تكريم المرأة بين الشريعة الإسلامية والثامن من مارس

يوسف الصفار

 

الحمد لله الذي كرم الإنسان وفضله على سائر خلقه، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. وبعد:

يحتفل العالم كل سنة في الثامن من مارس باليوم العالمي للمرأة، ويُحْتَفَل فيه بالإنجازات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي حققتها...، وقد سيطر هذا اليوم على عقول بعض المسلمات وجعلهن متشبثات به وينتظرنه بفارغ الصبر.

ومن واجباتنا تجاه بعضنا البعض أن ننبه إخواننا وأخواتنا في الدين على طريق الهدى والاستقامة، ومن هذا المنطلق ارتأيت أن أتحدث بإيجاز عن هذا اليوم وعن قيمة المرأة في الإسلام.

إن سبب الاحتفال بهذا اليوم لا يعرفه إلا القليل، ويمكننا أن نقول بخصوصه أنه سنة 1945 في باريس انعقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، وبعد ذلك في أواخر السبعينات تقرر تخصيص يوم الثامن من مارس كيوم عالمي للمرأة.

وعند قراءة ذلك لأول مرة يظن المرء أن هذا أمر حسن، لكن الأمر يختلف عندما نعرف أن هذا الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي من المنظمات الرديفة للأحزاب الشيوعية. ومما لا شك فيه أن أفكار مثل هذه الأحزاب تتعارض مع تعاليم الإسلام، ومن ثم لا يمكن تطبيقها داخل مجتمعنا الإسلامي.

لكن مع الأسف الشديد فإننا نجد في المغرب عدة أحزاب وجمعيات تعتمد على مرجعية غير إسلامية - رغم أن المشرفين عليها من المسلمين - وتبني أفكارها على آراء الفلاسفة والكتاب الغربيين. فهنا يُطْرَح التساؤل: كيف يعقل أن يدافع المسلمون على بعض الأفكار المتناقضة مع دينهم؟

لقد بدأت بعض الأفكار الغربية تنتشر في مجتمعنا ومن بينها فكرة تخصيص هذا اليوم للمرأة. هذا لا يعني أنني أعارض الانفتاح، لا بالعكس فمن المفيد أن يستفيد مجتمعنا من تجارب مجتمعات أخرى لكي نستفيد من أخطائهم ونتجنب تكرارها...، لكن هناك بعض الأمور التي ينبغي الاطلاع عليها والعلم بها فقط دون تطبيقها، وذلك لأنها قد تكون متعارضة مع أعرافنا أو قيمنا أو ديننا...

أما بالنسبة لحكم الاحتفال بالمرأة، فكما سبق ذكره إن أول بوادره ظهرت في منتصف القرن الماضي في الدول الغربية، وهذا يجعله بعيدا كل البعد عن مختلف مصادر التشريع الإسلامي، إذن فببساطة يمكننا القول أن هذا الاحتفال يعتبر من البدع والمحدثات المنهي عنها، والأخطر من ذلك أنها بدعة دخيلة من بلاد الكفار، ومن المسلم به أنه لا يجوز التشبه بالكفار وينبغي مخالفتهم لا الاقتداء بهم.

ومن المسلم به أيضا أن للمرأة دور كبير داخل المجتمع، فإذا صلحت أحوال النساء وأخلاقهن فلا ريب أن ذلك سيؤثر بشكل إيجابي على أبنائهم ومن ثم يمكن أن يتكون مجتمع صالح. وفي هذا الصدد قد يطرح البعض سؤال مهم وهو: أليس من حق المرأة أن يحتفل بها العالم في يوم واحد في السنة؟

يمكن الرد على هذا السؤال أن المرأة المسلمة مُحْتَفَل بها ابتداءً من أيام البعثة وليس من سنة 1945 ولا 1977، ونستنتج ذلك من عدة أدلة من بينها على سبيل المثال:

- من حيث التكريم: قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} سورة الإسراء، الآية 70.

نلاحظ أن الله تعالى قال ولقد كرمنا بني آدم ولم يقل مثلا ولقد كرمنا الرجل، إذن فالمرأة والرجل سواسية من ناحية التكريم، ويبقى الاختلاف بينهما في بعض الحقوق والواجبات وذلك راجع لاختلاف طبيعتهما...، فإذا كانت المرأة مكرمة في القرآن فما الحاجة لتخصيص الثامن من مارس للاحتفال بها؟ أليس هذا أمرا ساذجا؟ ألا يعلم هؤلاء المحتفلون بما جاء في كتاب الله؟

- من حيث التفاضل: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} سورة الحجرات، الآية 13.

 فالمعنى هنا واضح، حيث أن معيار التفاضل والتكريم بين الرجل والمرأة، وبين الشعوب والقبائل هو تقوى الله، وبمعنى آخر يمكن أن تكون المرأة مكرمة أكثر من الرجل إذا كانت تتقي الله أكثر منه، إذن كيف يعقل أن يحتفل المسلمون بأي امرأة كيفما كانت في الثامن من مارس حتى وإن كانت كافرة؟ وإذا كانت المرأة فاجرة أو فاسقة أو مشركة أو ملحدة - أي غير مكرمة عند الله - فمن نحن لكي نمنحها هذا التكريم في هذا اليوم المذكور؟

إضافةً إلى ذلك، فالمرأة بالنسبة للرجل هي أمه وزوجته، أخته وجدته، عمته وخالته...، فعليه أن يحترمها على مدار السنة، فإذا كان هذا الاحترام واجب تجاه النساء المقربات فإنه واجب أيضا تجاه كل المسلمات، وكذلك الكافرات لكي يتعرفن على أخلاق المسلمين وقد يجعلهن ذلك يدخلن إلى الإسلام. 

إذن، ينبغي للمسلم أن يحترم كل النساء ولا يجوز احتقارهن، وهذا لا يمنعه من أن يقدم لهن المواعظ وأن يؤدبهن إذا اقتضى الحال وكانت له الصفة لذلك، لكن ينبغي ألا يكون ذلك بشكل مفرط وأن يحترم الضوابط الشرعية...، وأخيرا بعد ما بيننا بعض مظاهر تكريم المرأة نكون قد بلغنا هذه الرسالة القصيرة. فإذا أصبت فذلك من فضل الله وإذا أخطأت فمن تقصيري...، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.