تشكيل الحكومة..تصورات أولية واكراهات الواقع

تشكيل الحكومة..تصورات أولية واكراهات الواقع

 

 

 طه العيسي

برفع التحفظ عن توزير السيد مصطفى الرميد أصبح الطريق سالكا أمام ميلاد أول حكومة مغربية بعد اقرار الدستور الجديد.

ميلاد الحكومة لم يكن يسيرا,ولعل الأمر مرتبط باصطدام التمثلات والتصورات الأولية لرئيس الحكومة المكلف بالواقع السياسي واكراهاته  ومن جهة ثانية بالظرفية والمناخ الذي يتم فيه التشكيل.

الأستاذ عبد الالاه بن كيران سبق وقال في مقابلة تلفيزيونية مع قناة الجزيرة القطرية-مباشرة بعد تكليفه- "كنا ننظر الى الحكومة قبل الانتخابات كمن ينظر للبحر وهو لم يسبح فيه,والآن يبدو أننا وضعنا أرجلنا في الشاطئ.." ,الواقع أن هذا التصريح كان بليغا جد, فمباشرة بعد الفوز التاريخي لحزب العدالة والتنمية بأكثر من ربع مقاعد البرلمان-فيما بات يعرف بثورة الصناديق-عبر الحزب عن رغبته في التحالف مع أحزاب الكتلة,ليصطدم بممانعة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ثم خروجه للمعارضة,ما فرض على حزب المصباح طرق أبواب الحركة الشعبية. بعدها سيصطدم الاسلاميون بالواقع مرة ثانية وسيكتشفون استحالة تطبيق كل برنامجهم الانتخابي لأنهم لم يفوزوا بأكثر من نصف عدد مقاعد مجلس النواب وأن تشكيل الحكومة رهين بنسج تحالفات مع عدة أحزاب وبالتالي التوافق على برنامج مشترك,وهو أمر يدعو الى طرح السؤال التالي: هل كان قادة حزب العدالة والتنمية يتوقعون الفوز بأكثر من نصف مقاعد مجلس النواب عندما وضعوا برنامجهم الطموح ؟ مع العلم أن الأساس الذي يتم فيه انتخاب أي حزب هو برنامجه الانتخابي الذي يكون التزامه بتطبيقه مقياسا لشفافية الحزب ومصداقيته.

ولاشك أن المقاربة التشاركية التي اعتمدها حزب المصباح مع حلفائه قد أسهمت بشكل كبير في حلحلة مجموعة من العقد الا أنها لم تمنع من بروز بعض النتوءات والصعوبات "الطبيعية" حول بعض القطاعات والحقائب بالاضافة الى التحفظ –الذي قيل أنه موجود-حول توزير الأستاذ مصطفى الرميد لوزارة العدل وهو الأمر الذي جعل عدة أصوات من داخل حزب المصباح ترتفع  وتدعو للتشبث "بسيادة" واستقلالية القرار الحزبي وبقرارات مؤسسات الحزب والتمسك بما جاء في الدستور الذي أعطى الحق في اقتراح الوزراء الى رئيس الحكومة,فيما ذهب البعض الى حد ربط التحفظ على توزير "الرميد" برفض نتائج الانتخابات.

فيما رأى اخرون أن الأمر مبالغ فيه وأن التحفظ كان على مجموعة من الأسماء المنتمية للأحزاب المشكلة للحكومة وأن الأمر لم يصل الى حد وضع فيتو على اسم معين.

كما أن تأخير تشكل الحكومة جعل القيمين عليها عرضة لسهام انتقادات الأحزاب المعارضة التي تعتبر أن رئيس الحكومة قد أخلف وعودا سبق و أن رفعها لجهة الاسراع في تشكيل الحكومة أو تلك المتعلقة بأن الحكومة المقبلة ستكون مقلصة-التي حالت دونها حسابات متعلقة بالتحالفات- ضاربين المثل بالجارة اسبانيا التي شكلت في ظرف قياسي حكومة من 13 وزيرا.

من جهة ثانية فان تشكيل الحكومة تأثر بشكل أو بآخر بظروف استثنائية متمثلة فيما يلي:

1-هبوب رياح الربيع العربي على المنطقة العربية والتي تميزت بسقوط أنظمة.

2-دستور جديد وبصلاحيات غير مسبوقة (للبرلمان والحكومة..)

3-لأول مرة يصل حزب ذومرجعية اسلامية للحكم.

يتضح مما سبق أن معطيات الواقع السياسي قد تختلف عن التصورات الأولية..لكن من المهم القول: اذا كان حزب العدالة والتنمية "حديث العهد بالسباحة" في البحر الحكومي فان شريحة واسعة جدا من المغاربة  ممن صوتوا عليه في الانتخابات -أو ممن لم يصوت- قد شيدوا أسوارا عالية من الآمال على رمال الوعود التي أطلقها الحزب قبل الانتخابات وبعدها.

صحفي مغربي
[email protected]

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة