تفشي ثقافة النصب والاحتيال يهدد الثقة في القانون

تفشي ثقافة النصب والاحتيال يهدد الثقة في القانون

عبد اللطيف مجدوب

 

المشهد العام

       لا تكاد تخلو يوميات كل مغربي من معايشته ، أو اصطدامه بحالة من النصب والاحتيال ؛ في المعاملات العامة ؛ أو ولوجه لسوق التبضع ، أو تعاطيه لمجال عقاري .. فالحالات جد عديدة ومعقدة ، وقد تنسحب على جميع مناحي الحياة اليومية إلى درجة أن انتقلت عدواها من مجرد حالات إلى ظاهرة فثقافة ؛ تحبل بها اللغة العامة المتداولة ، ويلتقطها العامي كقواعد وأسس في المعاملات .. لكنها ؛ من واجهة أخرى ؛ تضعف من قوة نفوذ القانون في الردع ، والتصدي لحالاتها ، وإن كان القانون نفسه ؛ هو الآخر ؛ يقع أحيانا فريسة سائغة بيد النصابين فيحتالون عليه بوسيلة أو أخرى .

      في هذه الورقة سنحاول استبيان معاني النصب والاحتيال ، من خلال أمثلة من المعيش اليومي ، والمجالات التي تنشط فيها عمليات النصب والاحتيال ، وسنختم بإيراد مقترح لوضع حد لهذا المد الثقافي في الاحتيال والخديعة والنصب .

مدلول عام

       النصب ؛ في التعريف العام ؛ نيل المال ، أو غرض ما عبر الخداع والمكر ، وسلوك وسائل غير مشروعة كالكذب والغش .. ولا نكاد نعثر على مسافة ؛ في المعنى ؛ بينه وبين الاحتيال ، فهما مدلولان ، يردان كمرادف لمعنى واحد هو الخدعة والخديعة . 

النصب والاحتيال في الميديا

       كل الوسائل الإعلامية ؛ سيما المكتوبة منها ؛ لا تخلو وبشكل شبه يومي ، من إشارات ، وعناوين بضبط جماعة ، أو أشخاص أو جهة تتقمص صفة مسؤول ، وصاحب نفوذ في قضاء أغراض وهمية لقاء أموال طائلة ، أو تلجأ إلى الاحتيال على أموال المواطنين بطرق غير مشروعة كانتحال الصفة ، أو تزوير العقود والمستندات .. أو دفع رشاوى ، أو عقد صفقة مدسوسة ، أو مجردة من بعض البنود ... على أن النصابين والمحتالين ، تزدان بهم جميع القطاعات المنتجة ، ويكاد يوجد لهم تخصص في كل مجال ، أو فضاء اقتصادي ، أو خدماتي ؛ ويمتلكون ترسانة من المتاهات يركبونها للوصول إلى أهدافهم ، وأحيانا يستعينون بشبكات لها إلمام بالعقود ، والتحايل على القانون .

عينة من حالات النصب والاحتيال

      إن محاولة تعداد حالات النصب والاحتيال ، قد لا يسعها حصر ، لوجود ظاهرة تغولها واستشرائها بين أفراد المجتمع ومؤسساته ، من جهة وغياب أو تغييب المسطرة القضائية في التصدي لهذه الحالة أو تلك من جهة أخرى .. مما يعتبر ؛ لدى النصابين والمحتالين ؛ بيئة خصبة لممارسة ألاعيبهم ، وتحايلهم على حقوق الغير . ويكفي هنا إيراد عينة من حالات النصب والاحتيال الأكثر شيوعا في المجتمع المغربي :

    *   في مجال العقار

ـ تزوير رسوم البقع الأرضية ؛

ـ كراء الشقق والمحلات التجارية ؛

ـ التملص من دفع الأكرية ، ولو بتعاقدات ؛

ـ الاحتيال على مواد البناء فتكتمل البناية مغشوشة ؛

ـ الاحتيال والترامي على بناء دور سكنية غير مرخص لها ؛

ـ البيع بالنوار ..  

