تأثير الأجهزة الإلكترونية و الإنترنت على العقل البشري عند إجراء الأبحاث و الدراسات

يوسف الصفار

 

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة العقل و كرمنا على باقي مخلوقاته و الصلاة و السلام على سيدنا محمد صلوات ربي و سلامه عليه و بعد:

مما لا شك أن التقدم التكنولوجي يزدهر يوما بعد يوم - خصوصا في العقود الأخيرة - حيث ظهرت الحواسب و الهواتف الذكية و اللوحات الإلكترونية...، و كل هذه الأجهزة لها عدة إيجابيات و في نفس الوقت لها سلبيات كثيرة لم يلاحظها إلا القليل من أبناء جيلنا الصاعد.

و من هذه السلبيات نركز على تأثير الأجهزة الإلكترونية و الإنترنت على العقل البشري، فكيف ذلك؟

أولا نتحدث عن البقال أو التاجر على سبيل المثال، حيث اعتاد على استعمال الآلة الحاسبة لدرجة تجعله غير قادر على القيام ببعض العمليات السهلة، و يمكن أن نقول في حقه أنه يرغب في التأكد فحسب لأن العمليات المذكورة لها علاقة بالنقود أي قوته اليومي...، لكن الأمر يختلف إذا تكلمنا عن الطلبة المتخصصون في العلوم الرياضية أو الفيزيائية أو الاقتصادية حيث يجب عليهم أن يتمرنوا و يتدربوا على إنجاز العمليات و المعادلات دون استعمال هذه الآلة التي تعتبر الجد الأكبر لعائلة الحواسب، و على المسؤولين أيضا أن يمددوا مدة إنجاز الامتحانات مع الأخذ بعين الاعتبار نوع الأسئلة و مدى صعوبتها...

أما بالنسبة لعلوم اللغة بصفة عامة سواء العربية أو أي لغة أخرى، فقد أصبح الإنسان ينسى معاني الكلمات الصعبة لأنه كلما صادف كلمة لم يتمكن من فهمها فإنه يبحث عنها في الإنترنت بكل بساطة، أما في ما مضى فقد كان يبذل جهدا للبحث في الكتب و المراجع و الفهارس و عندما يتوصل إلى نتيجة بحثه فإنها ترسخ في ذاكرته، و نفس الشيء ينطبق على الترجمة من لغة إلى أخرى إذ تتم الاستعانة ببعض البرامج التي تقوم بالترجمة الحرفية التي أعتبرها خطر حقيقي يهدد فهم الباحث، فهذه البرامج ابتكروها لترجمة كلمة أو كلمتين أو جملة على أبعد تقدير و ليس لترجمة نص بأكمله.

لقد أصبح معظم الأشخاص ينسون كثيرا لأنهم اعتادوا على تسجيل التزاماتهم في هواتفهم أو حواسبهم النقالة، فميزة تسجيل المواعيد و الالتزامات جيدة جدا بفضلها يمكن تنظيم الحياة اليومية، و لكن لا ينبغي الاعتماد عليها بشكل مفرط كي لا يصبح العقل عاجز عن تذكر الأشياء البسيطة مثل أسماء الأشخاص أو التواريخ...

يمكن تشبيه العقل بالرياضي، فهذا الأخير يتدرب بانتظام لكي يحافظ على لياقته البدنية و رشاقته، و إذا توقف عن تداريبه بسبب الإصابة أو لسبب آخر فإنه يحتاج إلى وقت - قد يطول أو يقصر و ذلك حسب الأحوال - لكي يسترجع لياقته و يعود كيفما كان، نفس الشيء ينطبق على العقل فإذا تعود على الكسل فإنه سوف يصبح عاجز على حل الكثير من المشاكل التي قد تواجه الباحث.

حان وقت الكلام عن تأثير المواقع الاجتماعية على العقل، يمكن أن نقول باختصار أن هناك أفكار و أخطاء إملائية قد يقع فيها البعض عندما يضع منشورا على حائطه الشخصي و تنتقل هذه الأخطاء إلى أصدقائه، فعلى سبيل المثال عند وفاة شخص معين فإن أحباءه يكتبون الآية القرآنية الآتية: "إنا لله و إنا إليه راجعون" لكن هناك من يكتبها هكذا: 'إن لله و إن إليه راجعون' و هذا خطأ خطير و فادح لأن الآية القرآنية يجب التعامل معها بحذر، و هناك بعض المنشورات الأخرى و الإشاعات الكاذبة التي قد تشوش على أفكار القراء...، و بكل اختصار لا ينبغي الوثوق بكل ما يُنشَرُ على المواقع الاجتماعية و كذلك في بعض المواقع الأخرى و المجلات و الصحف... و إنما ينبغي البحث و الاجتهاد للإفادة و الاستفادة.

كثيرا ما نرى في الجامعات و المكتبات أن بعض الطلاب و الطالبات يدرسون و في نفس الوقت يدردشون، و هذه ظاهرة ألاحظها يوميا و أتعجب، فكيف يمكن الجمع بين الترفيه و الدراسة؟ بالطبع لا يمكن الجمع بينهما لأن ذلك يؤثر على التركيز، فإذا كان بإمكان الطالب أن ينجز تمرينا في ربع ساعة فبهذه الطريقة ربما يقع في أخطاء تافهة و يستغرق وقتا أطول...

هذه مجرد ظواهر على سبيل المثال لا الحصر، و إذا أردنا التفصيل في هذا الموضوع فإننا نحتاج إلى وقت طويل و دراسة معمقة...

في الختام، نستطيع أن نستخلص ما يلي: يمكن أن نجزم بأن التكنولوجيا سهلت كل شيء و هذا أمر مطلوب لأننا نريد التقدم و لكن في نفس الوقت لا ينبغي الاعتماد عليها مطلقا لأنها ليست آمنة 100%، فالبحث فيها سهل، و تُعطيك جواب مضبوط و بسرعة، لكنها في نفس الوقت تجعلك تطالع أقل قدر ممكن من المعلومات على عكس الأبحاث التقليدية التي تمكنك من الاستفادة من كل المعلومات التي قد تصادفك أثناء قيامك ببحثك، فهذه الوسائل الإلكترونية ينبغي استخدامها على سبيل الاستئناس و يجب الحذر منها لأنها تحتوي على أفكار ملايين المستخدمين و الكتاب، و ليس معقولا أن يكون كل هؤلاء على صواب.

 و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركانه.

 


قراءة التعليقات (2)