أطفال محرومون من المتعة بسبب غياب المرافق
الأحداث المغربية
يقترن عالم الصغار باللعب، لكن الكثير من الصغار يعيشون نوعا من التهميش داخل أحيائهم التي تفتقد لأهم البنيات التحتية، مما يجعل التفكير في تلبية رغبات الصغار جزءا من الكماليات بالنسبة للكبار. لا ينتظر الصغار تدخل الكبار ليبتدعو طرقهم الخاصة من خلال اللعب بما تجود به بيئتهم المحيطة. بعضهم ينسج علاقة مع التراب، والبعض يحلم بزيارة الغابة، بينما كان لبعضهم الشجاعة في التنقل خارج أسوار العزلة.
يتجول حافي القدمين بين الأزقة الضيقة لأحد الأحياء الهامشية بمنطقة بوسكورة، لا يكترث للأحجار الحادة التي تعترض طريقه. كل همه الركض خلف باقي أصدقائه. يونس يشترك وباقي الأطفال نفس ملامح الحرمان التي تفرض عليه تطويع بيئته المحيطة من أجل تفريغ نهمه الطفولي للعب والاكتشاف. لكن حظ يونس العاثر الذي يجمعه بالعديد من الأطفال المهمشين هو أن كل ما يحيط بهم هي فضاءات تفتقر لأهم المرافق الأساسية.
لعب بجانب المياه الراكدة
«كنقتلو عصا باش يبعد من ديك الحفرة، ولكن والو … »، تتكلم والدة يونس بحدة عن محاولتها إبعاد ابنها من اللعب بجانب حفرة تتجمع فيها مخلفات المطبخ بسبب افتقار المسكن العشوائي للبينة التحتية. لا يكترث يونس كثيرا لغضب والدته بعد أن تعود جسده الصغير تأديب والدته، كما أن غياب البديل يستفز في الطفل العودة لسابق عهده، كلما أسقط من ذاكرته الصغيرة ألم صفعات والدته.
رغم نبرة الحدة التي تعتلي صوت الأم، إلا أنها ترى أن منع ابنها من الخروج أمر مستحيل، «لا يمكنني منعه من الخروج، لأنه بحاجة للعب بحرية، والركض مثل باقي الأطفال، لكن المنطقة التي نسكنها تفتقر لأي تجهيز، وفي حال خروجه لا مفر من لعبه بالتراب، أو الاتجاه نحو المياه الراكدة».
لا ينكر يونس أنه يحب اللعب بالتراب، وللصغير مبرراته، «حيت بابا ما بغاش يشري لي بيكالا، والدراري مكيبغيوش يخليوني نركب في البيكالات ديالهم». قدم الطفل حجته التي يرى فيها مسوغا يقتضي جلب تسامح والدته.
عندما يتمكن يونس من التسلل خارجا، من أجل مقاسمة الأطفال شغبهم الطفولي الذي يدفعهم للركض والصراخ خلف الكرة، يجد نفسه مرة أخرى أمام الصراخ والوعيد، لكن هذه المرة من طرف الجيران الذين يضيق صدرهم عن تقبل شغب الصغار.
الكلام بديل عن اللعب
من الصغار الذين يرافقون يونس، صديقه محمد الذي يفوق كلامه سنه بكثير على الرغم من كونه في الثامنة. يقتسم الطفل مع رفاقه الجلوس فوق جذع شجرة تشكل ثلاثية مع باقي الشجرات التي تتوسط إحدى الأراضي. يتنقل الصغير ببراعة بين الأحاديث. يحكي عن جارتهم التي وجدت بيتها مسروقا بعد عودتها من عرس إحدى قريباتها. يصف شجاعة والده الذي أنقذ فتاة من قبضة أحد اللصوص. مهارة اجتماعية ظاهرة ربما يبررها غياب البديل في الفعل، ليجد الطفل نفسه مجبرا على الحكي الذي لا يدري أحد إن كان من نبع خيال، أم قصصا حقيقية تكسر رتابة الحي العشوائي.
حديث محمد يضعك أمام جزئيات لا يفقهها إلا الكبار، « واخه الغابة قريبة لينا منقدروش نمشيو ليها ديما، حيث القضية كطلع قاصحه شوية، ولا بغيت نمشي مع صحابي ماما كتكول ليا حتا تكبر شوية». بانتظار أن يكبر محمد، سيبقى حبيسا بمنطقته العشوائية التي تفتقر لأبسط المرافق، لأن انتقاله نحو غابة بوسكورة خطوة يجب أن تخطط لها العائلة مسبقا. يتطلب الأمر ركوب الطاكسي رفقة باقي أسرته المكونة من والديه، وجدته، وشقيقتيه، بينما يلتحق بهم الشقيق الأكبر عبر دراجته الهوائية. الحصيلة تشير إلى 60 درهم، ثمن الرحلة ذهابا وإيابا، إضافة لمصاريف الأكل والشرب.
داخل الغابة التي يتلهف الصغير لزيارتها، يكتفي محمد بالركض خلف الكرة رفقة باقي الاطفال، دون الاستفادة من بعض وسائل الترفيه المتواجدة في الغابة، والتي ينظر لها الصغير بعين الرضا رغم تواضعها، «توجد ألعاب جميلة لكنها بمقابل، مثل الأرجوحة، ولوح التزحلق، والتنقل فوق ظهر الحصان». تنسي شساعة الغابة محمد الرغبة في الأشياء ذات المقابل، لينجرف خلف الركض والشغب دون مقابل. لا يتردد في رفع كم قميصه، للكشف عن ندبة كبيرة بذراعه، «كنت ألعب مع أصدقائي، لكنني سقطت عندما كنت أحاول الهرب من أحد الكلاب البوليسية».
«مكنحملش الصيف»
استفز الحديث عن الندبة فضول رشيد رغم الخجل الظاهر على ملامحه، ليكشف أيضا عن ندبته، «حتى أنا طحت على إيدي ملي بغيت نمشي لبحر» انتهت قصة الصغير هنا دون أن تكون له رغبة في مواصلة الكلام، ليتولى ابن جارتهم، ورفيقه في المغامرة الكشف عن تفاصيل ربما يخجل الصغير من ذكرها. توقفت رحلة الصغار بساحة السراغنة دون أن يتمكنوا من إتمام رحلتهم نحو البحر،« أخبرنا رشيد أنه يعلم الطريق نحو البحر، لكننا لم نتمكن من الوصول، ودخلنا في شجار مع أبناء أحد الأحياء. عند عودتنا تعرض رشيد للضرب من طرف والدته». مغامرة صيفية، لم توصل الصغار لمبتغاهم في غفلة من أسرهم، لينال كل واحد منهم عقوبته دون أن تقر عينه برؤية البحر. لتصبح المشاهد الروتينية أكثر قتامة خلال أيام الصيف الحارة.
«مكنحملش الصيف»، يقول رشيد الذي يفضل “الرواج الدراسي”، الذي يضمن له الخروج دون مساءلة، بدل الجلوس داخل البيت. يدعم رشيد رغبته الغريبة على عكس الصغار الذين يتمنون مجيء الصيف، والأعياد، والعطل. «أكره الجلوس في البيت خلال العطل، خاصة خلال العطلة الصيفية حيث يسافر أصدقائي رفقة عائلاتهم، ليصبح الحي شبه فارغ. اضطر للنوم في الظهيرة، وفي حالة خروجي يكون المكان فارغا بفعل الحر».
سكينة بنزين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
المقالات الأكثر مشاهدة
16436 مشاهدة
5
13489 مشاهدة
7
11990 مشاهدة
8
11599 مشاهدة
9