اسحبوا البساط إن كنتم صادقين!

اسحبوا البساط إن كنتم صادقين!

مصطفى عاقل

 

صحيح أنه من يتحدث اليوم ويقول: إن جماعة العدل والإحسان بالمغرب فاعل سياسي قوي، وأن ما يمكن أن يُعتبر ممارسة سياسية بالمغرب لا يمكن أن تُستثنى منه بتاتا ولا قدرة لأحد على ذلك بحكم ما لها من شعبية عميقة لدى المغاربة وبحكم ما عبرت عنه في كثير من مراحل تطورها ونموها على أنها حركة إسلامية وسطية، ووطنية بإمتياز.

لكن ليس صحيحا أن تكون العدل والإحسان دائما وراء كل حركة احتجاجية بالمغرب، وأن معارضتها تنبني فقط على الاحتجاج والتظاهر. فمند الربيع العربي الذي أفرز لنا حركة احتجاجية فريدة من نوعها وهي حركة 20 فبراير، لم تكن العدل والإحسان وحيدة في الحركة، ولا الناطق الرسمي بإسم المغاربة بل كانت جزءا من تشكيلة مكونة من أحزاب وهيئات ومنظمات وطنية معارضة لها وزنها السياسي ولها رصيدها النضالي الذي يحترمه الجميع. 

ليس منطقيا أن تكون هذه الجماعة هي المشجب الذي تعلق عليه وزارة الداخلية المغربية كل مرة أخطاء أول حكومة هجينة في تاريخ المغرب، وليس من الإنصاف أن نتحامل على فاعل سياسي له احترام وتقدير لدى المغاربة ونلبسه جلباب المسؤولية وهو بعيد عنها، لأنها ببساطة غير مشاركة في الحكومة، وأجواء العمل السياسي الحالي بالمغرب لا تلائمها حسب أقوال متواترة عن كوادرها، وليس مقبولا أن تتحمل أخطاء الفاسدين في حكومة بنكيران، وأنه كلما انتفض مغربي في جزء عميق من هذا الوطن لظلم مسه من الفاسدين إلا وخرجت علينا وزارة الداخلية بذراعها الإعلامي الموحد تتهم فيه العدل والإحسان بوقوفها وراء ذلك مستعملة مصطلح "جهات معروفة"، و"جهات معينة".. هذا لعمري استغباء للرأي العام الوطني على طريقة دول الشرق العربي التي أضاع فيها الحكام العسكريون أوطانهم وشعوبهم، وأضاعوا فرصا كبيرة لإشراك كل الفاعلين السياسيين والنهوض ببلدانهم نحو التغيير، التنمية والديمقراطية التي طالما انتظرتها شعوبهم لعقود خلت تحت الحكم العسكري الإستبدادي، لكنها سقطت اليوم ضمن الدول الفاشلة وأصبحت أثرا بعد عين.

إذا كان الفاعلون السياسيون الفاشلون، والنظام المغربي يعتبرون جماعة العدل والإحسان جزءا من مشاكلهم وبالتالي يعلقون عليها كل أخطائهم السياسية في تسيير الشأن العام فهذا من علامات الكساد السياسي الذي هو بحق نتيجة حتمية لتسونامي الفساد الذي ضرب كل مؤسسات الدولة بدون استثناء بفعل العقلية المتحجرة للنظام السياسي المغربي الرافض لأي صوت يُذاع أو يسمع دون صوته. لكن ما الذي يجعل الحكومة المغربية والنظام السياسي المغربي المتفتح للغاية على جميع التيارات الإجتماعية والسياسية، أن يستعصي عليه استيعاب أو اعتبار جماعة العدل والإحسان جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة؟ ما الذي يجعله يطعن في مصداقيتها الشعبية والتاريخية من خلال الطعن في مشروعها السياسي والإجتماعي؟ ما الذي يجعله رافضا بأن تكون لها الريادة في طرح البديل الحضاري للمغرب وللعالم؟ ما الذي يعيق له التغيير فيتأقلم مع التطور التاريخي للعقلية السياسية في العالم؟ ولمتطلبات الإستقرار والأمان الذي تعتبره جماعة العدل والإحسان أيضا ركيزة أساسية لبناء العمران الأخوي الذي يسع الجميع؟

بالأمس اتّهِمت الجماعة على أنها تقود الربيع العربي من خلال حركة 20 فبراير، واتُّهمت دوما بأنها وراء الحركة الإحتجاجية التي عرفها المغرب مند بداية التسعينيات من القرن الماضي حتى يومنا هذا، واتهمت في الأشهر القليلة الماضية على أنها وراء الطلبة الأطباء المنتفضين ضد وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي، وهي أيضا وراء الأساتذة المتدربين الذين نكلت بهم وزارة الداخلية مؤخرا أيما تنكيل.

والآن هل من حل لإيقاف هذه الجماعة المتطرفة في وطنيتها وفي شعبيتها وفي حبها لهذا الوطن؟ هل من حل لقطع الطريق عليها حتى يستمر حصارها في زاوية ضيقة من هذا الوطن ويسهل تلفيق التهم لها لاسيما وأننا أصبحنا نعيش عصر "إرهاب" بإمتياز وبالتالي فهي التهمة الجاهزة لمن لا تهمة له؟ الحل سهل يا سادتي اسحبوا البساط من جماعة العدل والإحسان، وافتحوا للمغاربة مجالا واسعا للحرية والإختيار، افتحوا لهم مجالات للحوار والتعبير عن قناعاتهم بدون قيود سلطوية، افتحوا حوارا جادا مع الأساتذة المتدربين، ومع الأطباء ومع المقاولين ومع الحرفيين ومع العمال ومع رجال التعليم... حتى يعبّر الشعب ويختار كيف يريد أن يعيش، كيف يريد أن يحكمه الحاكمون، كيف يتصور مستقبله ومستقبل أبنائه، وإذا استطعتم أن تبلغوا هذا المستوى الرفيع من المسؤولية حينئذ ستقطعون الطريق على جماعة العدل والإحسان وعلى الأحزاب المعارضة، وعلى المنظمات الحقوقية التي تعتقدونها خطأ أنها تلعب دور المنقذ من الظلال.  

لا أعتقد أن النظام المغربي سيكون بالسذاجة التي عبّرت عنها الأنظمة الإستبدادية وعبّر عنها الحكام المتسلطون في الشرق العربي، وينحون منحى نهج سياسة الإقصاء وأسلوب الإستئصال، لكن اعتقد اعتقادا راسخا أن ثمة يوم يأتي ولعله قريب يتشكل فيه وعي حكيم ورأي وطني سديد لدى الفاعل السياسي المغربي فيحقق فعلا على أرض الواقع الإستثناء المغربي الذي تتقاذفه أمواج الأهواء السياسية العاتية، فترسو سفينة السياسة على بر الإستقرار والأمن الذي سيكون ورقة رابحة للجميع وليس فقط للنظام.   

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة