المشروع الإصلاحي: أولويات مضطربة و تنزيل متعثر
عبد الحفيظ زياني
بالنظر إلى الحالة العامة التي بات يعيشها الشأن التربوي التعليمي، وما أفرزه الإجماع الحاصل بصدده، الأمر الذي فرض البحث عن مخرج للأزمة التي تجسدت، حتى أصبح إيجاد خطة عاجلة للإصلاح، وصياغة مشروع تربوي جديد، من الأساسيات، خصوصا إذا كان حضور الطابع التشاركي أمرا إلزاميا ومفروضا، حتمته اللحظة وضروراتها، مما فرض فتح نقاش يمتلك طابع تقرير مصير منظومة التربية و التكوين في شكلها الشمولي .
لاشك أن الإطار العام لبيداغوجيا الإصلاح قد انطلقت من حقيقة قارة وثابتة، جعلت كل الأطراف معنيين في جميع أشواط ومراحل القرار التربوي، فالمسألة اقتضت خطوات: بدأت، في مرحلتها الأولى، باعتماد منهج يتسم بطابع علمي، من خلال تشخيص العملية، بناء على أسئلة ركزت على الإشكاليات المطروحة، رصد العلة، ثم العلاج الذي يعتمد على الانتقائية في الحلول، قصد إيجاد الصواب، يليه اتخاذ القرار الأنسب، شريطة أن يتصف هذا الأخير بالجدوى، لذا فمن المفروض اعتماد الآليات الكفيلة بحسن تصويب وتعديل الوضع، للخروج من نفق الأزمة، التي تعد نتاج تراكمات أدت إلى وضعية وصفها الجميع بالسكتة القلبية، الأمر الذي قد يضعنا أمام إشكالات أخرى تتفرع عن الأزمة الفعلية : الاعتماد الكلي على التنظير و إسقاطه في اتجاه التطبيق الميداني، في الوقت الذي كان يفترض العكس، والانطلاق من الدراسات و التقارير البعيدة عن الجانب السسيوبيئي، وهو توجه يطغى عليه الجانب التجريدي، الذي يبقى حبيس النظريات و الآراء، ما لم تزكيه التجربة، ومن تمة اعتماد طرائق تنزيل عمودية قد لا تنسجم و الوضع الحقيقي، إلى جانب الطابع الطارئ للمشروع، الذي فرض هو أيضا برنامجا تم إنزال أساسياته ومضامينه، قصد تعميمه في ظرف زمني قياسي .
بناء على دراسة الوضعية الراهنة، جاءت المشاورات، التي أفرزت ما أطلق عليه بالتدابير ذات الأولوية، لكنها لم تعرض كأرضية للنقاش، بل جاء تنزيلها موسوما بطابع تقريري إلزامي، كتحصيل حاصل، فاعتماد مسمى التدابير ذات الأولوية، التي جعلت من ركائزها التسع : التمكن من التعمات الأساس، التمكن من اللغات الأجنبية، دمج التعليم العام والتكوين المهني وتثمين التكوين المهني، الكفاءات العرضانية والتفتح الذاتي، تحسين العرض المدرسي، التأطير المدرسي، الحكامة، تخليق المدرسة، التكوين المهني تثمين الرأسمال البشري وتنافسية المقاولة، جعل شعار التدابير ذات الأولوية من هذه الخطوات نهجا حاسما على درب الإصلاح المنشود، يفرض صياغة تقارير تركيبية و العودة بها في اتجاه المنحى الذي جاءت منه : محليا، إقليميا، جهويا، ووطنيا .
إن ما يتطلب النقاش ليس بالضرورة مسميات المحاور و لا مضامينها، فما يحتم الوقوف مطولا، وبإمعان شديد، هو منهاج الإصلاح وسبيله، حضور الجدية اللازمة للتقارير التركيبية، أو غيابها، قد تكون المحاور جدية وذات مغزى إصلاحي حقيقي، تعكس النظرة الشمولية للإصلاح و جديته، و تتجلى في عرض ملامح مشروع تربوي جديد بمواصفات موضوعية و علمية، لكن التنزيل الصحيح، بإمكانه الإسهام في وضع اللبنات الأساس لمشروع بيداغوجي ناجح، لذا وجب الانتباه إلى الطريقة التي مرت منها العمليات التشاورية، لتظل المجالس التقريرية للمؤسسات التعليمية الخانة الأهم، والقناة الأعمق، الموصلة إلى خلاصات ناجعة، تعتمد على أرقام واقعية، و حقائق تنبني على التجربة و يزكيها الميدان، إن أهمية مجالس المؤسسة تكمن في كونها هيئات لها من الأهمية ما يجعلها توجها تقريريا كفيلا بتقديم حلول أساسية، في استطاعتها التوصل إلى عصارة الخلاصات و الاقتراحات، لكن الواقع الراهن يجعلها تصنف في خانة ضعف الأداء و انعدام قوة التأثير، فلا زالت لم تصل بعد درجة القوة الاقتراحية، ولا تمثل سوى الجانب الاستشاري التكميلي، من خلال أدوارها الغائبة، وحضورها المحتشم، الأمر الذي يفرض حتمية تركيز تدخلات الأطراف، فمن منطلق إنجاح المشروع الجديد، لابد من الاعتراف بحقيقة على درجة كبيرة من الأهمية، هي الدور الأساسي و البارز لهيئة التدريس، فما أفرزته النظرة الدونية لنساء ورجال التعليم، التي طغت على الأحكام، أثرت على موقعها داخل المنظومة عموما، فأحيانا تصير مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تردي الشأن التربوي التعليمي، و أحيانا أخرى تصبح صاحبة الرأي الفاصل و الحاسم، و الحل الفريد لانطلاقة الإصلاح، بالتأكيد لا يمكن الجمع بين النقيضين .
إذا كان التخطيط للمشروع قد بدأ من طريقه الصحيح، فأجرأة عناصره لا بد أن ترتكز على تدخلات الفاعلين الأساسيين، حسب موقع كل طرف و مكانته في المنظومة التربوية، والتوقف عند معظم الاختلالات التي أبانت قصورا في الممارسة الميدانية أمر حاسم وأساسي، هذه الاختلالات التي أثرت بشكل سلبي على المدرسة المغربية بكل تجلياتها، وانعكست كل السلبيات على المردودية والجودة، فرغم كون أعمدة المشروع الجديد، ذلك الإطار العام الذي لازال طابع التجريد يلفه من جميع الجوانب، إلا أنه سيظل أرضية في حاجة إلى تنقيح وإضافة، ليستمد نجاعته، وقيمة تأثيره، من الربط الحتمي بين التنظير و التطبيق .