   *  في القطاع الخدماتي 

ـ انتحال الصفة لشخص أو جهة أو مؤسسة ؛

ـ استغلال ذوي العاهات للنصب على المحسنين ؛

ـ بيع عقود وهمية ؛

ـ انتحال صفات أطباء ؛ مهندسين ؛ محرري العقود ؛

ـ بيع السيارات المستعملة بيد نصابين ؛

   *  في القطاع العنكبوتي (الأنترنيت)

ـ السطو على المعلومات الشخصية للزبون قصد ابتزازه ؛

ـ ابتياع منتجات من مؤسسة وهمية لاصطياد الزبناء لابتزازهم ، وتعريض حساباتهم البنكية للتهديد ؛

ـ تقديم خدمات مجانية للانقضاض على الزبون في المرحلة الأخيرة ، وسلبه اعتماده البنكي ؛

*  في قطاع النقل

ـ بيع تذاكر وهمية ومزورة ؛ سواء داخل المغرب أو خارجه ؛

*  في قطاع المنتجات الغذائية 

ـ بيع مواد غير خاضعة للتعرفة الجمركية ؛

ـ بيع لحوم وأجبان غير خاضعة للمراقبة ؛

ـ بيع مواد بتواريخ استهلاكية مزورة ؛

ـ بيع الدقيق بإسم شركة وهمية ؛

ـ بيع مواد صيدلانية غير مرخص لها داخل المغرب ؛

ـ إعادة بيع مواد ومنتجات فاسدة ؛

 تغول ظاهرة النصب والاحتيال أمام القانون

       لا شك أن المغرب يتوفر على ترسانة هائلة من القوانين والمنظومات ، تغطي جميع مناحي الحياة ، وتحين من فترة إلى أخرى ، تبعا للطوارئ والمستجدات ، وتطور المجتمع .. بيد أن قوتها ، أو بالأحرى أثر مفعولها يكاد يكون ضعيفا أمام حالات لا حصر لها ، إما لوقوع تلاعب ما بالملف المرصود أو شراء الذمم ، أو التحايل على القانون نفسه ، فيستغل لوجود ثغرات فيه ليتسرب منها المحتال والنصاب لتحويل مسار الملف القضائي إلى فائدتهما .. وفي هذا السياق يمكن إيراد مشاهد تعج بها محيطات المحاكم كطلب الشهود ، ومحرري العقود ، والوسطاء ... والضحية ؛ في كل هذه المتاهات ؛ هو المواطن ، صاحب الحق المسلوب ، فيقع فريسة بين نصابين ومحتالين تحت أسماء مسجلة للسطو على جيوبهم ، وأحيانا على ضمانات عينية ، كما في تحرير عقود السلف ، والبيع والشراء والكراء ..  

النصب والاحتيال من ظاهرة إلى ثقافة

       مع تعدد حالات النصب والاحتيال ، واحتلالها الصدارة في الإعلام الشعبي ، تحولت إلى ظاهرة عامة غزت الحس الاجتماعي ، كان من تبعاتها الأولية بروز الريبة ، وتوقع المجهول في كل المعاملات بجميع تصنيفاتها .. وغدا الاحتراس حاضرا بقوة في جميع مسارات المواقف ، والاحتكاكات الاجتماعية اليومية . وأمام هذه الحيطة والريبة والتشكيك تناسلت جملة من "التقنيات" والقواعد ، وشبكات السطو والنصب والاحتيال بين أفراد المجتمع ، إما للحيلولة دون وقوعها أو العمل على تنفير الناس من الولوج إلى معاملات لا يعلمون بمصيرها .. وقد تنتهي بأصحابها إلى المثول أمام المحاكم ، إن لم يكن مواجهة المجهول .

استعادة قوة القانون 

               إن تفشي ثقافة النصب والاحتيال ؛ وفقا لهذا المنظور ؛ يطرح إشكالية القانون ، ومدى نفوذه في التحكيم ، وصفاء المعاملات ، وضمان مناخ لتأمينها من أيادي النصابين والمحتالين .. وهذا يفرض جملة من المداخل يمكن إيجازها فيما يلي :

   ـ بث حصص توعوية تحسيسية على القنوات السمعي والبصري ؛

   ـ إعادة تقنين بعض المعاملات ، وتضمينها بنودا بالضمانات المالية ؛

   ـ إنزال عقوبات زجرية مستعجلة أمام حالات النصب والاحتيال ؛

   ـ زجر النصاب والمحتال ، وانتزاع الثقة منه ، تضاف إلى سجله القضائي . 

       

 

عدد التعليقات (1 تعليق)

1

KITAB

أتتبع دوما مقالات هذا الكاتب والباحث لموضوعيته ورصانته في تناول القضايا ، والحق أقول إن المجتمع المغربي يحبل بقضايا شائكة لعل النصب والاحتيال تأتي كأبرز واجهة مرضية نعاني منها ، مما ولد في المقابل ولدى شريحة كبيرة من المواطنين الخوف من مواجهة المجهول في معاملاتنا اليومية ، وانعدام الثقة بالكاد في شخص أو جهة ، أو الانغماس في حمأة النصب والتعامل بنفس المثل في الاحتيال والسطو على المال بطرق غير شرعية.

2016/03/28 - 05:38
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات