يصدِّرون خيراتنا ويستوردون الأزبال

يصدِّرون خيراتنا ويستوردون الأزبال

رشيد أخريبيش

 

بلدنا تحوّل إلى مزبلة للعالم أجمع، من ضاقت عليه أرضه بسبب النفايات والأزبال، فالوجهة المغرب، ومن أراد أن يحافظ على بلده وعلى أبنائه، فليرسل الأزبال إلى بلدنا حيث الديمقراطية المعطوبة، وحيث حقوق الإنسان على مقاس الحكام، وحيث حياة المواطن لا تساوي جناح بعوضة عند من هم على رأس القرار في البلاد.

الساسة في بلادنا أشِدّاء على الشعب رحماء بالغرب ،يظهرون قوّتهم على أبناء الوطن، يستعبدونهم إلى آجل غير مسمى، أمّا إذا تعلّق الأمر بالغرب، فلا خلاف ولا اختلاف بينهم، الكلّ يسارع إلى تقديم الولاء والطاعة لهذا الغرب، فالسّاسة في بلادي لا يعصون الغربَ ما أمر، يتنازلون عن مصالح البلد، يهتفون بحياة الغرب، فحتّى أزبال الغرب استقبلوها وعانقوها عناق الأحبة، وقالوا إنّها غير مضرة ولا تشكل أي خطر على حياة المواطنين، بل لا نستبعد أن تصبح هذه النفايات ضرورة لا يمكننا العيش بدونها في هذا الوطن .

بلد المفارقات العجيبة ،بلد التناقضات التي لا تنتهي، فعندما تقيم الحكومة ومن سار على شاكلتها الدنيا ولا تقعدها حول "الميكة" بينما تبرّر دخول أطنان النفايات إلى المغرب، فإنّ ذلك يستدعي أن نتوقف ولو للحظة، لنحاول فهم هؤلاء الذين يحكمون ولفهم المنطق الذي به يفكّرون. 

عندما طفت فضيحة أزبال إيطاليا على السطح، وعندما خرج المغاربة ضدّ هذه المهزلة التي كانت بطلتها حكيمة الحيطي، التي كانت تعمل 22 ساعة في اليوم من أجل أن تُعلن عن الصفقة، بدأ الإعلام الرسمي في تعداد محاسن هذه الفضيحة التي لو حدثت في بلدان تحترم نفسها، لسقطت الحكومة وربما ألقي القبض على من أبرم تلك الصفقة.

إعلامنا الرسمي صاحب التفاهات والسهرات، أراد أن يستحمر الشعب المغربي ،عبر محاولاته لإقناعه بأن تلك النفايات التي جاءت من إيطاليا، ليست خطرة على صحة الإنسان وأنّها مكمّل أو بديلٌ للطاقة الأحفورية دوليا في مصانع الإسمنت، نظرا لما تتميز به من قوة حرارية مهمة. وذهب بعيدا حتى أصبحنا نعتقد أن المغرب استورد منتوجا غذائيا ليس له مثيل، وليست مواداً سامّة تهدد حياة المواطنين.

لا أحد يصدّق مبرّرات الحكومة المغربية حول هذه الفضيحة،ولا أحد سيحاول إقناع نفسه بأنّ ما حدث يصبّ في مصلحة المغاربة أرضاً وشعباً، فجميع الخبراء يؤكدون أنّ تلك النفايات ستكون لها تداعيات خطيرة على حياة البشر والحيوان وكذلك النبات. 

الكلّ كان متفقا تماما على أنّ النفايات ضرورة ملحّة يجب استقبالها من أجل تنمية البلد، والكل كان يذكّرنا بمحاسن الأزبال وفوائدها، أغلبية كانوا أم معارضة، فالحكومة التي كان من الممكن أن تطالب الوزيرة الحيطي بتقديم توضيح في الأمر ،وربما إقالتها حفظا لماء وجهها الذي مرغته في الوحل وزيرتنا المحترمة ، عندما أقدمت على تلك الفضيحة، كانت على عكس ذلك تدافع عن الأزبال وعلى من جاء بالأزبال، بل الطّامة الكبرى أنّ هؤلاء تجاوزوا ذلك فخرجوا يطلقون ألسنتهم على المغاربة، مطالبين المغاربة بالتوقف عن انتقاد تلك الصفقة بحجّة أنّه في عهد الحكومات السابقة كانت الأزبال تدخل المغرب دون حسيب ولا رقيب ودون علم أي أحد من الشعب.

من المؤسف جدّاً أن يدافع آل بنكيران عن الحيطي بمثل هذه الحجج الواهية، في الوقت الذي كان من الممكن أن يطالبوها بتوضيح على الأقل في الموضوع، لأنّ المغرب ليس مطرحاً للنفايات، وأنّ الوطن ليس مزبلة للعالم لكي يطرح فيه سمومه. 

ومن المؤسف أيضا أن نرى حملة زيرو ميكة التي أعلنت عنها الحكومة من أجل احتضان قمة المناخ المقرر تنظيمها بمراكش في شهر نونبر المقبل، بينما الحكومة كانت تفاوض من أجل إدخال السموم إلى أرض الوطن.

حكومة السيد عبد الإله بنكيران منذ أن تربّعت على العرش وهي تحاول إقناعنا بأنّ في عهدها تم فضح الفساد وتم التشهير به، وهذا ينطبق على فضيحة الأزبال عندما صرّح أحدهم يقول، يكفي أنّ المغاربة سمعوا بقضية الأزبال في عهدنا، ففي عهد الحكومات السابقة لم يكن المغاربة يسمعون عن مثل هذه الفضائح وهذا يعتبر إنجازا في حد ذاته ساعدت عليه الحكومة.

المغاربة لايريدون أن يعرفوا من يقترف جرما في حقهم فقط ، لا يريدون من يعلن عن لائحة المفسدين الذين هربوا أموال الشعب إلى الخارج فقط كما، لا يريدون أن يتم الإعلان عن لا ئحة من يستفيدون من خيرات البلاد فقط بل الشعب.يحتاج إلى من يحاسب هؤلاء يحتاج إلى من يوقف هؤلاء، يحتاج إلى أن يزجّ بهم في غياهب السجون، ليكونوا عبرة لكل من سولت له نفسه المساس بأموال الشعب أو صحته أو كرامته، فما قيمة الإعلان؟ وما قيمة المعرفة إذا كانت الدولة لا تحرك ساكناً تجاه ما يحدث من تجاوزات في البلد ؟. يكفي أنّ الجميع يعرف كيف مرّت قضايا الأشباح و المستفيدين من المأذونيات ومن مقالع الرّمال مرور الكرام، بل تناستها ألسنة من يريد الإصلاح وراحوا يبحثون عن مبرّرات أخرى لإقناع الشعب بالأوهام.

المغاربة ليسوا أغبياء إلى درجة يمكنهم السير وراء الأوهام، وليسوا أغبياء لتصديق حجج الحكومة في استقبال الأزبال وفي غيرها من الفضائح والجرائم التي ترتكب في حقهم. 

بالله عليكم من يصدّق أنّ الأزبال لا تشكل خطرا على حياة الناس، ومن يصدّق أنّ هذه الأزبال مكملة للطاقة فلو كانت كذلك لما بحثت إيطاليا عن بلد ليواري أزبالها ، ولربما استفادت هي الأخرى من فوائد أزبالها دون اللجوء إلى الحيطي وأمثالها.

ما قامت به الأنيسة الحيطي وما فعلته سرا بعيدا عن أعين المغاربة وتحت رعاية الحكومة، التي دافعت عنها هو جريمة نكراء و إساءة لاستخدام السلطة السياسية تستحق عليها أقسى العقوبات .

رجاء ارحموا عقولنا فالواقع أظهر زيف مسرحية الإصلاح التي طالما قدمتموها على مسامع المغاربة، وأظهر بما لا يدع مجالا للشك أنّ ما كانت الحكومة تتبجح به من إصلاح كان مجرد بروباغندا أراد من خلالها من هم في السلطة توهيم الشعب، فمهما كانت المبرّرات، ومهما كانت الأعذار فالأزبال ستبقى أزبالا والنفايات لا يمكنها أن تتحول إلى منتوج صالح للأكل حتى لو كانت مستوردة من الخارج.

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات