعدى حدود القانون...كذلك الاعتبارات الشخصية هي سيدة المواقف متمثلة في السرقة و التهريب وحتى اقتصاد الريع ،ثم القصور الملاحظ في الأنظمة الرقابية و المحاسبتية،بالإضافة إلى الزبونية و المحسوبية والرشوة،وضعف الراتب مع غلاء المعيشة بالمقابل...،والأخطر من كل هذا أن أموالا طائلة تضيع على الدولة جراء التهرب الضريبي و الإعفاءات عن أداء بعض الرسوم،ولا ننسى الخوض في مشاريع وهمية ظلت حبرا على مع تخصيص ميزانيات مهمة لها،مما يهز الثقة العامة و يحد من تحقيق العدالة الاجتماعية و إعطاء إنطلاقة نوعية نحو النهوض بالبلاد والدفع بها إلى التقدم و الالتحاق بركب الدول التي عرفت قفزة نوعية في شتى ميادينها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
غير أن الرأي العام والشارع لم يكتف بالشجب والتنديد الشفهي،فقد نظم مسيرات واحتجاجات طالبت في كل مرة بمحاسبة ومساءلة كل المشتبه فيهم في قضايا الفساد،ناهيك أن ورش مكافحة الفساد أصبح شعارا انتخابيا،تتعهد من خلاله الحكومات المتتالية باستئصاله من أو على الأقل الحد من تبعاته،وكبوادر طموحة نحو مكافحة هذه الآفة المشينة،عملت الدولة على تكييف التشريعات المتعلقة بالتعاملات التجارية،للحد من استفحال الجرائم الاقتصادية،و بالموازاة تطوير كل سياسات الإصلاح في هذا النطاق،مع الدعوة إلى تخليق الحياة العامة و تجريم ظاهرة الرشوة،كذلك فرض سيادة القانون عبر تقديم المفسدين في مختلف قطاعات الدولة إلى العدالة كي تقول كلمتها تحت ركيزة ربط المسؤولية بالمحاسبة المنبثقة عن دستور 2011،ولا ننسى الدور الايجابي الذي يقوم به المجلس الأعلى للحسابات و مختلف الهيئات الرقابية في كشف المسؤولين بدقة عن الاختلالات المالية وتعثر المشاريع التنموية...
من هذا كله،فالانخراط في ورش مكافحة الفساد ليس إختياريا،بل واجب وطني يوازي الحفاظ على تماسك الدولة وضبط استقرارها،وما يدعو لهكذا محاكاة هو الأثر المأساوي الذي يخلفه-الفساد- وراءه أينما حل و ارتحل،قليل من الشجاعة و كثير من الحزم كافيان لصده،ويكفي الاعتبار مما يحصل لدى دول"الربيع العربي" التي ثارت ضد احتكار الثروة والتهميش وحتى الفساد.