لماذا تمنع سنة الإعتكاف في المغرب

لماذا تمنع سنة الإعتكاف في المغرب

عبد الجليل الحداد

 

"لماذا تمنع سنة الإعتكاف في المغرب" سؤال يجب أن يطرحه الجميع، إن لم يكن من باب الفهم العميق فعلى الأقل من باب الاستنكار الواجب فقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) 1 ، " وأي دين وأي خير في من يرى محارم الله تنتهك ودينه يترك، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان " كما قال ابن القيم رحمه الله " 2

"لماذا تمنع سنة الإعتكاف في المغرب ؟" 

سؤال يجيب عنه البعض بأن الدولة تريد درأ الفتنة، وكأن مهرجان موازين الذي عرض في الساحات العمومية أمام أنظار الأطفال والشباب والشيوخ رجالا ونساءا بلوحات ماجنة لم يكن فتنة، ونتساءل متى كانت سنة الله فتنة؟

ويجيب عنه آخرون بأنه فقط جولة من جولات الصراع بين النظام وجماعة العدل والإحسان وماهي إلا مجرد مصالح سياسية، سبب لا يمكن إزالته لكن الأمر أكبر من ذلك.

فالإعتكاف  سنة ثابتة عن الحبيب المصطفى فقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الآوخر من رمضان واعتكف عشرين يوما في آخر رمضان من حياته. لم تأت الجماعة بشيء جديد إنما هو إحياء لسنة الحبيب المصطفى.

إنما نفهم الأسباب الحقيقية لمنع الإعتكاف إذا فهمنا الأبعاد الكبرى الإعتكاف بشموليتها :

البعد التعبدي : 

وهذا فضل يعلمه الجميع ويكفينا أنه سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في كل رمضان.  (عَنْ عَمْرُو بنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ قَالَ لِبِلالِ بنِ الْحَارِثِ يَومَاً : « إِعْلَمْ يَا بِلالُ » ، قَالَ : مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : « إِعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي أُمِيتَتْ بَعْدِي كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ) 3

البعد الإجتماعي : 

بعد يجهله الكثير منا ولا يتكلم عنه القهاء إلا قلة . سيساهم الإعتكاف إن تم في وضع لبنات مجتمع العمران الأخوي إذ سيحقق شرط من الشروط الواجب توفرها فيمن سيأتي بهم الله لتغيير حال الأمة قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " 4 ، خصلة الحب في الله، الذلة على المؤمنين، إذ بالإنجماع على الله والتعارف ستذوب الفوارق والإختلافات بشكل طبيعي، وتتألف الأرواح لتكون جنودا مجندة تدافع الحق. وفي الحديث : ( الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها اتلف وما تناكر منها اختلف ) 5 خصال لا يريدها أعداء الأمة أن تتحقق في الأمة.

البعد السياسي : 

سيحقق الإعتكاف مبدأ مهما من مبادئ  السياسة النبيلة الوضوح."ود أعداء الإسلام والكائدون له من بني جلدتنا أن ينكفئ الإسلاميون من ميادين الفكر المتفاعل في ميدان الصراع الثقافي إلى منظومات أفكار مبرمجة متوقفة عن النمو. ذلك الانكفاء الفكري يضمن استمرار الحركة الإسلامية في هامشية الحركية السرية التي يريد أعداؤنا أن نخوض في غلسها. ونحن أحوج ما نكون ليعرف كل مؤمن منا معايير التربية الإيمانية وطرائق تجديد الإيمان في القلب حتى يستيقظ الحافز الجهادي في النفوس ويستنير العقل المؤمن بنور العلم الذي به ندبر الجهاد. "6

سرية يجد فيها أعداء الإسلام المساحة ليلفقوا تهم الإرهاب والظلامية...

ووضوح سيتضح معه للجميع حقيقة المشروع الإسلامي ومدى أحقيته.

هذه الأبعاد الكبرى للإعتكاف وغيرها ممن لم يتسع المجال لذكرها هي التي تجعل حكام الجبر يمنعون الإعتكاف وإن كانوا على المستوى اللحظي يبدو للمتابع أن الإستبداد خاسر فهو لا يشوه نفسه.

لكن نحن من سيخسر استراتيجيا إن بقينا نطيع من يمنع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا" 7 " وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ" 8 إن بقينا نطيع من قال فيه الحق سبحانه  "أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى " 9 وختم السورة سبحانه بقوله : " كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْكَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ" 10

 

المصادر :

1. رواه الإمام مسلم

2. من كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم رحمه الله

3. أخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن

4. الآية 54 من سورة المائدة

5. الحديث من صحيح البخاري

6. من مقدمة كتاب المنهاج النبوي للأستاذ عبد السلام يس رحمه الله

7. الآية من سورة البقرة

8. الآية 113  من سورة هود

9. و 10 الآيتين من سورة العلق

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة