اليسار بصيغة المؤنث..نبيلة منيب – حسناء أبو زيد

اليسار بصيغة المؤنث..نبيلة منيب – حسناء أبو زيد

عبد السلام المساتي

 

على مر السنوات التي تلت الاستقلال أنتج لنا اليسار المغربي أسماء قوية تركت بصمتها واضحة في التاريخ السياسي للمغرب المعاصر بحكم قدرتهم على احداث تغيير عميق في مسار الأحداث نحو تحقيق انفراج في الوضع الحقوقي والحرياتي الذي كان وما زال مطبوعا بالسواد،واذا كانت هذه الفترة خلدت أسماء عديدة لمناضلين يساريين رجال فانها أيضا خلدت لنا أسماء مناضلات يساريات كثيرات اهمهن ثرية السقاط،وابنتها أسية الوديع،سعيدة المنبهي،حبيبة الزاهي وغيرهن اللائي استطعن بتضحياتهن ونضالاتهن أن يطبعن تاريخ السياسة في المغرب بصيغة المؤنث،وما يزال هدا اليسار ليومنا ولادا لمناضلات أخريات بالرغم من التحولات السياسية و الاجتماعية التي عرفها المغرب خلال السنوات التي تلت اعتلاء محمد السادس لعرش المملكة ،ولعل أبرز اسمين أوجدا لنفسيهما مكانا مهما داخل المنظومة الحزبية التي يسيطر عليها الرجال هما نبيلة منيب وحسناء أبو زيد.

نبيلة منيب ،الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد ،هي أول امرأة ترأست حزبا سياسيا في المغرب ، استطاعت بفضل جرأتها السياسية وقدراتها التواصلية التحليلية ،وأيضا بفضل فهمها العميق للطريقة التي يدار بها هرم السلطة ،أن تصنع لنفسها مكانا بين الشخصيات الأكثر تأثيرا في الساحة السياسية بالمغرب .

بدأت نبيلة منيب مسيرتها السياسية مذ أن كانت طالبة بالجامعة وانتمائها للاتحاد الوطني لطلبة المغرب ومنه كانت الانطلاقة لتنشط في عدة جمعيات وحركات حقوقية ومدنية ،وبرغم من تكوينها الأكاديمي البعيد كليا عن السياسة كونها حاصلة على دكتوراه في علم الهرمونات وتشتغل كأستاذة جامعية لمادة علم الغدد والهرمونات ،إلا أن ذلك لم يمنعها من أن تسطع كشخصية سياسية قوية تقود حزبا يساريا تسعى من خلاله توحيد قوى اليسار، إذ ما فتئت تكرر رغبتا العميقة في وطموحها الأسمى في تحقيق هذه الوحدة :" لا يمكن لليسار المغربي أن يبقى مشتتا كما عليه الآن...عليه أن يتوحد من أجل الضغط أكثر على الدولة المخزنية" غير أن رغبتها هاته لا تقابلها ممارسة على أرض الواقع في مرة تهاجم حزب الإتحاد الاشتراكي وقيادته الحالية ومرة تنتقد نبيل بن عبدالله ،زعيم التقدم والاشتراكية وتتهمه بالتحالف مع حزب رجعي أجهز على المكتسبات التي ناضل من أجلها اليسار لسنوات..الأمر الذي يجعل المعارضين لمنيب يصفونها بمناضلة الصالونات على اعتبار التناقض البادي بين خطابها وطموحها وممارستها، فأحيانا تبدو مثالية جدا :" نحن لا نعارض الحكومة لأنها لاشيء..نحن نطالب بالملكية البرلمانية على غرار بريطانيا" ..و أحايين أخرى تبدو عادية جدا :" نحن نطالب بإلغاء العتبة الانتخابية "

وعلى نفس الجانب ،وبمكان قريب من منيب تقف عضوة المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي ،حسناء أبو زيد، الشاعرة والكاتبة الفصيحة جدا، الصيدلانية  زوجة الاتحادي السابق ،عامل إقليم المحمدية السيد سالم الشكاف .ولجت أبو زيد عالم السياسة من بوابة الاتحاد الاشتراكي سنة 2005، وكانت 6 سنوات كافية لها لتصل للمكتب السياسي وتتحول لثاني أقوى شخصية داخل الحزب بعد إدريس لشكر ،رغم أن هناك كثيرين، بكواليس الاتحاد ،يهمسون أنها صارت تتفوق عليه وننجه بخطوات ثابتة نحو كسب رهان الزعامة بالمرحلة القادمة ،فالقريبون منها يدركون جيدا رغبتها القوية في أن تصير يوما أول امرأة تتزعم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،وهي نفسها لم تخفي رغبتها هاته في لقاء تلفزيوني سابق.

وعلى خلاف منيب ،ففكرة توحيد اليسار لا تغري كثيرا أبو زيد بقدر ما يغريها تعديل المادة 5 من القانون التنظيمي لمجلس النواب التي تمنع  كل مستفيد من مقعد برلماني ضمن اللائحة الوطنية من الترشح لولاية ثانية ضمن نفس اللائحة مع العلم أن حسناء أبو زيد دخلت البرلمان كمرشحة عن اللائحة الوطنية للنساء .لكن عهدها الحديث بالاتحاد ورغبتيها السياسية والانتخابية لم يمنعها من ربط علاقة تحولت لعلاقة وجدانية بالحزب وخاصة بتاريخه المجيد،فهي بالمرصاد لكل من يحاول مس هذا التاريخ النضالي،حتى أن البعض يتهمونها بالسلفية السياسية وعدم القدرة على مغادرة الماضي .وفي المقابل تبدي معارضة شديدة للحزب الإسلامي ،العدالة والتنمية،وتجربته الحكومية إذ لا تترك فرصة دون أن تتهمه بالتراجع عن كل المكتسبات التي حققها اليسار وخاصة حكومة التناوب التي ترأسها الزعيم عبدالرحمن اليوسفي ،أهمها ما يتعلق بجانب الحقوق والحريات ...وتعتبر أبو زيد واحدة من أبرز المناضلات في صفوف الحركة النسائية إذ ترى أن معركتها الأساسية هي إنصاف المرأة سياسيا واجتماعيا وحقوقيا ،فقد سبق لها سنة 2010 أن تم انتخابها نائبة للكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات ،فضلا عن اشتغالها منذ 2014 كعضو بلجنة المساواة وتكافؤ الفرص بمجلس النواب .

لسنا هنا نقارن بين نبيلة وحسناء،فلا قياس مع وجود الفارق، ولكننا نحاول فقط أن نلقي نظرة على شخصيتين يساريتين تتجهان بثبات نحو تغيير مستقبل اليسار المغربي من خلال بعثه من جديد ولكن لكل واحدة رؤيتها وطريقتها المختلفة عن الأخرى .

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة