الأغلاط الفادحة في الترجمة الإركامية الأمازيغية للدستور المغربي
مبارك بلقاسم
نشر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية Asinag Ageldan n Tussna Tamaziɣt (اختصارا: SiGeSaM / SGSM بالأمازيغية، أو "إركام" IRCAM بالفرنسية) ترجمته للدستور المغربي إلى الأمازيغية بحرف تيفيناغ في كتاب إلكتروني (PDF) على موقعه الإلكتروني عام 2013. ولم يكن للترجمة الإركامية أي صدى حقيقي في الرأي العام المغربي (حسب ما لاحظت على الأقل) بل ربما لم يعلم بها أحد تقريبا، باستثناء قلة قليلة من المتابعين ونشطاء الأمازيغية.
نحن الآن في 2016. ورغم مرور أزيد من عامين ونصف على صدور الترجمة الإركامية للدستور المغربي، لم ينشر أحد، على حد علمي، مقالا واحدا في أي منبر مغربي معروف يتحدث عن هذه الترجمة الإركامية بالتفصيل ويحللها ويفحصها أو يناقش مضمونها. وهذا مؤشر على أن غالبية المثقفين والنشطاء في ميدان الأمازيغية في حالة غياب (أو غيبوبة!) لم يقرأوا الترجمة الإركامية أو لم يهتموا بها. ويعطينا هذا فكرة حول مستقبل الأمازيغية بحرف تيفيناغ الذي لا يقرأه أحد. فالنسخة الإركامية المليئة بالأغلاط مازالت ثابتة على موقع الإركام الإلكتروني الرسمي منذ أزيد من سنتين.
الدكتور أحمد بوكوس عميد الإركام قال في 2013 لوكالة الأنباء الرسمية MAP ما يلي: "ترجمة النص تمت عن طريق مجموعة من الباحثين المنتمين إلى جل مراكز المعهد". (هذا التصريح منشور على موقع المعهد نفسه). هل قرأ الدكتور أحمد بوكوس وبقية أطر الإركام فعلا هذه الترجمة الإركامية "العظيمة" التي أنجزها مجموعة من الباحثين الإركاميين المنتمين إلى جل مراكز المعهد؟ إذا قرأوها ولم ينتبهوا إلى الأغلاط فهي مصيبة. وإذا لم يقرأوها أصلا فهي مصيبة أيضا. ومن شبه المؤكد أنهم لم يقرأوا تلك الترجمة ولم يفحصوها.
كل هذا دليل قوي على التأثير التحنيطي لحرف تيفيناغ على اللغة الأمازيغية والذي لم يفلت منه حتى الإركام بباحثيه واختصاصييه. إذا كانت غالبية الناشطين والمثقفين والمتعلمين لا يجيدون أو لا يطيقون قراءة نصوص تيفيناغ الطويلة، فكيف ينتبهون إلى الأغلاط في الترجمة الإركامية؟! الغالبية تتعامل مع تيفيناغ كديكور بصري وبالتالي فقد أصبحت الأمازيغية (المكتوبة بتيفيناغ) أيضا مجرد ديكور بصري. وكل ما يُكتب بتيفيناغ يصبح مجرد ديكور حتى لو تعلق الأمر بالدستور أو القوانين. ولن يكترث (بل لن ينتبه) أحد إذا كان المكتوب بتيفيناغ مليئا بالأغلاط الفادحة. المهم هو الديكور التيفيناغي!
يمكن للقارئ أن يطلع على الترجمة الإركامية للدستور إلى الأمازيغية بحرف تيفيناغ على موقع الإركام.
هدف هذا المقال ليس التهجم على الإركام كمؤسسة ولا على الأشخاص المشتغلين داخله. نحن هنا نناقش الأفكار والمواضيع ولا نناقش الأشخاص. حينما يقوم ناقد سينمائي بنقد أو انتقاد فيلم سينمائي أو حتى السخرية منه فهو لا يتهجم على المخرج أو المصور أو الممثلين في أشخاصهم وإنما ينقد أو ينتقد إنتاجهم وأداءهم المتمثل في الفيلم السينمائي المعين.
الإركام قال على لسان عميده د. أحمد بوكوس أن لجنة من الخبراء والمتخصصين من جل أقسام الإركام اشتغلت على الترجمة الإركامية للدستور. ولكن المنتوج الذي وضعه بين أيدي المغاربة لا يستحق نقطة 4 على 10 بسبب الكم المهول من الأغلاط الترجمية والمعجمية والنحوية فضلا عن الأخطاء الإملائية والمطبعية التي لا تحصى.
يجب أن يكون واضحا أنه لا ننتقد هنا النكهات الترجمية التي اختارها واضعو الترجمة الإركامية للدستور. فالترجمة إلى أية لغة من لغات العالم لا تستطيع أبدا أن تعكس النص الأصلي 100%، ولا يمكن أن يرضي أسلوبها 100% من الناس. ما ننتقده بخصوص هذه الترجمة الإركامية هي فقط الأغلاط اللغوية الترجمية والنحوية والإملائية القاطعة المؤكدة التي لا يختلف حولها عاقلان.
1) الترجمة الإركامية للدستور: نجمة راية المغرب تتكون من 4 فروع وليس 5 !
هذا الخطأ السوريالي الفادح ينم عن إهمال جسيم. العيب ليس في ارتكاب الغلط أو الخلط سهوا بين العدد 4 (kkoẓ) والعدد 5 (semmus أو ufes) فكلنا يرتكب أخطاء وأغلاطا نحوية وإملائية ومطبعية مضحكة بالأمازيغية والإنجليزية والفرنسية والعربية وغيرها. وإنما العيب المشين هو أن هذا الغلط وبقية المئات من الأغلاط مرت تحت عيون اختصاصيي الإركام الذين قال د. بوكوس أنهم شاركوا في هذه الترجمة التي استغرقت عامين. العيب هو غياب المراقبة والمراجعة وغياب التدقيق اللغوي من طرف من يُفترض فيهم أنهم لجنة المترجمين والمدققين اللغويين في مشروع ترجمة أسمى قانون للمغرب، وهم يشتغلون في مؤسسة ذات ميزانية ضخمة تتكون من عشرات ملايين الدراهم تأتي من أموال دافع الضرائب المغربي.
الفصل 4 من الدستور المغربي يتحدث حول عَلَم المغرب ويقول أنه لواء بلون أحمر وذو نجمة خضراء خماسية الفروع. أما الترجمة الإركامية فهي تخبرنا بأنه عَلَم له "علامة بأربعة رؤوس". ها هي الترجمة الإركامية بالأمازيغية بحرف تيفيناغ للفصل 4 من الدستور المغربي:
ⴰⵛⵏⵢⴰⵍ ⵏ ⵜⴳⵍⴷⵉⵜ ⵉⴳⴰ ⴰⵣⴳⴳⵯⴰⵖ ⵜⵉⵍⵉ ⴳⵉⵙ ⵢⴰⵜ ⵜⵎⴰⵜⴰⵔⵜ ⵜⴰⵣⴳⵣⴰⵡⵜ ⵎⵎ ⴽⴽⵓⵥ ⵏ ⵉⵅⴼⴰⵡⵏ ⴳ ⵡⴰⵎⵎⴰⵙ
ⵜⴰⵎⴰⵜⴰⵔⵜ ⵏ ⵜⴳⵍⴷⵉⵜ ⵉⴳⴰ ⵜⵜ: ⵕⴱⴱⵉ, ⴰⵎⵓⵔ, ⴰⴳⵍⵍⵉⴷ
(لاحظْ كلمة ⴽⴽⵓⵥ أي kkoẓ التي تعني "أربعة").
وزيادة على ذلك أن هذه الترجمة الإركامية الضعيفة استخدمت كلمة tamatart (ومعناها الحقيقي: "العلامة/الإشارة") لترجمة مفهوم "النجمة" ومفهوم "الشعار" في نفس الفصل من الدستور! رغم الاختلاف الشاسع بين المفاهيم الثلاثة: العلامة – النجمة – الشعار. واستخدمت هذه الترجمة الإركامية كلمة ixfawen كترجمة لكلمة "الفروع (فروع نجمة العَلَم)" بينما المعنى الحقيقي لكلمة ixfawen هو "الرؤوس". وذلك كله رغم أن اللغة الأمازيغية (بعشرات قواميسها وتنوعاتها الغنية) تملك ما يكفي ويزيد من الكلمات الدقيقة والمتنوعة لترجمة المفاهيم الثلاثة المتمايزة وهي:
النجمة = titrit أو itri.
الفروع = tiseḍwin (تيسضْوين).
الشعار = taẓogayt.
وأهمل المترجم الإركامي كلمة "اللواء" الموجودة في الفصل 4 من الدستور فلم يترجمها. وترجمتها هي:
"اللواء (لواء العَلَم)" = tilleft.
(المرجع: المعجم العربي الأمازيغي – محمد شفيق).
وها هي ترجمة أمازيغية بالحرف اللاتيني للفصل 4 من الدستور المغربي، بشكل أدق:
"عَلَم المملكة هو اللواء الأحمر الذي تتوسطه نجمة خضراء خماسية الفروع."
Acenyal n Tgeldit iga tilleft tazeggʷaɣt tella deg wammas nnes yut titrit tazegzawt ilan semmust n tseḍwin
"شعار المملكة: الله، الوطن، المَلِك".
Taẓogayt n Tgeldit: Akuc, Amur, Agellid.
2) الترجمة الإركامية للدستور تخلط بين "القانون" و"الحق":
استخدمت الترجمة الإركامية للدستور نفس الكلمة ⴰⵣⵔⴼ أي Azref (وصيغة جمعها: izerfan) لترجمة مصطلحين مختلفين وشديدي الأهمية وهما "القانون" و"الحق". وفي الفصول 20 و22 و23 من الدستور ترجم الإركام كلمة "القانون" إلى ⴰⵙⵍⴳⵏ أي Aselgen. وفي الفصول 76 و77 و78 ترجم الإركام "القانون" إلى Alugen وهذا خطأ لأن Alugen تعني "القاعدة" حسب قاموس Amawal لمولود معمري وحسب قاموس الإركام نفسه Amawal n Tjeṛṛomt الصادر في 2009.
الخلط بين مفهوم "القانون" و"الحق" يبدأ في ديباجة الدستور حيث يترجم الإركام عبارة "حقوق" إلى ⵉⵣⵔⴼⴰⵏ أي izerfan مرتين. وفي نفس الديباجة يترجم الإركام عبارة "القانون" إلى ⴰⵣⵔⴼ أي azref ويترجم "القوانين" إلى ⵉⵣⵔⴼⴰⵏ أي izerfan. وكذلك يترجم الإركام في الفصول 6 و11 و14 كلمة "القانون" إلى ⴰⵣⵔⴼ أي Azref. وفي الفصول 10 و16 و37 يترجم الإركام كلمة "القوانين" إلى ⵉⵣⵔⴼⴰⵏ أي izerfan. وفي الفصول 10 و11 و16 و17 و23 و161 يترجم الإركام كلمة "الحقوق" إلى ⵉⵣⵔⴼⴰⵏ أي izerfan. وفي الفصل 27 يترجم "الحق" إلى ⴰⵣⵔⴼ أي Azref.
أما في الفصل 15 فقد قام المترجم الإركامي بترجمة كلمتي "القانون" و"الحق" بنفس الكلمة ⴰⵣⵔⴼ أي Azref وفي نفس الجملة بالضبط! لاحظ بنفسك:
ⵔⴰⴷ ⵉⵜⵜⵡⴰⵙⴽⴰⵔ ⵢⴰⵏ ⵓⵣⵔⴼ ⴰⵙⵍⴳⴰⵏ ⴰⴼⴰⴷ ⴰⴷ ⵉⵎⵍ ⵜⵉⵎⴰⵎⴽⵉⵏ ⴷ ⵜⵡⵜⵍⵉⵏ ⵏ ⵓⵔⵣⴼ ⴰⴷ.
أي:
Rad ittwaskar yan uzref aselgan afad ad imel timamkin d twetlin n uzref ad.
بينما النص العربي يقول: "ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق" (الفصل 15).
الترجمة الإركامية تشرح الماء بالماء. هذا الخلط بين "القانون" و"الحق" هو خطأ فادح غير مقبول لأنه غير معقول. والأمازيغية تملك ما يكفي من الكلمات التي تميز بين "القانون" و"الشرع" و"الحق":
inezgi = الحق (الحق في امتلاك شيء أو فعل شيء).
inezgan = الحقوق.
annezgi أو tinnezgit = الأهلية / الأحقية.
imennezgi = صاحب الحق / صاحب الأهلية.
netta yennezga = هو مَلَكَ الحقَّ / هو أهْلٌ لِ...
tasɣaṛt أو amu أو taɣamt أو tunt = الحق (أي: النصيب).
asaḍof أو taɣʷda = القانون.
isaḍofen أو isoḍaf أو tiɣedwin = القوانين.
azref أو azerf = الشرع / الشريعة.
izerfan = الشرائع.
(المرجع: المعجم العربي الأمازيغي – محمد شفيق. Amawal n Tmaziɣt Tatrart – مولود معمري).
3) الترجمة الإركامية تخلط بين مصطلحي "السلطة" و"الحكومة":
في اللغة الأمازيغية لدينا هذه المصطلحات المتنوعة والمتمايزة:
الحُكم (ممارسة الحكم) = Anbaḍ أو Anebbeḍ.
الحاكم = Anebbaḍ (النطق: أنبّاض).
الحكومة = Anabaḍ.
السلطة = Tanbaḍt أو Tirna.
(المرجع: المعجم العربي الأمازيغي – محمد شفيق. Amawal – مولود معمري).
أما الترجمة الإركامية للدستور فهي تسمي "الحكومة" و"السلطة" بنفس المصطلح وهو ⵜⴰⵏⴱⴰⴹⵜ أي Tanbaḍt عبر كل فصول الدستور. وهذا خلط جسيم وفادح تنتج عنه ترجمات خاطئة ومفاهيم ملتبسة على طول الخط.
فمثلا يترجم الإركام في الفصل 44 عبارة "رئيس الحكومة" إلى ⴰⵏⵙⵙⵉⵅⴼ ⵏ ⵜⵏⴱⴰⴹⵜ أي Anessixef n Tenbaḍt وفي نفس الفقرة يترجم الإركام عبارة "المجلس الأعلى للسلطة القضائية" بـ ⴰⵙⵇⵇⵉⵎ ⴰⵎⴰⵜⵜⴰⵢ ⵏ ⵜⵏⴱⴰⴹⵜ ⵜⴰⵎⵣⵣⴰⵔⴼⵓⵜ أي Aseqqim Amattay n Tenbaḍt Tamezzarfut.
كما لاحظتم فإنه في العبارتين العربيتين لدينا "الحكومة" ولدينا "السلطة" كمفهومين مختلفين، أما في العبارتين الأمازيغيتين الإركاميتين فإن "السلطة" = "الحكومة"، لأن الترجمة الإركامية تعبر عنهما بنفس الكلمة الأمازيغية: ⵜⴰⵏⴱⴰⴹⵜ أي Tanbaḍt وهذا خطأ. فكأن "رئيس الحكومة" = "رئيس السلطة"، أو كأن "المجلس الأعلى للسلطة القضائية" = "المجلس الأعلى للحكومة القضائية"!
هذا فضلا عن أن Tamezzarfut هو اسم فاعل يعني "القاضية" وليس "القضائية".
الترجمة الأدق هي ما يلي:
رئيس الحكومة = Aselway n Onabaḍ.
المجلس الأعلى للسلطة القضائية =
Aseqqim Afellay n Tenbaḍt Tazurfant.
أو:
Aseqqim Afellay n Tirna Tazurfant.
(المرجع: المعجم العربي الأمازيغي – محمد شفيق).
ونجد أيضا خطأ فادحا في الفصل 89 من الترجمة الإركامية. فعندما حاول الإركام ترجمة العبارة الدستورية "تمارس الحكومةُ السلطةَ التنفيذية" (الفصل 89) قدم لنا هذه الترجمة العجيبة:
ⴷⴰ ⵜⴳⴳⴰ ⵜⵏⴱⴰⴹⵜ ⵜⴰⵏⴱⴰⴹⵜ ⵜⴰⵎⵙⴽⴰⵔⵜ.
أي: Da tegga tenbaḍt tanbaḍt tameskart.
ومعناها الحرفي: "تفعل السلطةُ السلطةَ الفاعلة". ما رأيكم في هذه الترجمة العجيبة؟!
ها هي ترجمة معقولة نسبيا:
"تمارس الحكومةُ السلطةَ التنفيذية" =
Anabaḍ yettellal tanbaḍt taselkamt.
أو: Anabaḍ yettellal tirna taselkamt.
لدينا في اللغة الأمازيغية ما يلي:
التنفيذ = Aselkem.
تنفيذي = Aselkam.
تنفيذية = Taselkamt.
هو يُمارِس = Netta yettellal.
الممارَسة = Tililt.
(المرجع: المعجم العربي الأمازيغي – محمد شفيق. Amawal – مولود معمري).
4) الترجمة الإركامية تخلط بين "عمومي" و"عامّ" و"اجتماعي":
في الفصول 27 و67 و147 ترجم الإركام كلمة "عمومية" إلى ⵜⴰⴳⴷⵓⴷⴰⵏⵜ أي Tagdudant. وفي الفصلين 22 و27 ترجم الإركام كلمة "عامة" إلى ⵜⴰⴳⴷⵓⴷⴰⵏⵜ أي Tagdudant.
وفي الديباجة (التصدير) ترجم الإركام كلمة "اجتماعي" إلى ⴰⴳⴷⵓⴷⴰⵏ أي Agdudan. وفي الفصل 1 ترجم الإركام كلمة "اجتماعية" إلى ⵜⴰⴳⴷⵓⴷⴰⵏⵜ أي Tagdudant.
من الواضح ان الخلط بين الكلمات "عمومي" و"عامّ" و"اجتماعي" والتعبير عنها بنفس الكلمة الأمازيغية هو شيء خاطئ. الصحيح في اللغة الأمازيغية هو ما يلي:
Amun أو Timetti = المجتمَع.
amunan أو imettiyan = اجتماعي / مجتمعي.
tamunant أو timettiyant = اجتماعية / مجتمعية.
Agdud = الجمهور / الجمهرة من الناس / الحشد.