هيئة كتابة الضبط وسؤال الاستقلالية
احمد اولاد عيسى
لم يعد استقلال السلطة القضائية وفق ما نص عليه دستور 2011مسالة نقاش مطروح بين مكونات الجسم القضائي وفقط بل تعد الأمر الى وضع تصورات لمشاريع قوانين تهتم بشان العدالة و تجسد إرادة جل الحساسيات( السياسية والحقوقية والقانونية ...) إلى حد ما, فرغم هدا فالأمر لا يخلو من مؤاخذات على بعض بنود مشاريع القوانين (المجلس الأعلى للسلطة القضائية و النظام الأساسي لرجال القضاء...... ), فبلورة فلسفة الدستور بخصوص استقلال السلطة القضائية عن باقي السلط الأخرى في ظل التعاون والتكامل فيما بينها يطرح العديد من الإشكاليات على ارض الواقع رغم الإجماع على ضرورة تحقيق الاستقلالية بشكل أو بأخر ,
كما هو معلوم فالنقاش الذي أثير عقب صدور الدستور الجديد فيما يتعلق باستقلال السلطة القضائية انصب في مجمله حول المنهج الذي اعتمد في تدبيره, ورغم ذلك يعد ايجابيا ومتقدما في حدود معينة , غير انه فيما يتعلق بهيئة كتابة الضبط حيث لم يمنح لهده الاخيرة الحيز الكافي في النقاش لطرح تصورها ونظرتها في خضم الإصلاح ولعل ابرز دليل على دلك مشاريع القوانين ( التنظيم القضائي , المسطرة المدنية ,,,,,,) التي تضمنت مقتضيات لا تعبر عن اي مدخل لتحقيق استقلالية هيئة كتابة الضبط الشيء الذي يطرح أكثر من سؤال حول حدود ومكانة هيئة كتابة الضبط ضمن شعار الاستقلالية الملوح به من طرف مكونات الجسم القضائي ؟
إن الاستقلالية لا ينبغي أن ينظر إليها من زاوية أحادية وضيقة وإنما يتطلب وضع تصور شمولي وعام لإدراكها و يعطي لكل مكون داخل منظومة العدالة حقه ومكانته المناسبة لخلق نوع من التوازن بغيت تحقيق الانسجام لبلوغ الفاعلية التي هي الطموح المراد الوصول إليه .
1- الاستقلالية رؤية شمولية وليست منظور أحادي
سعى المشرع المغربي إلى بلورة الإصلاح في منظومة العدالة باتخاذ مجموعة من التدابير انطلاقا من وضع إطار قانوني مناسب يجسد روح الإصلاح – مشاريع قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي ....- وكل دلك لغاية تعزيز مكانة السلطة القضائية وحمايتها عن كل مساس بها أو الثاثير عليها بأي شكل من الإشكال وقد تجلى دلك بوضوح من خلال مضامين مشروع قانون النظام الأساسي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية حيث لم تضم تركيبته أي تمثيلية للسلطة التنفيذية على عكس ما كان في النظام السابق اد أن وزير العدل كان يحتل فيه مكانا مركزيا مما كان يثير الكثير من الأقاويل حول المساس بالسلطة القضائية لاعتبار انتماء الوزير للسلطة التنفيذية وهدا ما تجاوزه القانون الحالي بل الأكثر من دلك نص عليه الدستور بشكل صريح في الفصل 115 .
هدا الحرص مرده إلى رغبة الدولة في تمتين دور السلطة القضائية حتى تلعب دورها المنوط بها في خدمة العدالة بشكل عام ودلك في علاقتها بجميع الجوانب سواء السياسية كتعزيز مكانة المغرب ضمن الدول الحريصة على مبداء استقلال القضاء وحماية حقوق وحرية الأفراد وعلى المستوى الاقتصادي بطمأنة الرأس المال الأجنبي وتشجيعه بخلق مناخ مناسب لجلب الاستثمار ,,,,,.
إن طموح المغرب إلى احتلال هده المكانة ليس وليد الصدفة بل هو نتاج لإرادة سياسية حقيقية ابتغت نهج هدا المسار بيد انه لا ينبغي النظر الى الإصلاح من زاوية الإطار القانوني و المؤسستي فقط ولكنه يستمر إلى جوانب أخرى تشكل قاعدة صلبة ينبغي استحضار دورها في عملية الإصلاح والحديث هنا ينصب عن النسق الذي بواسطته يمكن تفعيل الاستقلالية عن السلطة التنفيدية ,فكما هو معلوم انه وفق الرؤيا التي حملتها مضامين مشروع النظام الأساسي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أضحى القضاة في استقلال تام وكلي عن وزير العدل وهدا يجسد فعليا الاستقلالية غير انه بخصوص هيئة كتابة الضبط والتي هي خاضعة إداريا وتنظيميا إلى وزير العدل فكيف يمكن لها العمل تحت وصاية قضاة مستقلون عن وزير العدل ؟؟ هدا الخلط والغموض حمله مشروع قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي وهدا ما يذل على أن البعد التشاركي والرؤية الشمولية غابت في إعداد مشاريع القوانين خصوصا مع جهاز له من المكانة والدور البارزين في العملية القضائية برمتها وهو ما يؤكده الواقع العملي . فالاستقلالية هي جزء لا يتجزأ فسعي القضاة إلى تحقيقها من جانب واحد ما هو إلا تعبير عن قصر النظر وغياب الإرادة الحقيقة للإصلاح لدى هده الشريحة حيث إن تبعية هيئة كتابة الضبط لوزير العدل باعتباره هو الرئيس الفعلي حسب مقتضيات قانون الوظيفة العمومية والنظام الأساسي لكتابة الضبط ينبغي له أن يجسد على ارض الواقع بشكل جلي وواضح ,فكيف يمكن القول بالاستقلالية في حين وحسب مقتضيات مشروع( ق ت ق ) والدي احدث مؤسسة جديدة تسمى (مكتب المحكمة )وجعلها سلطة تقريرية داخل المحكمة تتحكم في مسار الموظف و يترأس هدا المكتب رئيس المحكمة, إن هده الرؤية ليست في الحقيقة إلا تكريس للدنيوية و تقزيم دور كتابة الضبط وتحجيمها بجعلها تحت وصاية السلطة القضائية فهدا النمط ينبغي القطع معه ومنح كل طرف داخل المنظومة حقه ومكانته بشكل مستقل وواضح بعيدا عن البرغماتية والهيمنة والتسلط وهدا يتطلب إرساء مشروع قانون واضح المعالم وتراعى فيه مصلحة كل طرف وموقعه الوظيفي ويفتح المجال لكل المتدخلين بشكل موسع لإبراز توجهاته و الأخذ بها .
2- نحو إطار قانوني يعزيز استقلالية هيئة كتابة الضبط.
إن الحاجة إلى إرساء اطار قانوني واضح المعالم يحدد نمط الاشتغال وطرق التدبير داخل المحاكم أضحى ضرورة ملحة بالنظر إلى صعوبة المهام واختلافها وتنوعها داخل الأقسام والشعب هدا الوضع يفرض وجود نصوص قانونية تلبي متطلبات واقع المحاكم الراهن وياخد بعين الاعتبار العنصر البشري الذي يعد ركيزة أساسية للتسيير ,اد أن السعي إلى الارتقاء به و تأهيله بغية الرفع من المر دودية والمساهمة في تحقيق النجاعة القضائية يبتدئ من صياغة قانون يتماشى وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه و يوازي التطور اللاحق على مستوى نص الدستور الجديد. فكما سبق الإشارة إليه فالاستقلالية كما تناولتها المقتضيات الدستورية ومشاريع قوانين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي لرجال القضاء أصبحت مسالة محسوم فيها من مختلف الجوانب وتحديدا فيما يتعلق بالسلطة الحكومية المكلفة بالعدل(وزير العدل) ,
ان حرص المشرع من خلال المنظومة التشريعية على جعل القضاة في استقلال تام عن أي مساس أو تدخل من أي جسم أخر غير قضائي وهو نفسه ما ينبغي السير عليه مع هيئة كتابة الضبط التي لها من الأطر والكفاءات في مجالات عدة كالتدبير المعلوماتي للوسائل التقنية داخل المحاكم و التدبير المالي والمحاسبتي فيما يتعلق باستخلاص الرسوم والكفالات وإيداع المبالغ المالية بصناديق المحاكم وكذلك الأمر بخصوص العمل المسطري والإجرائي داخل الشعب والأقسام التي تصهر عليه اطر قانونية لها من التكوين والمؤهل العلمي ما يجعلها أهلا للاستقلالية بدون أية وصاية لا من قريب أو بعيد.
فالحاجة للاستقلالية لا ينبغي النظر اليها بمعيارية ولكن بتمعن واستحضار للمسؤولية التي يتطلبها تدبير أي مرفق, فإشراف القضاة على السير اليومي للشعب والأقسام قبل أن يكون مساسا بالاستقلالية هو ضرب من الوهم فكيف يتأتى لهم الإشراف في غياب أي تكوين في المجالات السالفة ذكرها ؟ وكيف لهم الجمع بين إصدار الأحكام ودراسات الملفات وبين التدبير اليومي للمحكمة ؟ ان هدا الخلط مرده الى غياب الرؤية الواضحة وانعدام بعد النظر لكون هده المطالب المعبر عنها بجعل هيئة كتابة الضبط تحت إشراف القضاة في حين بقاء القضاة خارج وصاية وزارة العدل مطالب جوفاء تنم عن عقلية عتيقة عمرت المحاكم لسنوات وسنوات وحبيسة نظرة احتكارية لهيئة كتابة الضبط التي لم تعد دلك الذي كان فالواقع الراهن يفرض نفسه وبكثير من القوة على جعل هيئة كتابة الضبط كيان مستقل في أداء مهامه على جميع المستويات .
إن الهيئات التشريعية مطالبة في الوقت الحاضر بايلاء الأهمية البالغة لهيئة كتابة الضبط وجعلها في صلب اهتماماتها من خلال الانفتاح عليها و الاخد بوجهة نظرها بخصوص أي مشروع قانون يتعلق باستقلاليتها بحيث لا ينبغي تجاهلها وفرض الوصاية عليها لأنها محور العملية القضائية, فصياغة نصوص قانونية تراعي استقلالية هيئة كتابة الضبط في التسيير والتدبير والإشراف عن أي جهة وجعلها خاضعة للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل مع إمكانية خلق آليات للتنسيق والتعاون لتسهيل التدبير اليومي لمرفق العدالة بشكل يصون كرامة هيئة كتابة الضبط ويحميها من أي هيمنة لأي جهة أخرى داخل المحاكم , وهدا طموح معقول وغاية مشروعة وهي نفس الإحاطة التي ينبغي اعتمادها بخصوص صياغة أي نص قانوني يتعلق بضمان استقلالية القضاة وحمايتهم وتحصينهم .
فالمطالبون بفرض الوصاية على هيئة كتابة الضبط مدعوون إلى إعادة النظر في المفاهيم التي يعتقدون بها و بتبني مبداء الحياد والعمل على تكريس الاستقلالية بإنتاج أحكام منسجمة تتمشى وروح النصوص القانونية و تمتين مداركهم وملكاتهم القانونية في كل مجال له صلة بالقانون من اجل إصدار أحكام ذات جودة بالموازاة مع دلك الحرص على استحضار النزاهة في إحقاق الحق ودحض الباطل والبعد عن الخوض في هدا النقاش لأنه لا يعبر إلا عن دنيوية قصوى في التفكير