شيء من الماضي.....

شيء من الماضي.....

ياسين الزيتوني

 

المتتبع للشأن التربوي يذهله ولا شك حجم المذكرات التي تصدرها وزارة التربية الوطنية كل موسم دراسي, ناهيك عن المذكرات الجهوية والاقليمية, وحتى المذكرات الداخلية الخاصة بتقارير مختلف المجالس الداخلية للمؤسسات والأنشطة وغيرها... "خلاها" الوزير الوفا, عندما كان على رأس الوزارة في بداية ولاية الحكومة الحالية  صرح في برنامج تلفزي مباشر أن مما أذهله داخل الوزارة كثرة المذكرات وأرقامها 122  - 14/12 – 059/13... لقد شبه الأمر بالسجن ' كثرة الأرقام بحال الحبس". 

كثيرا ما نتساءل هل ما تصدره الوزارة من مذكرات يتم قراءته والاطلاع عليه من المعنيين فضلا عن غيرهم. بدءا بالوزير الذي يوقعها مرورا بمختلف  المسؤولين  وصولا للمؤسسات التعليمية. شخصيا أتذكر لحظات كان الحارس العام للملحقة يرسل إلي ملفا يشبه ملفات المحكمة أمام رشيد الوالي في برنامج مداولة مليء بالمذكرات بمختلف تلاوينها وموضوعاتها التي تراكمت لمدة شهر أو أكثر, وأنا منهمك مع المتعلمين في فك رموز معادلة أو متراجحة ... في أحسن الأحوال أمرر عينا عليها دون اهتمام كبير, تماما مثل قاضي المداولة, الذي لا يقرأ بجدية لأن الأمر مجرد تمثيل, وأوقع خلفها جميعا وربما أرسلتها ثانية للحارس العام قبل حتى أن نحل معادلة واحدة.

وصدق من قال " تبات الحال من المحال", فقد انتقلت من مجرد القراءة السريعة الخاطفة إلى مستوى التحليل والنقد والترجمة , أحاول فك شفرة مضامين مذكرات الوزارة خاصة الحديثة منها : البرنامج الاستعجالي ,التدابير ذات الأولوية, الرؤية الاستراتيجية,... لارتباطها بمواضيع الامتحانات المهنية, فقد بلغت " 6سنوات " من العمل وأصبح بإمكاني اجتياز الامتحان المهني لأول مرة, سبحان الله كم تتشابه البدايات فقد كان أول امتحان أجتازه في المدرسة بعد 6 سنوات كذلك " امتحان الشهادة", وحتى نسبة النجاح في الامتحانين تكاد تتساوى, فالأول 13% والثاني  113% "حيث فـ السادس حتى لي غايب كاينجح ". لقد استدركت ما فاتني من القراءة في المذكرات وأنا أستعد للإمتحان المهني, رغم أن المسألة مجرد "زهر" لا غير كما يقول ذوي السوابق في هذا المجال. 

كما هو معلوم فالحياة المهنية في الأخير تشبه الحيوات الأخرى, فيها طفولة ومراهقة وسن الرشد وطبعا الكهولة والشيخوخة, والشيخوخة في الوظيفة العمومية في المغرب كانت تسمى سابقا تقاعد والآن مع مثلث برمودا الحكومي الذي يستهدف أنظمة التقاعد, قد يصبح هذا الأخير مجرد وقت بدل ضائع فقط. 

وعلى ذكر الامتحانات لا يفوتني التنديد بازدواجية المعايير التي تنتهجها الوزارة مع الممتحن, بكسر الحاء, والممتحن بفتحها, فالأستاذ خلال حراسته للامتحانات يقوم بواجبه ولكنه عندما يواجه مشاكل مع الممتحنين خاصة الغشاشين منهم, يواجه مصيره المحتوم ولا واحد يسمع له فضلا عن أن ينصفه أحدهم , وأظن أننا نحتاج لشراكة تعاون في هذا المجال مع دولة الهند الشقيقة حيث التجربة الرائدة في اجتياز الامتحانات, فقد نقلت بعض التقارير الصحفية المصورة أن الامتحانات هناك تتم بالعراء وفي العراء تحت حراسة الجيش, وهذا سيساعد حتى أفراد الجيش والأمن على اكتساب خبرة في الكشف عن المخدرات وإبطال مخططات تهريبها, فالتلاميذ هذه الأيام يستعملون وسائل ويبتكرون أدوات للغش لا تخطر حتى على أذكى أذكياء اليابان. 

بدأت بالمذكرات, ثم انتقلت للامتحانات, امتحانات الأساتذة وامتحانات التلاميذ, ولكن لا يهم, مادام الموضوع تربويا فالأمر يستحق القراءة ولو سطحيا كقراءة المذكرات أيام الطفولة المهنية, على ذكر الطفولة , أتذكر يوم الختان, تذكروا نحن دائما نتحدث عن الحياة المهنية, في ذلك اليوم يتم إعداد الحلويات و"العصيرات", ثم الطاجين بالبصلة المخضر باللحم, ونصنع قسما نموذجيا من المجتهدين حتى يبدوا المنظر بانوراميا أمام المفتش ورفاقه, والمشكلة الأكبر كانت هي ندرة المجتهدين ولكن لحسن الحظ كان حائط المؤسسة يجمعنا بابتدائية تحمل اسم إحدى الملحمات الكبرى في المغرب, فربما أعارنا منهم بعض النوابغ حتى تكثر المشاركة أثناء وجود المفتش وحتى لا نفسد حفلة الختان, وبعد ساعتين من المعقول المبالغ فيه تجتمع اللجنة, ويسمع الأستاذ لبعض الملاحظات الضرورية من المراقب التربوي وفريق عمله للحظات ثم تنتهي الكفاءة المهنية ويهنئك الجميع بالترسيم, "بشاااااااخ", حينها تشعر وكأنك فزت بدوري الأبطال على اعتبار أن اسمك في سجل الوظيفة العمومية تتخيل أنه يتم نحثه على طريقة نحث اسم الفائز ب"الشامبينز ليك" على الكأس ذات الأذنين بمجرد انتهاء المباراة, وتلتحق مع الجميع للقاعة رقم 5 الملقبة بالإدارة حيث ينتظركم الغذاء, وهنا تتأكد من مدى مناسبة تشبيه الكفاءة المهنية  بالختان لأن الكل يقولون لك "على سلامتك" وقد يتصل بك آخرون لنفس الغرض, وللإشارة فالغذاء في هذا اليوم استثنائي ولا يتكرر والإعداد له,له نفس أهمية تحضير الجذاذة, ويحكى أن أحدهم يوما جاء من المدينة إلى القرية محملا بلوازم الغذاء ولمسافة 50 كلم ليفاجأ قبيل وصول اللجنة بنسيانه للأدوات الديداكتيكية اللازمة لإنجاز الحصص الصفية أمام المفتش," جاب لغذا, أونسا لمحفظة ", وكيف لا يكون الطاجين له أولوية في هذا اليوم الخاص وهو الراعي الرسمي لهذه الفعالية الخالدة.

قبل الختام, كما هو معلوم, التعبير عن القضايا التي تدعو إلى الانتقاد في المجتمعات يأخذ أشكالا مختلفة متنوعة, والسخرية في قالب نثري يختلط فيه الواقعي بالخيالي من أروع الأساليب لإيصال بعض الأفكار بروح النكتة والضحك. لذلك كانت هذه الكلمة عن فترة من الماضي القريب لازلت أعيشه كل لحظة. 

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة