سياسة "جوج فرانك"

سياسة "جوج فرانك"

مصطفى عاقل

 

لعل ما أثارته كلمات الوزيرة المغربية شرفات أفيلال في لقاء حواري مع إحدى القنوات الوطنية، وهي بالمناسبة كلمات بسيطة في المبنى وعميقة في المعنى، كانت لها ردود فعل كبيرة وقوية من طرف المغاربة لاسيما عندما تُسفّه أحلام شعب بكامله ويصدر مثل هذا الكلام من شخصيات عمومية لها من الوزن الإجتماعي والصفة السياسية والثقافية ما يجب أن يجعلها محافظة على رباطة جأشها، وفي منأى عن أي تمييع للعمل السياسي المسؤول، وفي منأى عن خدش للوقار الذي يجب أن يبقى بين الشعب وممثليه لأنه بكل بساطة هو الذي يرجع له الفضل في أن تكون السيدة شرفات أفيلال وغيرها من الشخصيات العمومية التي تستحق أو لا تستحق أن تكون في مكاتب مكيفة من مكاتب حكومة بنكيران. 

ولسنا هنا في الحكم على الشعب هل أصاب في اختياراته من يحكمه أم اخطأ، على اعتبار أنه هو صاحب الإختيار بحكم الحرية المفترض أن تكون لديه في ممارسته للسياسة، لكن نجد أن هناك قواعد عامة ومنطقية تعتبر الشعب هو صاحب الاختيار والقرار، أو قد يُشبّه له ذلك من طرف جهات معينة فيختار مفسدين مارقين حينئذ يعتبر مساهما بنسب معينة في ذلك الفساد.

شرفات أفيلال كوزيرة جزء من منظومة سياسية فاشلة تعيش عوزا أخلاقيا وتربويا في حكومة بنكيران، وهذا العوز لا يمكنه أن يعطي، أو يضمن للمغاربة مصالحهم ومستقبلهم ولو في الحدود الدنيا، لأن السياسة بداية ونهاية هي التزامات سياسية منضبطة، وعقود اجتماعية مضمونة وآمنة، وحركة ميدانية واقعية وهذا الثلاثي المنسجم يغيب للأسف الشديد في الحكومة بحكم التمييع الذي أسس له رئيسها من خلال خطاباته السياسية الغارقة في الشعبوية.

 ما قيل في حق شخصية عمومية كأفيلال هو نفسه ما يمكن أن يقال في مجموعة من الوزراء الذين خانهم التعبير في لحظات معينة ونطقت شفاههم بكثير من اللغط، وبقليل من الحياء، وبإحترام معدوم للضمير الشعبي، وبجهل كبير لما حولهم من الأحداث في وطنهم وفي العالم. هذا الأمر جعلهم مثار سخرية كبيرة لدى الجميع وجعلنا في المقابل مضطرين كي نتسائل ألف مرة كيف لهذا الوزير أن يمثل شعبا بأكمله وهو سفيه؟ كيف له أن يمثل شعبا وهو جاهل عربيد وعديم الأخلاق لا قدرة له حتى على أن يمثل نفسه فكيف له أن يمثل غيره؟

الحقيقة أن السيدة الوزيرة نطقت في لحظة شرود ذهني ناسية ربما البروتوكول الوزاري وناسية للمنصب الذي تتقلده بحكم الثقة التي وضعت فيها، بكلام جد متداول في الأوساط الإجتماعية المغربية التي تعاني أصلا من ضيق العيش، وقلة ذات اليد فأخرجت كلامها أي "جوج فرانك"من سياقه مما جعل معنى الكلمات لا يتوافق ولا ينسجم بتاتا مع المبنى لأن الواقع المادي للوزيرة ولجميع الوزراء يكذبه مما شكل استنكارا ضمنيا للرأي العام الوطني والشعبي الذي لديه حاسة يقظة للإستعمالات المعجمية داخل حقولها، وحساسية مفرطة في تناغم المعنى والمبنى. والسيدة الوزيرة المسكينة لم يسبق لها أن درست اللسانيات حتى تعرف خطورة المصطلحات وسلطتها ولا حتى تناغم الدال والمدلول، فأرادت أن تتقمص شخصية رئيسها في الحكومة الذي يتقن هذا الفن بحكم سنه، فسقطت في فخ نصبته لنفسها فانكشف عورها.

مصطلح "جوج فرانك" بالمغرب مرتبط أساسا بالطبقة الدنيا في المجتمع وهي الغالبية العظمى، وبالتالي فهذا المصطلح له ملكية خاصة عند أصحابه أي الفئة المهمشة المسحوقة التي لا تنتمي إليها السيدة الوزيرة، أو ربما كانت تنتمي إليه يوما ما وتناستها في لحظة انتشائها بمنصب الوزارة، وبالتالي فهذا السلوك في حد ذاته سرقة موصوفة مكشوفة ضبطها الضمير الشعبي بتلقائية دون عناء، والوزيرة المسكينة في حالة تلبس، فرفضها وقرر متابعتها في محاكم الفيسبوك، ومقاهي وصالونات الشعب. ولعل نفس الشيء حصل مع معظم زملائها الوزراء في حالات تلبس كثيرة كالوزيرة الحيطي التي ضبطت متلبسة وهي تشتغل إثنى وعشرين ساعة، ووزير التشغيل الذي قال أنه "يتبرع بخمس ملايين و"يخسرها" على أبنائه، وأنه كان "سارح" والآن يسرح الشعب كما "يسرح الكسيبة" في السابق..

خلاصة القول، أننا كمغاربة نجد أنفسنا أمام خطاب سياسي هجين، ساقط يعبر عن سياسة فاشلة بكل المقاييس، أفشلها الفاعل السياسي نفسه لغياب الكاريزما في شخصية مما يدعو بصراحة إلى إنشاء جبهة سياسية قوية وعاجلة تنتصر للعمل السياسي المتزن، وتؤهل الفاعلين السياسيين ِلعمل حقيقي مبني على مصلحة ومستقبل المغاربة والذي لن يكون إلا في الإلتزام بقواعد السياسة التي تراعى فيها الجوانب التربوية والأخلاقية والهوياتية للشعب المغربي، عمل يلتزم بالحزم في القرارات المصيرية وبالبرغماتية السياسية لدولة لا يمكنها أن تكون إلا قوية بمدنيتها وديمقراطيتها وسط عالم غابوي بشع

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة