المغرب بين الدولة الدينية و الدولة المدنية‏

المغرب بين الدولة الدينية و الدولة المدنية‏

رشيد العزاوي

 

حزب العدالة و التنمية بمرجعيته الاسلامية ،و الذي يتراس الحكومة المغربية منذ أربع سنوات ، وضع العديد من المختصين في الشأن المغربي و حتى الكثير من المغاربة في لبس شديد ..هل تحول النظام المغربي الى دولة دينية؟ و هل للحكومة سلطة قانونية و فعلية في الشأن الديني؟ و اذا كانت دولة دينية فما سرهذه الازدواجية بين واقعنا الدستوري، وواقعنا القانوني والمعيشي؟

هل المغرب دولة دينية؟

 المغرب دولة دينية تدين بالدين الاسلامي، منذ الفتح الإسلامي كان الحكم يعتمد على مرجعية القرآن والسنة في تشريعاتها وقوانينها ، و تعتبرالاسلام  ملازما للدولة..الدولة تساوي الدين و الحاكم بمثابة أمير المؤمنين... هذه الدولة الدينية من اسلام و يهودية و نصرانية أعطت منذ قرون نموذجا في التسامح و التعايش الاثني و العرقي...

الغالبية الساحقة من الشعب  المغربي هم من المسلمين ألزموا على المشرع المغربي اسلامية الدولة  و قد نصت بعض بنوده مايلي..

ينص  دستور المملكة المغربية على أن " المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة..." كما أن الفصل السادس ينص على أن "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية" كما أن الفصل التاسع عشر ينص على كون " الملك أمير المؤمنين ... وهو حامي حمى الدين..." من خلال بنود الدستور السالفة الذكر يتبين أن أسمى وثيقة قانونية في البلاد أي الدستور تنص على دينية الدولة المغربية..تنصيص الدستور المغربي على أن الدولة إسلامية يعني أن، جميع القوانين التي سيشرعها المشرع المغربي يجب أن تحترم تدرج القوانين، وأن تكون دستورية بما أن الدستور هو أسمى وثيقة قانونية أي أن تكون كل القواعد القانونية المنظمة للعلاقات بين المواطنين (القانون الخاص) وتلك المنظمة للعلاقات بين المواطنين والدولة (القانون العام) محترمة للإسلام والشريعة الإسلامية.

المغرب دولة دينية في القانون.. وعلمانية في الواقع

لكن الواقع القانوني واليومي المغربي الآن يفندان ما يتضمنه الدستور من كون المغرب دولة إسلامية وبالتالي يمكن القول بعدم دستورية القوانين، والتشريعات المغربية،حيث يتبين أن كل القوانين المغربية الحالية لا تمت لشريعة الإسلامية بأية صلة بل هي مبنية في الحقيقة على القواعد القانونية المستمدة أساسا من القانون الفرنسي الوضعي و بعض القوانين الأخرى  من الدول الغربية.. انها ازدواجية متناقضة

 

في اعتقادي هذه الازدواجية ترجع بالأساس إلى مسألة المشروعية السياسية ، فكلنا نعلم أن النظام السياسي المغربي ينبني على ثلاث مشروعيات أهمها وأولها المشروعية الدينية إذ يعتبر الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الدين وبالتالي توفره على حماية دينية تخوله ممارسة الحكم ثم المشروعية التاريخية المستمدة من النسب الشريف، والمشروعية التعاقدية بين الملك والرعايا التي تجسدها البيعة والولاء، يتبين إذن اعتماد المشروعية الملكية في المغرب على هرم ثلاثي الأبعاد أساسه المشروعية الدينية مما يحتم إدراجها في الدستور. أما المسألة الثانية التي تفسر هذه الازدواجية هي طبيعة المجتمع المغربي المتبنى للعلمانية كقيمة اجتماعية تجسدها الأعراف الأمازيغية بالمغرب منذ الآلاف السنين حيث لم يلجأ المغاربة قط إلى إدراج الدين في دهاليز السياسة، إيمانا بقدسية وحرمة الأديان واعترافا بحرية الاعتقاد والممارسة الدينية، فالعمل السياسي حسب الفيلسوف الإيطالي "ميكافيلي" يقتضي التمويه والمواجهة والمماطلة، وممارسة العنف المادي والمعنوي، وإدراج الدين في هذه المسائل يجرده من قيمه الأخلاقية والانسانية النبيلة التي جاء لغرسها في النفوس، وتتجلى بوضوح علمانية المجتمع الأمازيغي في طريقة تسيير شؤون القبيلة الأمازيغية على مر العصور وطريقة التشريع وإصدار القوانين من طرف " انفلاس" ومجلس القبيلة حيث لا يحق لرجل الدين أو الفقيه التدخل في مداولات المجلس وإنما يتجلى دوره في مهام ذات دلالات رمزية حيث يتولى مهام التوثيق والتقرير في ألواح القبيلة. ولهذا كانت الحركة الأمازيغية بالمغرب منذ نشأتها سباقة إلى الدعوة بإقرار علمانية الدولة المغربية وترى الحركة الأمازيغية أنه لتحقيق مجتمع مغربي حداثي ومتقدم ومعترف بحق الاختلاف الديني والثقافي لابد من إقرار مبدأ العلمانية بالدستور المغربي.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة