قتلت مليون إنسان ...أناآسف!

قتلت مليون إنسان ...أناآسف!

عادل اعياشي

 

الأسف رد فعل نبيل يعبر به المرء إن هو أخطأ في حق أخيه كأن يتحاشاه في مجلس السلام مثلا دون قصد، أو يلمسه بحركة طائشة دون نية في ذلك، فيطلب منه العفو مبديا تأسفه وخجله، وغالبا ما تنتهي هذه المواقف بالصفح بين الطرفين فتتفرق النفوس وقد خلت من أي أثر أو حزن، هذا هو المعمول به أو المتفق عليه من المواقف الإنسانية حيثما ذهبت، لهون دواعي الأسف في هذه الحالة، وخروج السبب من دائرة العمد والقصد.

ولكن أن يخرج إلينا شخص ذو منصب سياسي رفيع، وبكامل إدراكه الحسي والعقلي، يتربع على رأس دولة يضرب بها المثل في الديمقراطية وحقوق الإنسان، معلنا لوسائل الإعلام الدولية أسفه على غزو بلد حر ذو سيادة، نجم عنه مقتل آلاف المدنيين الأبرياء، ودفن قرى بأكملها تحت الأرض، وتهجير وتشريد آلاف آخرين نحو المجهول، وحصار خانق طويل الأمد نتج عنه وفاة الآلاف جوعا ومرضا في غياب أدنى وسائل الرعاية والتطبيب، كل هذه الجرائم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تلغيها من الوجود أو أن تطمسها من التاريخ بمجرد كلام يعبر صاحبه به عن تأسفه وتأثره لما جرى، خصوصا وإن كان هو أحدالمسؤولينعن كل هذه المعاناة حيث تمت باسمه ومباركته.

وإذا عدنا قليلا لتاريخ الإنجليز في الحروب العالمية وما قبلها فسنجده أسودا كالليلة الظلماء، لا يخلو من مذابح وتجاوزات خطيرة في حق الإنسانية، تميط القناع عن كيان دموي متوحش لا يكترث لا للمواثيق الدولية ولا لحرمة الدماء البشرية، فمثلا في ايرلندا الشمالية ثمة العديد من الشواهد التي توثّق لوجود جرائم قتلٍ عديدة ارتكبها الجنود الإنجليز في حقّ مواطنين مدنيّين وغير عسكريّين في الفترة الممتدّة بين عامي 1970و2000 حيث أقدم جنود تابعون للجيش الإنجليزي على قتل ما يزيد على 300 مواطن ايرلندي، بينهم نساء وأطفال، كان جميع هؤلاء الضحايا من الأفراد العاديين وغير مسلحين، ولم يكن أحد منهم يشكّل أيّ نوعٍ من الخطر على أحدٍ من الجنود الإنجليز.كما عُرف على النظام البريطاني أسلوبه الممنهج في  التعذيب واستعمالهللغازات السامّة في النزاعات، حيث أوردت صحيفة الغارديان البريطانية، أنّ خبراء الجيش البريطاني قاموا بإجراء اختبارات باستخدام غاز الخردل القاتل على المئات من الجنود الهنود خلال تجارب استغرقت أكثر من عقد، وبدأت قبيل الحرب العالميّة الثانية وقد أدّت هذه التجارب إلى إصابة أعدادٍ كبيرة من الجنود الهنود بحروق خطيرةً  ووفاةأكثرهم. 

وجاء في تقرير نقلاً عن مستندات في الأرشيف الوطنيأنّ أكثر من 20 ألف جندي بريطاني أُخضعوا لتجارب خوض حروب كيمائيّة خلال الفترة الممتدّة من عام 1916 حتى العام 1989 في مركز (بورتون داون) للأبحاث، وشملت تلك التجارب عدداً من الغازات السامة كغاز الأعصاب، وغاز الخردل، وكان مما تهدف إليه هذه التجارب تحديد مقدار الغاز اللّازم لإحداث أضرار جسيمةٍ بالعدوّ في ساحة الحرب. 

كما لا يخفى على باحث في الحروب العالمية إقدام إنجلترا على الإبادة الجماعية لـ 600 ألف ألماني بأمرٍ من تشرشل، ففي 11 مايو 1940 وتحديداً بعد يومٍ واحد على تعيينه رئيساً للوزراء ووزيراً للحرب، اتخذ ونستون تشرشل قراراً يقضي بتوجيه أوامر للقوات الجوية البريطانية بتوسيع نطاق الهجمات الجوّية على المدن الألمانية، وقال قولته المشهورة "اقضوا عليهم جميعاً"كان الهدف الذي سعت إليه قوات الحلفاء هو القضاء على الشعب الألماني بأفظع شكلٍ ممكن.

ومن الجرائم النكراء التي اقترفها تشرشل، القصف الكيميائي للعراق في إطار اختبار الأسلحة الكيميائيّة، وبحسب تقريرٍ نشرته صحيفة الحياة، يعود تاريخ استعمال أسلحة الدمار الشامل في العراق إلى بدايات القرن العشرين، حيث كانت السلطات الإنجليزية تدافع بشدّة عن استعمال هذا النوع من الأسلحة المحرمة دوليا، كما عمدت قيادة القوّات الإنجليزية في الشرق الأوسط والتي لم تتوانَ عن بذل أي جهدٍ في سبيل قمع المعارضين للاحتلال الإنجليزي في تلك المنطقة، عمدت إلى تجربة أسلحتها الكيميائية على العرب الذين قاوموه بشدةٍ آنذاك، وكان ونستون تشرشل وزير الحرب والطيران الإنجليزي في تلك المرحلة، قد أعلن دعمه لهذه الأسلحة من خلال سماحه باستخدامها ضد العشائر العراقية، حيث استهدف القرى الآمنة بالقصف والقذائف الثقيلة وكل ذلك جرى في ظل رئاسة إنجلترا لمنظّمة الأمم المتّحدة. والغريب في الأمر أن احتلال العراق بعد ذلك كان بذريعة محاربة أسلحة الدمار الشامل والأسلحة البيولوجية والكيميائية.

وفي الهند إحدى المستعمرات البريطانية تعرضتعام 1942 لمجاعةٍ قاسية بفعل الممارسات الاستعمارية التي قام بها تشرشل، حيث وجّه أوامره بتحويل السفن التي كانت تنقل المواد الغذائية نحو الهند إلى مسارٍ آخر، وانشغلت تلك السفن بنقل التجهيزات والأطعمة للقوات العسكرية الإنجليزية في شمال أفريقيا، مما تسبّب في مجاعةٍ كبرى أدّت إلى فقدان أكثر من 5 مليون مواطنٍ هندي حياتهم.

توثق هذه الأحداث وغيرها دموية بريطانيا وارتكابها أفظع الجرائم ضد الإنسانية، وطبعا رئيس الوزراء المتأسف طوني بلير لا يشكل استثناء في سلالة ملطخة بالدماء، فهذا الشبل من ذاك الأسد، وهو متهم بارتكاب جرائم حرب في العراق إلى جانب شريكه في القتل بوش.

تسببت حرب العراق2003 التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية مع حليفتها بريطانيا مقتل مئات الآلاف من العراقيين، ولم تتردد القوتان المتحالفتان في إحراق الأخضر واليابس على مرأى ومسمع من الأمم المتحدة التي اكتفت بالمشاهدة فقط والاستمتاع بجثث الأطفال العراقيين المنتشرة في شوارع بغداد،

واتُهم الجنود البريطانيين بارتكاب جرائمعديدة خلال الحرب العدوانية تمثلت في تعذيب الأسرى بأسلوب ممنهج، وقتلهم بأبشع صور وإساءة معاملتهم، غير أنّهم كانوا دائماً ما يخرجون من هذه الاتهامات دون محاكمة ولا جزاء،  ولحد الآن، لم يخضع أحد من الجنود أو الضباط البريطانيين المتهمين لمحاكمةٍ جادة، ولم يَلْقَ أحد منهم العقوبة التي يستحقها.

ومن أجل طمس فضيحتها وامتصاص ردود الأفعال الدولية الغاضبة، عمدت وزارة الدفاع البريطانية إلى دفع تعويضات لبعض العائلات المكلومة وصلت إلى2,83مليون دولار كعائلة بهاء موسى وعائلات تسعة أشخاص آخرين كانوا قد تعرضوا بدورهم إلى انتهاكات من قبل القواتالبريطانية،وكانت هذه الخطوة وسيلة فاشلة لتجميل صورة القوات البريطانية وتغطية جرائمها في العراق.

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه ما محل جامعة الدول العربية والأمم المتحدة مما جرى ويجري من مسرحية مضحكة مبكية بطلها طوني بلير؟ ألم يكن بالأجدر على الجامعة العربية الرد بلغة حازمة على هذا المعتوه المخرف وإيقافه عند حده على الأقل؟ ثم رمي أسفه على وجهه حتى يكون عبرة لغيره؟ فإذا كان البرلمان البريطاني قد اتهم طوني بلير في تقرير من مليون كلمة فنحن بوسعنا أيضا توجيه اللوم إليه على جرائمه التي اقترفها في العراق بمباركة وإشادة أمريكية بتقارير تتعدى المليار كلمة، ثم أين تكمن أهمية الجنايات الدولية إن كان مثل هؤلاء خارج قضبان الحديد وفوق سلطان العدالة؟ ولماذا لا تخرج الجامعة العربية ببيان استنكاري تشجب فيه تصريحات طوني بلير التي استفز بها الشعور العربي إن تبقى هناك شعور أصلا، وجرح بتصرفه المريب قلوب الملايين من الغيورين على كل قطرة دم عربية سقطت فداء للحق والحرية.

أقول وبكل بساطة لأن الدول العربية كانت طرفا رئيسيا في الحرب الدموية على العراق، بغض النظر عن تحركاتها المحتشمة وغير الجادة في اتجاه إصلاح ما يمكن إصلاحه قبل بداية الهجوم الشامل، لقد كانت على علم يقين بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة وحتى النتائج الكارثية التي يمكن أن تعصف ببلد عربي كان يومها على طريق الازدهار، فباعتبارهاشريكافاعلافي مأساة العراق لا يمكنها بين يوم وليلة لعب دور الحمل الوديع المرهف الأحاسيس الذي سرعان ما يتأثر بكلام أو تصريح هنا وهناك، لعله السلاح الذي تنتظر إنجلترا استخدامه ضد جامعة الدول العربية أو أحد أعضاءها إن هي فاهت ببنت شفة، أو أزعجت لندن بكلام لا تريد هذه الأخيرة سماعه خصوصا وهي تتخبط اليوم في احتقان شعبي بعد خروجها من سلطة الاتحاد الأوروبي،أما الدول العربية فهي ما زالت تدفع ثمن أخطائها الاستراتيجية الكبيرة ولسان حالها يقول أُكلنايوم أكل الثور العراقي.

 

عدد التعليقات (1 تعليق)

1

وهيبة

.

وماذا ينفع الميت الاعتذار

2016/07/15 - 05:04
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة