ألم يحن أوان الطلاق بعد ؟
عبد الله أيت حسين
نتذكر جميعا حالهم وهم مزهوون ومنتشون بالحقائب التي ناضلوا كثيرا من أجلها غداة تعيينهم في حكومة ما بعد دستور، أسندوه إلى رف من رفوف مكتبة النسيان، ونتذكر جميعا ما قاله كبيرهم قبيل ذلك على مائدة برنامج حوار حين سأله مقدم البرنامج: هل أنت مستعد لتصبح رئيسا للحكومة ؟ فرد عليه بثقة كبيرة وضحكة لا تخلو من غرور وإعجاب بالنفس: "واش حكرتيني".
ليلة العرس التي احتفل بها كثير من المغاربة، السذج والمغبونين من أمثالي، ممن باركوا زواج حزب محسوب افتراء على الإسلاميين، بحكومة طالما غازلوها وسعوا وراء خطبتها بكثرة الوعود وشظايا الأماني، ولم تكن هدايا أولئك المغبونين، بمن فيهم أنا، للعروسين الجديدين سوى أصواتهم وثقتهم. ليلة العرس تلك، أعقبها شهر عسل مثالي قضاه العروسان ضيوفا على موائد البرامج التلفزيونية والإذاعية وفي صفحات الجرائد والمجلات. فهذا وزير يستخدم القطار للذهاب إلى عمله إسوة بغيره من المواطنين، وهذا وزير يرفض أن يستبدل سيارته القديمة ويصر على ركنها أمام البرلمان، وذاك وزير يمشي في الأسواق يتناول "البيصارة" في مطاعم الفقراء المنتشرة في شوارع المدن، وآخر يدعي جهله بكيفية ارتداء ربطة العنق لأنه من عامة الشعب الذين لم تعرف الربطة طريقا إلى أعناقهم...
انقضت مئة يوم، وبذلك انتهى شهر العسل وبدأت سنوات العمل.وككل حديثي العهد بالزواج، فبعد عامهم الأول تطفو إلى السطح إرهاصات وبوادر المشاكل والصعوبات وتعرض الوعود وشلالات الكلام المعسول على غربال الامتحان والاختبار. أثمر الزواج في عامه الأول حمل الحكومة بتوأم زاد من حدة المشاكل والصعوبات المنتظرة. كان حملا مستنكرا وغير مقبول من قبل أهل العروس (الشعب) فقد رأوا فيه حملا مبكرا أتى قبل أوانه.وبعد مخاض عسير ولد إصلاح صندوق المقاصة وإصلاح نظام التقاعد. وهما اسما الرضيعان اللذان خرجا إلى الوجود بعاهات وتشوهات خلقية. وهما الآن يتلقيان العلاج تحت رعاية من أنجبوهما.
سرعة الضوء التي كانت تسير بها وعود العريس قبل الزواج لم تكن بنفس سرعة عمله وكفاءته التي كانت تسير بسرعة السلحفاة. تلك المسافة التي تحسب بالسنوات الضوئية بين وعود تناطح السماء وأفعال تحفر تراب كوكب الأرض، هو الذي أجج احتدام الخلافات وأورث الشقاق والقطيعة بين العريس وفئة عريضة من أهل العروس، منهم المتقاعدون، ونساء ورجال التعليم، ونساء ورجال الطب والتمريض، ونساء ورجال القضاء، والتجار الصغار... ولو يعلم هذا الزوج بأمر النسبية التي تحكم سلوكاته وتصرفاته وما يسميه إصلاحات لأدرك أن أول شيء عليه فعله غدا صباحا هو التوجه إلى مكتبه لتوقيع استقالته وتقديمها للديوان الملكي. ولكن هيهات هيهات فالجاذبية التي تشد أقواما إلى الحقائب الوزارية أقوى أضعاف المرات من جاذبية الشمس بالنسبة لكواكب مجموعتها.
عفوا أينشتاين فقد أقحمت فيزياءك في كيمياء محلول سياسي يصعب التوصل إلى لونه إذا اكتفينا بدراسته وفق القوانين التي تخضع لها الديمقراطيات في العالم. فحتى نظرية داروين تبدو قاصرة عن كشف طلاسم الأنواع التي تتعاقب على حكوماتنا، ولا حتى عيادة فرويد تستطيع أن تشخص العقد النفسية التي يعاني منها أولئك الذين يتلذذون برؤية الدماء تسيل من أجساد الأساتذة المتدربين وهم ينهالون عليها بالسلخ والركل والرفس متناسين نظرية "الحياد الإيجابي" التي كان ميلادها بقبة البرلمان. فعلى لسان رئيس الحكومة يجب التمييز بين الرجل والمرأة في التعليم، وأمام المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بإنزكان يجب أن تختلط دماء رجال ونساء التعليم.
أليس خرقا لمضامين الدستور أن تساوي فصوله بين الرجل والمرأة في الحقوق ثم يأتي رجال القمع للتمييز بينهما؟ أليس التنزيل الفعلي لمضامين الدستور الجديد هو عينما تفعله الحكومة؟ لا تقولوا "مافراسيش" كما قال من أوكلت إليه مهمة الإجابة على مثل هذه الأسئلة.
هذا جزء من تفاصيل تجربة زواج فاشل لزوج (حزب العدالة والتنمية) كان في فترة خطوبته (عندما كان في المعارضة) يلعب دور العريس المثالي لحكومة كثر خطابها والراغبون في الاقتران بها. ارتضته الحكومة بتزكية من أهلها وذويها، فقد رأوا في الخاطب الجديد حزبا "الله اعمرها دار" و"كيصلي" و "مكيكميش" و"مكيسكرش" وصهرا لن يتردد في الاستجابة لمطالبهم. ولكن المسئوليات التي يستلزمها الزواج لم تكن تتناسب وحجم الإمكانات والقدرات التي يمتلكها الزوج، ووعوده التي قطعها على أهل الحكومة (الشعب) كانت تتجاوز تواضع أفعاله. وأمام عجزه عن الوفاء بالتزاماته التجأ إلى صناعة أسطورة يعلق عليها فشله، فاختار من الحيوانات التماسيح واختار من الجن العفاريت فاتخذها أعداء له، فهي التي تضع "لعصا في رويضة الإصلاح"، نذر نفسه لمحاربتها لتبقيه قربيا من أهل الحكومة. كما اختارت قريش هبلا واللات والعزى آلهة لها لتقربها من الله، وكما اختار الإغريق قبلهم أسماء لآلهتهم في زمن كانت فيه الأدوات المنطقية التي تحرك عقول سقراط وأفلاطون وأرسطو قادرة على دحض الأساطير وانقاذ شعبي اثينا واسبارطة منها.
مما لم نكن نعرفه عن زوج حكومتنا، نحن أهلها، أن هذا الأخير ينفر من اللون الأبيض وبالذات من كل هؤلاء الذين ارتبطت وظائفهم بالوزرة البيضاء، فلم يترك حيا ولا شارعا في المملكة إلا حاربهم فيه، ولم يدع جزءا من أجساد إناثهم وذكورهم إلا خطه بهراوات وعصي أجهزة القمع وصبغها أحمرا بريشة السفاح السادي.
إن أبغض الحلال إلى الله هو أحب الأشياء إلينا هذه الأيام. ذلك الذي نرجوه أن ينهي تجربة زواج فاشل بين حزب نقض العهود وحكومة تستحق شريكا يفي بالوعود. ألم يحن أوان الطلاق بعد ؟