أسماء لمنور: حتى لا تستمر الكبوة!

أسماء لمنور: حتى لا تستمر الكبوة!

سفيان الماجدي

 

          لا يجبُ أن نتباطأَ في الإعلان عن فشلِ "أغنية" ماشي رجولة للمغنية أسماء لمنور، على أن نحدّدَ المعنى الذي نقصدِهُ بـ"فشل". فإذا كانتِ الأغنيةُ تحقِّقُ، شيئاً فشيئاً، نِسباً عالية من المشاهدةِ على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنها فاشلةٌ في علاقتها بالذوق الجمالي، وفيها احتقارٌ للمستمع العربي عامة، والمغربي منه على الخصوص. 

          تتناولُ هذه الأغنية، كما تَرى إلى ذلك أسماء لمنور، موضوعاً اجتماعياً شاعَ في المجتمعات العربية، وبخاصة المغربية منها، يتعلَّقُ هذا الموضوع بالعلاقات العاطفية التي تنتهي بتملُصِّ الرجل من المسؤولية ومنْ تتويج هذه العلاقة بالزواج. تبْدو هذه المعطيات مُطَمْئِنَةً بالنظر إلى الدور الذي يضطلع به الأدب والفنُّ عموماً في معالجة القضايا الاجتماعية، وتنبيهِ المجتمعات إلى مشاكلها. لكنَّ الطريقة التي قُدِّمَ بها هذا العمل جعلت الأغنية قريبةً من تقديم نسخة مطابقة للواقع، بعيدةً عن محاكاته انطلاقاً من إدخال عناصر الخيال والفن، ومن تَمَّ استمالةِ المستمع والتأثير فيه.

          "الفن تعبير عن المجتمع"، و"الفنان جزء لا يتجزأ من المجتمع"، عبارتان وغيرهما مما تكرر كثيراً في الدراسات الاجتماعية التي جعلَت الأدب والفنَّ مرآةً عاكسةً للواقع. على أنَّ الفن ليْس نقلا للواقع كما هُو، وإنَّما هو خيالٌ "يسبَح" في فضاء الذهنِ، يأتي الفنان بوَعْيِه، ونضْجِه، وإحساسه المُرهَف، وقدرَتِه على الخلق والإبداع، فينقل تلك "الصورة الواقعية" إلى "صورة فنية متكاملة" يتواشج فيها الواقعي بالخيالي بالفني.

          تنزِعُ هذه الأغنية (ماشي رجولة)، للتعبيرِ عن قضيتها الاجتماعية التي تصدر عنها، إلى اعتمادِ لغة هي من صميم الشارع المغربي تبدُو مفاجِئة للوهلة الأولى، وبخاصة إذا ما علِمنا أن الألفاظ المؤلفة لكلمات الأغنية لا يتِمُّ تداولها إلا في نطاق الشارع، وفي سياقات مخصوصةٍ (ما شي رجولة، ها وجهي إلى طفرتيه، كولها وسير تموت...). هي، إذن، استراتيجيةٌ مقصودة من لدن أسماء لمنور و"صاحِب الكلمات" الذي ننأى عن تسميته شاعراً، كان الغرضُ منها خلقَ رجة للمستمعِ، وإحداثَ خلخلةٍ في مستوى تذوقُّه للموسيقى. والمتتبِّعُ لأعمال المغربية أسماء لمنور يتبدَّى له جليّاً، ومنذُ "صافي"، و"درتي لي الطيارة"، و"هاكاوا"، دأبُها على اختيار كلمات مغربية من الحديثِ اليوميِّ وإدراجِها في ألحانٍ مغربيةٍ شبيهة بتلك التي افتتَح بها سعد لمجرّد هذا اللون، أو عودتِها، أحياناً، لألحانٍ من الفولكلور المغربي، مع إحداثِ تغييرات فيها، لتتلاءَم مع راهنيَّةِ الذوق الموسيقي الآن.

          واهمةٌ أسماء لمنور في سعيْها هذا، واختياراتِها هذه. أ هكذا نستميلُ الجمهور وننال إعجابهُ؟ هل بمفاجأته بكلماتِ الشارع التي يسمعها يومياً، ويتحرَّجُ من استعمالها، وربما يمتعض منها، أم بجعْله يرقى بذوقه من خلال كلمات منتقاةٍ تنقي هذه الأذن، ولا تخدش الذوق؟ إن الناظر في أعمال أسماء منذ بدياتها الأولى تشدُّه اختياراتُها وحِرْصُها على تقديم الأفضل حتى وصلت إلى بناء صورة واضحة عن مسيرها الفني. نتوقفُ، هنا، عند أدائها للون الحضرمي، والخليجي، والمصري، والراي، ومشاركتها في الغناء مع كاظم الساهر في "أشكو أياما"، و"المحكمة". إلا أنَّ هذه الصورة ما لبِثَتْ تصابُ، شيئاً فشيئاً، بتشوُّهاتٍ وخرومٍ.

          لا يا أسماء! إنَّ الاختيارات الغنائية، التي قمتِ بأدائها في السنتين الأخيرتين، لم تجعلكِ تقديمين إضافة نوعية إلى الجمهور، بقدر ما كانت إضافة كمية أساءت إليك، وإلى مشوارك الفني. وفشل أغنية "ما شي رجولة" هو محصلة اختيارِ توجّهٍ فني عقيم، أو ما يمكن أن نصطلح عليه بـ "موجة غنائية" سيزولُ قريباً؛ لأن الأعمال التي تنتمي إلى هذه الموجة لا تظلُ راسخة في سجلِّ الموسيقى لضَعْفِ كلماتِها أولاً، ولمواضيعها التي تقتربُ إلى الوثائقية منها إلى الفن، ثم لألحانها.

          وتفيدُ العودةُ إلى أغاني أسماء لمنور الصّادرَة منذُ سنتين، أنّ هناك نَسَقاً من الألفاظ يسيجُ مسيرَ إبداعها؛ حيثُ إنّ: صافي، ودرتي لي الطيارة، هاكاوا وزيداوا، وماشي رجولة، وها وجهي إلى طفرتيه، و كولها وسير تموت... هي ألفاظ تحيل بشكل مباشر على معجم لغوي ينتمي إلى ما نسميه في المغرب بـ "الزنقة". على أن الكلمات الخاصة بـ "ماشي رجولة" تجعلُنا نستعيد أحداثا من حياتنا اليومية،  ومنها تلك الصراعات التي تنشأ في بعض الأحياء والتي تدخل فيها النساء، كطرف، بمشادات كلامية شبيهةٍ بكلمات الأغنية. 

          قد نتساءل عن السبب وراء ترَدِّي الكلمات المعتمدة في مثل هذه الأغاني. أول هذه الأسباب هو التوجه الذي اختارته المغنية، والذي قد يكون الهدف منه الربح المادي، أو الانتشار السريع، ويكمُن السبب الثاني في ضعف الذائقة الشعرية لدى مؤلفي كلمات الأغاني، أما السبب الثالث فيتعلق بجعل كلمات الأغاني تخضع لألحان جاهزة، مما يؤثر عليها سلبا ويوهن قوتها، ولنا في "درتي ليا الطيارة" خير مثال على ذلك، كما أن عبارة "ديك الهضرة ديال الأفلام العربية" في أغنية "ماشي رجولة" عبارةٌ مستهلكة، وتبدو مُستثقلةً على لحنٍ هو أسبقُ منها في التأليف. لنْ نستفيض في مجال الألحان، لأنّ هذا الأمر لا يهُمُّنا هنا.

          لا نريد أن نلقيَ الأحكامَ جِزافاً. وإنّما ندعُو أسماء لمنور إلى وقفة تأملٍ متأنية مع الذات؛ تأملّ لِمَا مَضى، وللقادم من الأعمال. مثلما ندْعُوها إلى أن تطرَح على نفسِها أسئلة لعل أبرزها: هل أنت راضيةٌ على ما تقدمين في الآونة الأخيرة؟ قد يقالُ عنّا إنا أعداء النجاح، لكنّنا حريصون على أن تقدِّمَ ابنة المغرب الأفضلَ، وتحافظَ لنفْسِها على ألَقِها ووَهَجِها، بكلّ تُؤَدَّة.  

 

عدد التعليقات (1 تعليق)

1

بنت المملكة

مقال جميل جدا

بالفعل مقال رائع ، أسماء مؤخراً باتت تتخبط في الإختيارات الفنية ظنا منها بأنها تواكب موجة الشباب . لم تتعلم من الفنانة جنات والفنانة هدى سعد ، اللتان حافظتا على الذوق العام المغربي .. وللاسف الشديد بأن اسماء حطمت نفسها شيئا فشيئا ، وذلك يرجع لعدم وجود مدير أعمال واعي ليدير لها عجلة الإختيارات .. ورغم أنها متواجدة على الساحة إلا أن اغانيها تمر مرور الكرام ولا تعيش كأغاني إليسا ونوال الزغبي وأصالة وكبار نجوم الصف الاول ..

2016/06/30 - 09:56
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة