أسئلة محيرة
عبد الإله مسلك
عندما كنا صغارا كان أهلنا ينتقدون فشلنا في أي مهمة أُنيطت بنا وينعتوننا بالعبارة المشهورة "حزموني ورزموني ولا تعولوا علي" في إشارة واضحة إلى توفير سبل إنجاح المهمة مع عدم انتظار نتائج مرضية، في الواقع هذا ما ُيمكن استنتاجه لما وصل إليه منتخبنا الحالي، الذي ُمنح أكثر من ثمانية عشر شهرا لتكوين فريق وطني قادرعلى إعادة المغرب للمكانة التي يستحقها كأحد رواد إفريقيا، و حوالي ست عشرة مباراة ما بين الرسمية و الودية و تسهيلات لوجيستية في التداريب و السفر والمعسكرات، كان آخرها تخصيص طائرة خاصة وصلت قبل الغينيين لمدينتهم باطا و حوافز مادية للاعبين و راتب محترم لقائد المعول عليهم لإرجاع الهيبة المفقودة، بل خضع اتحاد الكرة لرغبة المدرب في فرض المدينة التي يشاء، سواء للمباراة أو التداريب - حتى وإن كانت قريبة من شواطيء الغطس إمسوان- والسماح له بتقليم أظافرمن يشاء سواء كان عزيز بودربالة المبعد، أو مصطفى حجي المساعد، أومعاد حجي مدير المنتخبات الوطنية، وربما مستقبلا نور الدين البوشحاتي، رئيس لجنة المنتخبات الوطنية الذي تسرب تقريره الأسود لوسائل الأعلام.
بعد كل هذا سافر الناخب الوطني مرة أخرى إلى أوربا للتنقيب على رزمة جديدة من اللاعبين، على رأسهم لاعب هيركوليس الهولندي أسامة طنان ولاعب فريق كوبنهاغن يوسف توتوح وكذلك ناصر بارازيت المحترف بفريق أوتريخت، مع العلم أن الجولات السابقة لم تفلح في إقناع لا سفيان بوفال لاعب فريق ليل الفرنسي ولا أنور الغازي لاعب أياكس الهولندي إذ اختاراللاعبان معا عدم اللعب للمغرب ودون أن نجد جوابا شافيا لسؤال محيرلماذا سينهي المنتخب السنة الجارية في المرتبة 75 عالميا؟ مرتقيا في التصنيف العالمي بدرجات قليلة جدا منذ مجيء هذا المدرب، بعد كل ما توفر من وقت وجهد معنوي ومادي، في الحقيقة التصدع الذي تركه زلزال مبارتي الدور الثاني من التصفيات الإفريقية المؤهلة إلى مونديال 2018 في روسيا ضد غينيا الإستوائية عرى عورتنا مؤكدا أن من أتى بالمدرب هذه المرة منابر إعلامية اتخذت من صفحاتها تهييج الجمهور في المدرجات، وجعله يهتف باسم المدرب كلما حلت مناسبة رياضية والنتيجة اليوم: منتخب يحير لاعبوه من بايرن ميونخ، مارسيليا، باليرمو، نابولي، نانت، ليل، فاينوردن بنفيكا، غرناطة، مالغا، موناكو والقائمة طويلة يقول قائد سفينته إن منتخب غينيا الإستوائية - صاحب تنظيم النسخة الثلاثين من كأس الأمم الأفريقية لكرة - وصل إلى نصف النهائي، وبالتالي فهو قوي بما يكفي لنهابه ونضرب له ألف حساب، لكن لم يقل إن نفس الفريق إنهزم من جنوب السودان- أكرر جنوب السودان- في المباراة التي جمعت الفريقين على ملعب العاصمة جوبا ضمن مباريات المجموعة الثالثة لتصفيات كأس الأمم الإفريقية 2017 بالجابون سؤال محيرآخر: كيف يتسيد منتخب غينيا الإستوائية مباراته في باطا ويحتفظ بالكرة أكثر من المغرب بل و يهزمه، و الأكثر من ذلك يلجأ المغاربة للدفاع و التحفظ أكثر من اللازم فماذا إذا عندما ننازل منتخبات معروفة بشراستها؟ كالكوت ديفوار، نيجيريا، غانا، أو السنغال ناهيك عن ديربيات الشمال الإفريقي والتي ستفرز لا محال متأهلا وحيدا لحلم المونديال.
أجمع المحللون والمتخصصون مباشرة بعد نهاية موقعة باطا أنه لا يمكن الإعتماد على منتخب وجد صعوبة بالغة في هزم ليبيا ضمن الجولة الأولى لتصفيات كأس أمم إفريقيا 2017 بالغابون في حين نفس المنتخب - تقريبا - هزمه المحليون برباعية نظيفة بملعب رادس بالعاصمة التونسية برسم إياب الجولة الثالثة من تصفيات منطقة شمال إفريقيا المقررة في رواندا العام المقبل، و لا يمكن كذلك انتظار ما يرضي المتتبعين من منتخب فاز على ساو طاومي بثلاثة أهداف فقط، وإن سألت أحدهم أين توجد هذه الدولة؟ سيكون الجواب بالإجماع هل فعلا توجد دولة بهذا الاسم؟ وأضاف المحللون أن الرهان على منتخب كاد أن يقصى من منتخب غينيا الإستوائية - لولا الحظ - يعد ضربا من الخيال وأن منتخبا جرب أكثر من 86 لاعبا ولم يجد التوليفة السحرية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينجح ونحن على بعدشهور قليلة من بداية إقصائيات كأس العالم الحاسمة، بل نواته التي يقال إنها صلبة تتكون من لاعبين إما على أعتاب الثلاثين من العمر أو تجاوزوها بنيف كمنير عوبادي, كريم الاحمدي, محسن ياجور, عصام عدوة, عادل كروشي, فؤاد شفيق والعميد المهدي بن عطية.
أسئلة محيرة نطرحها عندما نرى منتخبات لا تتوفر لاعلى لاعبين في كبريات الدوريات الأوربية, و لاعلى ملاعب التداريب و المباريات من المستوى العالي، و لا على ربع الإمكانات المادية التي نتوفر عليها، ولا على قاعدة جماهيرية تتصدر أحيانا المراكز الأولى عالميا ورغم ذلك يلزمنا سنوات لنصل لنتائجها و لتصنيفها الدولي. من المؤكد أن "البشر لا يخطط للفشل ولكن يفشل فيما يخطط" والأولى الإعتراف بالخطأ والإستعداد للمحاسبة و دفع الثمن، عوض التشبت بمبدأ "حزموني و رزموني ولا تعولوا علي" فلقد سئم الجميع مما يشاهد واحتار الكل في معرفة من نصدق المدرب أم إتحاد الكرة؟ الصحافة أم الخبراء؟ فعلا إنها مرحلة محيرة.