حكومة بنكيران بين "الواو" و "الألف"
زهير بوزكري
مما لا شك فيه أن العنوان يحمل بين طياته عدة تساؤلات وغموض حول مدلولي الواو والألف، ومما لا شك فيه أيضا أن الساحة الوطنية عرفت حركية من الاحتجاجات التي أججت الرأي العام "الشعبوي"، بدءا بمطالبة آلاف الطلبة الأطباء بإلغاء الخدمة الإجبارية بعد التخرج، ومرورا باحتجاجات عشرات الآلاف من الأساتذة المتدربين بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين المطالبة بإلغاء المرسومين، ووصولا لمحطة المطالبة بإلغاء معاشات الوزراء والبرلمانيين من طرف مئات الآلاف من المواطنين.
الشيء الذي آن بالوقت من أجل الحديث الفصيح بالنهج الصريح عن ثروة الملايير التي تستنزف المال العام سنويا، والمتمثلة في معاشات الوزراء والبرلمانيين، وكذا شلل وعجز المنظومة الحكومية في مواجهة وحل الأزمات التي شنجت القطاعات الحيوية بالبلاد بسبب سوء التدبير والتسيير الإداري والمالي للمؤسسات العمومية.
فعند حذف حرف الواو من مصطلح الحكومة سيصبح الحكمة، وإن استبدل حرف الواو بـالألف سيصبح الحكامة، وهما الشيئان اللذان تفتقر إليهما حكومة بنكيران، حيث نجد أنه :
من الحكمة: أن يتنازل 113 وزير (دون احتساب البرلمانيين) عن معاشهم والذي يكلف ميزانية الدولة ملياري درهم وأربعمائة مليون سنتيم سنويا (والذي من الممكن أن يستثمر نفس المبلغ في توظيف 3000 عاطل سنويا بأجرة 8000 درهم "2 فرانك" شهريا) حسب ما جاء في تصريح السيد رئيس الحكومة الذي ينادي بإصلاح منظومة التقاعد وتجفيف كل منابع الريع السياسي بشتى الطرق التي كانت على حساب العديد من القطاعات الحيوية وعلى رأسها التعليم والصحة والتشغيل، فلم لا يتم التركيز إذن على إلغاء معاشات من تم انتدابهم وانتخابهم من طرف المواطن في سبيل خدمة المصالح العامة للبلاد لفترة محددة، سواء في الحكومة أو البرلمان؟".
ومن الحكامة: في إطار الدراسة المقارنة، وفي سبيل بلوغها نجد أن دولة ألمانيا الرائدة في مجال الصناعة والطب والتعليم والحقوق تتشكل حكومتها من 14 وزير فقط (نفس الدولة التي اقتدينا منها باعتماد نموذج الجهوية المتقدمة)، وبالتالي فإن حكومتنا وفي ظل هذه الظروف المتأزمة سياسيا، يجب أن تفكر جليا في التخلي عن 13 وزارة منتدبة وأن تكتفي ب 26 وزارة رسمية فقط، وأن تستثمر الأموال العامة التي تدرج في ميزانيات تسيير وتجهيز الوزارات المنتدبة في إصلاح الملفات التي أرهقت كاهل الحكومة واستفزت كينونة الشعب المغربي بمختلف شرائحه المجتمعية.
فمن خلال ما سبق ذكره وعند تحليل مقتضيات الفصل الحادي عشر من الظهير الشريف رقم 331 - 74 - 1 الصادر في 23 أبريل 1975 المتعلق بوضعية الحكومة وتأليف دواوينهم، والذي جاء في نصه ما يلي:
" يعمل بظهيرنا الشريف هذا ابتداء من 7 ذي الحجة 1393 الموافق لفاتح يناير 1974 ويلغى ابتداء من نفس التاريخ". ونستشف من مدلول كلمة "ويلغى" أنه توجد إمكانية إلغائه بمجرد صدور ظهير ملكي شريف، كما تجدر الإشارة إلى أنه غير منشور في الجريدة الرسمية، وبالتالي يعتبر من الناحية القانونية غير سليم، أي أن المعاشات التي يتقاضاها الوزراء والبرلمانيين غير قانونية، لأن أي قانون كيفما كان شكله ومصدره يجب أن ينشر في الجريدة الرسمية حتى يحدث الآثار القانونية ويدخل حيز التنفيذ.
واستنادا إلى المادة الأولى من القانون رقم 06.89 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 011.71 المحدث بموجبه نظام المعاشات المدنية الصادر بتاريخ 21 دجنبر 1989 والمحدث بموجبه نظام لرواتب التقاعد المدنية والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 4026 بتاريخ 27/12/1989 الصفحة 1775:
"يكتسب الحق في الحصول على معاش التقاعد قبل بلوغ حد السن القانونية للإحالة إلى المعاش :
1 - وفق الشروط المحددة في الفصل 5 بعده : فيما يتعلق بالموظفين والمستخدمين الذين قضوا في الخدمة الفعلية مدة لا تقل عن 21 سنة ؛
2 - من غير تقيد بقضاء مدة معينة في الخدمة : فيما يخص الموظفين والمستخدمين الذين حذفوا من أسلاك الموظفين أو المستخدمين المنتمين إليها بسبب إصابتهم بعجز ، سواء أكان ناشئا عن ممارسة المهام المنوطة بهم أم غير ناشئ عنها.
ومن خلال مقتضيات هذا الفصل يتضح أنه لم يذكر الوزراء ولا البرلمانيين فيمن لهم الحق في اكتساب المعاش، لأن المادة الثانية من ظهير 1958 بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية نصت على أن :
"الموظف هو كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة"، فمن خلال هذا التعريف نستشف العديد من الخصائص التي تميز الموظف في النظام الإداري ولعل أولها وأهمها التعيين والترسيم وليس الانتداب والانتخاب، وثانيها التعيين بوظيفة قارة والتي تفيد الديمومة والاستمرارية وليس الوظيفة التمثيلية والنيابية المحددة في خمس سنوات أو أقل".
كما أن الفصل 30 من القانون التنظيمي رقم 13-065 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها الصادر في 19 مارس 2015 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 6348 نص على أنه:
"يستفيد أعضاء الحكومة عند انتهاء مهامهم من معاش يصرف لهم وفق الشروط وحسب الكيفيات المحددة بقانون"، لكن في المنظومة القانونية المغربية لا نجد أية قاعدة تشريعية تنص على هذه الشروط والشكليات، كما هو الحال في الدول المتقدمة التي حددتها في استحقاق المعاش عند بلوغ سنه القانوني المتمثل في 60 سنة أو أكثر وليس مباشرة بعد انتهاء مدة الانتداب ليبقى مدى الحياة..
وفي أول رد فعل على النقاش الدائر حول معاشات الوزراء والبرلمانيين، اعتبرت الدكتورة نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد أن تقاضي الوزراء والبرلمانيين لمعاشاتهم هو ريع سياسي ولعبة سياسية فاسدة في بلادنا، وأن الوزراء مرشحون لمهمة معينة ويتقاضون عليها أجر خلال قيامهم بها.
وجاء تصريح وزير التعليم العالي وتكوين الأطر لحسن الدادوي، الذي فند هذا الطرح السياسي الشعبوي من جهة، والذي دعم التوجه نحو الحكامة في التدبير المالي والإداري والبشري لصنع السياسيات العمومية الفعالة والتي تخدم مصلحة البلاد، حيث قال فيه أنه مع مطالب إلغاء المعاشات وأنه لا يعتبرها مشكل، ما دام أنها جاءت في زمن الريع السياسي.
فمن خلال ما سبق ذكره، يتضح بكل جلاء أن حكومة بنكيران تفتقر للحكمة في التدبير وسوء في التسيير اللذان سيضللانها عن طريق الحكامة المالية والإدارية في إحكام السياسات العمومية وحل الأزمات التي تشل حركة القطاعات الحيوية، والتي تقتضي التدخل الجاد والمسؤول وتفعيل البرنامج الحكومي الذي وعدت به حكومة بنكيران ملايين المغاربة قبل الاستحقاقات التشريعية والتي تفصلنا عنها شهور معدودة.
فكيف للوزير أن يكثرت لأسعار المحروقات والدولة تمنحه بطاقة اقتناء البنزين مجانا؟؟ وكيف للوزير أن يتضرر من غلاء فواتير الماء والكهرباء والدولة تتكلف بأداء فواتيرها؟؟ وكيف للوزير أن يعيش مآسي المدارس العمومية وأولاده يدرسون بالتعليم الخصوصي؟؟ وكيف للوزير أن يشعر بالشباب العاطل وأولاده يوظفون مباشرة بعد التخرج؟؟ ... فكيف إذن للمواطن البسيط ألا يطالب بحكمة الحكومة لبلوغ الحكامة؟؟
شيماء
الحكمة والحكامة
انه لمن الحكمة والحكامة ان يبحث ويكتب طالب شاب في عقده الثاني، موضوعا بهذه الجرأة وبهذا الاسلوب االراقي افكارا ومنهجية ونقدا وسلاسة وتشويقا واستشهادا، واخط بالخط الاحمر العريض على كلمة الاستشهادات، لانك لفت انتباهنا لمجموعة من القوانين التي كنا نجهلها في هذا الطرح، والتي حقا تدين البرلمانيين السماسرة، والوزراء التماسيح لعدم شرعية معاشاتهم لا امن الناحية القانونية ولا من الناحية المنطقية، لكن كما قال العرب قديما "لكل فرس كبوة" وكبوتهم اآن موعدها، فلك مني احر التهاني على مستواك الثقافي والفكري الذي ان دل على شيء فانما يدل على كفاءة ابناء هذا الوطن المجروح، واسمى كلمات الشكر على الاستفادة. استاذة اللغة العربية وحاصلة على ماستر في تحليل الخطاب.